بقدر ما يسجل اقبالا متصاعدا من لدن مختلف فئات المجتمع على استعمال تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، وابحارا متزايد في الشبكة العنكبوتية خاصة من الشباب، بقدر ما يسجل، توجسا مبالغ فيه أحيانا، بدعوى "الاستخدام السيئ" لهذه الوسائط من طرف البعض، متغافلين عن إيجابية هذه التقنيات الحديثة وفي مقدمتها الإنترنيت الذي رفع من سقف حرية التعبير عاليا، وأتاحت إمكانيات هائلة في مجال الحصول على المعلومات لمختلف الشرائح الاجتماعية. تحدّيات تعيق حريّة التعبير وتحرّض على الكراهية عبر الإنترنت فالتطور الهائل للوسائط الرقمية غزت كافة مناحي الحياة – كما هو شأن العولمة- وساهمت في تغيير العادات والتقاليد، وأثرت على العلاقات الاجتماعية، وأصبحت التكنولوجيا الرقمية، تقدم العديد من الفوائد، مما جعل قيمتها لا تُقدّر بثمن بالنسبة إلى حقوق الإنسان والتنمية، إلا أن ذلك يتطلب التركيز على التحدّيات التي تعيق حريّة التعبير وتحرّض على الكراهية والعنف عبر الإنترنت، حسب المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشلي. فتنظيم الحكومات للفضاء الرقميّ، وإن كان يمكن أن يثير قضايا أخرى، لا سيّما إذا لم يحترم ذلك الضمانات الأساسيّة لسيادة القانون، والمساواة والإنصاف والمساءلة، فإنه يتعين حماية منصات وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، باعتبار ذلك يعد من بين الأركان الأساسيّة للمجتمع الديمقراطي. كما أن حملات المضايقات والترهيب تفشت عبر الإنترنت، مما شكّل تهديدا حقيقيا للحياة الواقعيّة، وساهمت في نشر خطاب الكراهية والتحريض على العنف – وفق باشلي – التي أشارت أيضا إلى أن عددا من الدول تقيّد الوصول إلى الفضاء الإلكترونيّ، وتكبح حريّة التعبير والنشاط السياسي، بحجّة محاربة الكراهية والتطرف في معظم الأحيان. الإنترنيت كالقطارات تجمع الغرباء وعلى الرغم من أن الإنترنيت وإن كانت شأنها، " شأن القطار تجمع الغرباء معا، فلا أحد يعرف من سيقابله عليها "، فإنها بالمقابل حررت الأفراد وقدمت للمجتمع فرصا غير مسبوقة، فالثورة الرقمية، ثورة ثقافية، في رأي الكاتب والصحفي الفرنسي ريمي ريفيل الذي أوضح أن الإنترنيت غيرت بعمق معالم وسائل الاعلام التقليدية، خصوصا مع ظهور فاعلين جدد في بلورة انتشار المعلومة الاخبارية، وخلخلت كذلك الممارسات المهنية للصحافيين أنفسهم، وغيرت ولو جزئيا الطريقة التي يجرى بها إخبار الجمهور، فضلا عن كون هذه الشبكة أعادت توزيع الادوار بين المنتجين والمستهلكين للصحافة، في تغير تدريجي لطرق اعتماد المعلومات وممارسة القراءة، مما جعل التكنولوجيات الرقمية، انعكاسا للاستعمال الذي يقوم به المرء. توسع في عدد مستعملي الأنترنيت في ظل كورونا وعلى المستوى الوطني توسع عدد مستعملي الأنترنيت في ظل جائحة كوفيد 19 المستجد، بزيادة ملحوظة بنسبة 14.4 في المائة بين سنة 2019 و2020، بواقع 3.5 ملايين شخص من مستخدمي الإنترنيت، انضافوا إلى مجموع المشتركين في الإنترنيت، البالغ عددهم أزيد من 25 مليون منخرطا حسب ما جاء في بحث وطني صادر حديثا عن الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات. بيد أن التوسع في الإقبال على الشبكة العنكبوتية رافقه، تراجعا كبيرا في ما يخص الإقبال على وسائل الإعلام التقليدية في مقدمتها الصحف الورقية التي سجلت مبيعاتها انخفاضا مهولا بلغ 70 في المائة، بعد رفع الحجر الصحي، وفق ما جاء في تقرير" لجنة المنشأة الصحافية وتأهيل القطاع" بالمجلس الوطني للصحافة الذى وصف أن ذلك يعد " أسوأ سيناريو ضمن كل السيناريوهات السيئة التي كانت منتظرة". حينما كانت أربع صحف أكثر قوة من 100 ألف جندي إن الصحافة المكتوبة، تعيش حاليا " قصة موت غير معلن" في الوقت الذي عاشت عصرها الذهبي في ما بين الستينات وأواخر الألفية الثانية، في حين يحتفظ تاريخ الصحافة بالأدوار الطلائعية الذي اضطلعت بها الصحف على مدى القرون الماضية، فنابليون، كان قد أنعش التشابه القديم بين الصحف والجيش، عندما اعتبر أن أربع صحف معادية تخيف أكثر من 100 ألف من حملة الحراب. كما أن أزمة الصحافة " لا ترتبط بالضرورة بآفاق تعافي الاقتصاد الوطني بعد الجائحة، بقدر ما ترتبط بتحديات يتداخل فيها عامل التحول الرقمي ومحدودية سوق الإعلان، وتراجع جمهور القراء، والاختيارات الكبرى في التعامل مع الصحافة، كقطاع استراتيجي له دور أساسي في تعزيز حرية الفكر والرأي وصيانة التعددية، ودعم المشاركة في الشأن العام وبناء المواطنة" حسب ما جاء في نفس التقرير. وفي ظل هكذا وضع تتناسل عدة أسئلة منها ذات طبيعة قانونية وأخرى سياسية منها" هل يمكن أو يجب السيطرة على الإنترنيت؟ وفي حالة الاجابة بالإثبات، فبأي طرق يتم ذلك؟ هل عبر هيئات وسيطة؟ أم بواسطة الدولة؟ هل يمكن أو يجب السيطرة على الإنترنيت؟ وفي هذا الاطار دار نقاش عشية خلال جلسة استماع عام 1996 لمحكمة فيدرالية بفيلادلفيا حول التحديات أمام قانون آداب الاتصالات الجديد، بين فريق متنوع حول الإنترنيت نفسها، وكيف يمكن تحقيق التوازن بين الحقوق المنصوص عليها في التعديل الدستوري الأول الأمريكي، والحاجة إلى حماية الأطفال الذين يستخدمون الشبكة العنكبوتية العالمية. وفي عام 1999، بدء حوار عالمي إلكتروني حول العولمة، التي اعتبرت ذات صبغة "سياسية وتكنولوجية وثقافية"، لكنها أيضا كانت دوما "مسألة جدل". وإن كان هناك إجماع من لدن المختصين بأن "إيقاف العولمة"، قد يكون " مهمة مستحيلة، وقدرا محتوما"، لكن بالمقابل فإنها "ليس فرضا علينا أن نحبها"، ولكن العولمة قد تجعل الرحلة بين الثقافات الجديدة أقل قيمة، لأنها تجعل الثقافات الفردية أكثر تماثلا. التكنولوجيات الرقمية وسيلة للتحرر والهيمنة أيضا فمن المؤكد أن التقنيات الحديثة للإعلام والإتصال، وإن كانت لم تضع حدا لعدم المساواة فيما يتعلق بالاستعمال، ولم تخف من سوء التفاهم بين البشر، كما لم تقلص بتاتا من النزاعات. لكنها بالمقابل وسعت بشكل ملموس الاطار الزماني والمكاني، ووفرت ولوجا، غير محدود الى المعارف، ورفعت من القدرة على التبادل والمشاركة، فهي تحاول إذن- بشكل ما- تغيير التصور للعالم، كما يرى ريمى ريفيل. وبعيدا عن كل القيود، فإن عالم التكنولوجيا الرقمية، يشكل وسيلة للتحرر والهيمنة في نفس الوقت، وفي كل الاحول، فإنه لا يزال في الوقت الراهن وعدا وتحديا، لكن المفوضة السامية لحقوق الإنسان، أثارت الانتباه إلى أن بعض الدول "تقوم بتشويه سمعة المدافعين عن حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني عبر نشر معلومات زائفة عنهم أو تنظيم حملات تحرّش تستهدفهم، في الوقت الذي تستخدم دولا أخرى أدوات المراقبة الرقمية لتعقب واستهداف المدافعين عن الحقوق وغيرهم ممن يُعتَبَر من المنتقدين أو المعارضة".