إلى جانب المشروعية التاريخية والكاريزمية والقانونية للنظام الملكي بالمغرب، تشكل المشروعية الدينية أهم أسس شرعنة الحكم الملكي في مغرب الاستقلال.وبه تحتل إمارة المؤمنين مكانة أسمى ضمن النسق السياسي منذ الاستقلال سنة 1956 إلى الآن . وتتجسد هذه المؤسسة في مجموعة من المؤسسات الملحقة بها أو التابعة لها، والتي تقع تحت سلطة أمير المؤمنين أو من ينوب عنه، وأهمها وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية ، المجلس العلمي الأعلى وفروعه الاقليمية ، رابطة علماء المغرب ، ودار الحديث الحسنية. أما القنوات الايديولوجية التي تستخدمها إمارة المؤمنين لتصريف خطابها الديني- السياسي ، فأهمها خطب الجمعة التي يلقيها الأئمة نيابة عن أمير المؤمنين، والدروس الحسنية الرمضانية التي تمر بحضوره إضافة إلى تفعيل آليتي الإجماع والتحكيم ذات المدلول والحمولة الدينيين. ويشكل الملك، أمير المؤمنين، قطب الرحى ضمن مؤسسة إمارة المؤمنين ، خاصة في ظل نظام حكم ملكي يسود فيه الملك ويحكم ، يسوس الدنيا بالدين ويوظف هذا الأخير سياسيا في صراعه مع خصومه أو منافسيه في مشروعية الحكم. وبذلك يقدم الملك المغربي مثالا جيدا للدراسة العلمية للتداخل بين الدين والسياسة الذي يطبع أغلب أنظمة العالم العربي والإسلامي في مرحلة ما بعد الاستقلال. وتكتسي دراسة خطاب الملك أهمية بالغة ، بالنظر إلى محورية المؤسسة الملكية في بنية النظام السياسي المغربي ، وموقع مؤسسة إمارة المؤمنين ضمنه، وكذا بالنظر إلى الموقع الحاسم الذي يشغله شخص الملك – أمير المؤمين داخل هذه المؤسسة، وأخيرا بالنظر إلى قيمة خطابه الرسمي ، كمنظومة فكرية تعمل على ضبط الحقل السياسي وتوجيهه. لقد كان الخطاب الملكي خلال عهد الراحل الحسن الثانية مثلا ، والذي امتد لأربعة عقود أهم قنوات الشرعنة وإعادة انتاج المشروعية الدينية التي تعلوا على كل ما هو زمني أو تقنين وضعي رغم دسترتها منذ أول دستور لمملكة ما بعد الاستقلال سنة 1962، وبه فإضافة إلى تعبئة منطق العناية الالهية والاصطفاء الرباني ، شكلت آلية البيعة ذلك الميثاق المقدس الذي بموجبه يقدم أمير المؤمنين نفسه كخليفة لله ورسوله مهمته الحفاظ على الدين وسياسية الدنيا به، إضافة إلى التأكيد على النسب الشريف الذي يجعله سبط الرسول (ص)، وهو ما جعل من مهمة الدفاع عن إسلام البلاد السني المالكي، في إطار واحدية مذهبية مفروضة سياسيا، وكذا الدفاع عن الوحدة الترابية للبلاد ، وتحقيق الإجماع والقيام بدور التحكيم في مجموعة من المحطات أبرز تجليات إعادة إنتاجه لهذه المشروعية الدينية. لقد مارس الحسن الثاني السياسة أولا على مستوى الخطاب ، بل يمكن القول إن خطابه هو ممارسة للسلطة ليس الرمزية فحسب بل والسياسية ، وهذا شأن كل خطاب سياسي يستهدف توجيه وضبط والتحكم في حقل سياسي ما، خاصة إذا صدر عن أهم الفاعلين ضمن هذا الحقل. وتظهر أهمية خطب الملك في كونها تشكل أهم وسيلة لاتصاله بالرعية سواء مباشرة أو عبر ممثليهم في البرلمان، وما دام شخص الملك مقدس فقدسية خطابه جعلت مناقشة خطبه أمرا ممنوعا بنص الدستور. كما نميز في خطب الملك بين الخطابات الدورية التي يلقيها بمناسبة الأعياد الوطنية كعيد العرش والاستقلال والشباب ، وذكرى ثورة الملك والشعب ثم المسيرة الخضراء بعد سنة 1975، وتلك الخطب الآنية التي ترتبط بأحداث معينة كتنظيم استفتاء او أحداث عنف في مدينة ما ...وفي كل الأحوال يستمد خطاب أمير المؤمنين قيمته ومكانته من قيمة ومكانة الصادر عنه أي الملك، إضافة إلى السياق او الظرف الذي يلقى فيه ،والحدث الذي يتمحور حوله. وفي دولة ينص دستورها على الاسلام كدين رسمي، ولدى شعب أغلبيته الساحقة تعتنق هذا الدين، تستمد النصوص الدينية ( آيات ، أحاديث أمثلة، عبر أخلاقية) قيمتها من تقديس مصدرها ،باعتبارها صادرة عن الله أو الرسول أو صحابته، من طرف اتباع الديانة الاسلامية. وبه يغدو الاستناد إلى هذه النصوص المؤسسة ، ومحاولة تكييفها مع أحداث ومواقف بعينها أبرز آليات الحجاج إقناعا للمتلقين، خاصة إذا كانت منسوجة من طرف خطيب محترف ، وهي الصفة التي يعترف أغلب الملاحظين والباحثين أنها كانت من مميزات الراحل الحسن الثاني، خاصة على مستوى التحكم في اللغة العربية وفي آليات الحجاج وأدوات الإقناع عموما ، إضافة إلى إلمامه بالتراث الديني والمعرفة التاريخية اللازمة للدفاع عن أطروحاته بغض النظر عن صوابها من عدمه. وأخيرا نعتقد بأنه من غير الممكن فهم او تأويل خطاب ما ، والخطاب السياسي خاصة، خارج سياقه الزماني والمكاني. كما أن الخطاب الديني أو حضور النصوص الدينية إما كاستشهادات للبرهنة على موقف ما او كعملية تناص ، ليعبر أكثر من غيره عن ازدواجية السلطة الروحية – الزمنية أي السياسية للملك بوصفه أميرا للمؤمنين ، كما يشكل أبرز مميزات خطب الملك الراحل الحسن الثاني.