المغرب: نمو اقتصادي بنسبة 4.2 في المائة خلال الفصل الأول من السنة الجارية (مندوبية)    جيتكس إفريقيا المغرب، منصة استراتيجية لتطوير المقاولات الناشئة الشابة بالقارة (منظمة Open Startup)    الفرق المتأهلة ومواعيد مواجهات نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    هيئة حقوقية تندد بتوالي حوادث العنف داخل المؤسسات التعليمية    وزارة الصحة تخلد اليوم العالمي للهيموفيليا    مغربيات يتظاهرن في سلا تضامنا مع المرأة الفلسطينية ورفضا للعدوان على غزة    تعديل استثنائي في توقيت بث برنامج "ديرها غا زوينة" مساء اليوم الخميس    الصحراء المغربية.. هنغاريا تجدد تأكيد دعمها لمخطط الحكم الذاتي    وفاة عامل بسوق الجملة بالدار البيضاء تثير غضب التجار وتفتح باب المساءلة    تعليمنا المغربي والعنف المدرسي.. عَارُنَا الكبير أمام شرفة أحلامنا الوطنية    سعد لمجرد ينفي مشاركته في مهرجان موازين 2025    بوريطة يلتقي وزير الخارجية الإسباني في مدريد لتكريس متانة الشراكة المغربية الإسبانية    رئيس برلمان أمريكا الوسطى في زيارة للعيون    هيومن رايتس ووتش: السلطات التونسية حولت الاحتجاز التعسفي إلى ركيزة أساسية في "سياستها القمعية"    أمريكا.. إلغاء الامتيازات الصحفية لوكالات الأنباء الكبرى    الاتحاد الأوروبي يدرج المغرب ضمن قائمة "الدول الآمنة"    إحاطة ديميستورا: خطاب متوازن أم تثبيت للجمود؟    بنك المغرب بالجديدة يستقبل في لقاء تربوي    من قلب إفريقيا إلى صفوف التميز .. المغرب ينافس الكبار في حماية الملكية الفكرية    تقرير: المغرب في المرتبة 81 عالميا من حيث زخم التحول الرقمي    توقيف جانحين استعرضا أسلحة بيضاء أمام مقر دائرة للشرطة بالبيضاء    المغرب يتقدم الدول العربية على صعيد القارة الإفريقية في تعميم التغطية الصحية    قبل 17 سنة الاستخبارات الأمريكية توقعت عالم 2025.. نضوب المياه العذبة يُهدد المغرب    أمريكا تستثني المغرب من رسوم جمركية على السكر    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس بمختلف مناطق المملكة    مقدم شرطة رئيس يطلق النار لمنع فرار سجين كان رهن المراقبة الطبية بالمستشفى الجامعي بمراكش    تأهل المنتخب الوطني لكرة القدم لأقل من 17 سنة إلى نهائي كأس إفريقيا..نادي موناكو يشيد بأداء موهبته إلياس بلمختار    رئيس جماعة بني ملال يتجاوب مع مطالب النقابيين في قطاع الجماعات    أديس أبابا- اللجنة الاقتصادية لإفريقيا: اجتماع لفريق الخبراء تحت الرئاسة المغربية لدراسة واعتماد التقرير الإفريقي حول التنمية المستدامة    البندقية تنفتح على السينما المغربية    واكي: الرقمنة تدعم تنمية المغرب .. و"جيتيكس إفريقيا" يخدم الشراكات    دوائر أمنية بالجديدة في وضع مقلق... مطلب استعجالي لإعادة الإعتبار لهذا المرفق الحيوي    الركراكي: أسود الأطلس عازمون على الفوز بكأس إفريقيا 2025 على أرضنا    "تمغرابيت" تزين معرض الكتاب في باريس .. إبداع وذاكرة وشراكة متجددة    "كاف" يغير توقيت نهائي "كان U17"    الجيش الإسرائيلي يعلن تحويل 30% من أراضي قطاع غزة إلى منطقة عازلة    دوري أبطال أوروبا.. إنتر ميلان يُقصي بايرن ميونخ ويتأهل لمواجهة برشلونة في النصف النهائي    تسجيل ثالث حالة إصابة بداء الكلب في مليلية خلال أقل من أسبوعين    هل هي عزلة أم إقامة إجبارية دولية: هكذا تخلت القوى الكبرى ‮ والدول الصغرى أيضا عن دولة العسكر في الجزائر!    جامعة عبد المالك السعدي تُثري فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب ببرنامج ثقافي متنوع في دورته ال30    ملاحظات عامة عن المهرجانات السينمائية المستفيدة من دعم الدورة الأولى لسنة 2025    أنشطة سينمائية بعدد من المدن المغربية خلال ما تبقى من شهر أبريل    «أجساد في ملكوت الفن».. عبد العزيز عبدوس يفتح نوافذ الذاكرة والحلم بطنجة    بلقشور: إصلاحات "دونور" غير مسبوقة والمركب في أفضل حالاته    كلمة : البرلمان.. القضايا الحارقة    المغرب يتسلح ب600 صاروخ أمريكي لمواجهة التحديات الجوية    هل ما زال للقصائد صوت بيننا؟    إسرائيل: "لن تدخل غزة أي مساعدات"    بيلينغهام : واثقون من تحقيق ريمونتادا تاريخية أمام أرسنال    كلب مسعور على حدود المغرب .. والسلطات الإسبانية تدق ناقوس الخطر    بطولة إسبانيا: توقيف مبابي لمباراة واحدة    وفاة أكثر من ثلاثة ملايين طفل في 2022 بسبب مقاومة الميكروبات للأدوية    دراسة أمريكية: مواسم الحساسية تطول بسبب تغير المناخ    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللغة العربية وظُلْمُ ذوي القُْرْبَى (1)
نشر في لكم يوم 30 - 04 - 2013

أدى الركود العلمي والإنقطاع عن البحث العلمي في بلادنا العربية إلى تكوين فجوة واسعة بين المشتغلين بالعلوم الحديثة، وبين مَعْرفتهم بقدرة اللغة العربية على استيعاب المفاهيم العلمية الجديدة. وانعكس ذلك في شكل ظلال من الشك تسيطر على عقول بعض رجال الفكر والسياسة، وتوجههم للابتعاد عن اللغة العربية إلى اللغات الأخرى.
وقد لاقت نداءات مثل هؤلاء المصابين بداء الشك في اللغة العربية قَبُولا عند البعض، فتراهم يصفون بعضهم بالحداثيين !! ومن يتعلق بالفصحى بالجهلة والحمقى !! ،حيث رأى بعضهم أن نَتْرُكَ العربية جانبا، لأن إحيائها بعد موتها أمْر مُعْجز غير مأمون العواقب، فضلا عن كونه غير مُجْد فيما يتعلق بتدريس العلوم الحديثة والتأليف فيها !! بل إن التعلق باللغة العربية، حسب زعم آخرين، كلام فارغ، وليس من الوطنية في شيء، إذ الوطنية قائمة بحسبهم في المعاني لا في الألفاظ !! ومما زاد الطين بلة، ما تفوه به مؤخرا وزير التعليم العالي والبحث العلمي المغربي، المنتمي إلى حزب مشهود له بدفاعه عن اللغة العربية، في يوم دراسي بفاس حول البحث العلمي، نُظم بكلية الطب،حينما اعتبر " اللغة العربية لغة لا يمكن أن تنتج العلم.. " !!. الأمر الذي دفع الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية إلى توجيه رسالة احتجاج إلى الوزير المذكور " تدين فيه بشدة مثل هذا الكلام غير المسؤول في حق اللغة العربية .."
إن نظرة عجلى، سيدي الوزير، في تاريخنا القديم والحديث لكفيلة بأن تتبث لكم ولغيركم، أن اللغة العربية لغة العلم، تَسْبغ وتَهْضم كل ما تلقاه أمامها من أنواع البحث والعلم والحضارة على اختلاف فروعها و مصادرها، لتحوله إلى ثقافة عربية، يضيف إليها أبناؤها الكثير مما ابتكروه وجددوا، ويَفْتَحون من خلالها طرقا جديدة للبحث في أسرار الطبيعة، ويستعملونها للتعبير عن جميع مظاهر النشاط الفكري والنفسي والعلمي. و إذا أخذنا تعليم الطب على سبيل المثال، فإننا سنلاحظ وبوضوح تام، أن تعليم الطب بالعربية كان هو الأصل، في عصر لم يكن للعرب فيه حول ولا طول. ولعل التراث العلمي بتنوعه لشاهد حي على قدرة اللغة العربية والعقل العربي على الإستيعاب أولا، ثم الإبداع والإضافة والمشاركة الجادة في المسيرة العلمية.
ومما يفتخر به كل عربي، ما عُرفَت به اللغة العربية، سيدي الوزير، من سعة وثراء، وما تملكه من وسائل النمو والتطور، بالإشتقاق والمجاز و النحث والتعريب، حتى صُنفت بأغنى لغات العالم، و أدقها تعبيرا، وأكثرها مرونة، تحوي الألفاظ المتباينة المعاني إلى جانب الألفاظ متفقة الدلالة، وأوزان ألفاظ مختلفة دالة على معان متقاربة، ويمكن اشتقاق كلمات كثيرة من أحرف قليلة، مما يجعل بين يدي العاملين في حقل المصطلحات أداة فعالة في صياغة الألفاظ للمدلولات العلمية المتزايدة. فلا عجب ان استطاعت بفضل ذلك أن تستوعب الثقافات والعلوم، حين قام المترجمون في عصور الإسلام الأولى بترجمة كتب اليونان والهند والإغريق والفرس وغيرها إلى العربية. وبعد فترة من التعريب في صدر الإسلام، أصبحت اللغة العربية أداة لنقل الاكتشافات على الصعيد الدولي، ولمدة عدة قرون، لغة العلم والمعرفة التي يستعملها العلماء والمؤلفون، في جميع الأقطار الممتدة من الأندلس غربا حتى الصين شرقا. وكان على الطالب في الأندلس أن يدرس كتب البيروني وكتب ابن سينا جَنْبا إلى جَنْب كُتُب علماء الغرب العربي، حتى غَدَت اللغة العربية لغة العلم العالمي، فاضمحلت أمامها لغات عديدة ( الآرامية، الكنعانية، الكلدانية، والسريانية) وزالت اللاتينية من أمامها في افريقيا واسبانيا.
لقد أدت العربية، سيدي الوزير، دورا أساسيا في حياة الفكر الإنساني، حين كان نَشْرُ المعارف والعلوم يكاد يقتصر عليها طيلة المرحلة التاريخية التي ساد فيها العرب، لمدة لا تنقص عن ستة قرون، كان فيها العرب أساتذة الكون في الفكر والحضارة. وقد بلغ رصيد هذه اللغة التي يتهمونها بالفقر والعجز ستة ملايين وستمائة وتسعة وتسعين ألف وأربعمائة لفظ، ولا يستعمل من هذا الرصيد إلا خمسة ملايين وتسعة وتسعون ألف وأربعمائة لفظ فقط، ليس اليوم فقط، ولكن، سيدي الوزير، منذ أكثر من اثني عشر قرنا، أي في عهد الخليل بن أحمد سنة 114ه / 491م، وإذا كان إحصاء الخليل، سيدي الوزير، قابلا للشك لعدم توفر الآلات الإلكترونية الحاسبة، فهذا ارنست رينان الفرنسي في كتابه " تاريخ اللغات السامية " يقول " إن اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال، وأنها سلسلة غنية كاملة، لم يدخل عليها منذ ذلك العهد إلى يومنا أي تعديل " ، وإذا اعترضت، سيدي الوزير، على رينان لأنه لا يتقن العربية، فَلْنُحَولكم على المنطق والتاريخ، فقد صمدت هذه اللغة أمام الإستعمار الغربي الذي تفانى لكي يمحوها من الوجود.
سيدي الوزير، اللغة العربية على عكس ما يقول مُحْتَقروها، حافظت على دورها عبر التاريخ، وفرضت نفسها كلغة عالمية للعلم، وتأثرت بها أغلب الدول الأجنبية، واقتبست من ألفاظها لقرون طويلة من الزمان إبان ازدهار الحضارة الإسلامية. وما أشبه اللغة العربية بشجرة متجددة الحياة، ولكنها تحتاج في الوقت نفسه إلى العناية والتطعيم والتشذيب لتقوم بواجباتها على خير وجه. و اللغة العربية في العصر الحديث، سيدي الوزير، تُلاقي الغُرْبَة في وطنها، لأنها تَتَقَلّص تقلُصا ملحوظا في مؤسسات التعليم ووسائل الإعلام والحياة العامة، بشكل لا يُمَثل خطرا عليها وحدها، ولكن على الكيان المغربي كله، إذ أن المغاربة لن يُمْكنهم أن يصنعوا فكرا وإبداعا وثقافة وحضارة بعيدا على لغتهم الأم.
سيدي الوزير، إن الذين يَنْسبون القصور إلى اللغة العربية من أبناء جلدتنا، بدعوى أنها قاصرة عن مجاراة اللغات العصرية في خدمة العلم الحديث، لم يُحيطوا بما فيها من فوائد العلم، ولا طرق الإشتقاق والمجاز. إن الدليل على غنى اللغة العربية وصلاحيتها كلغة للعلوم والمعارف المعاصرة أننا لو أخذنا معجم لسان العرب مثلا، لوجدناه يحتوي على ثمانين ألف مادة، ويؤدي تعريف وشرح نصف هذه المواد للحصول على نصف مليون كلمة، مما يدل على أن العربية لغة غنية لا تنافسها في ذلك أية لغة. ولو أمكن استقراء كلام العرب والوقوف على ما كان لهم من سعة التصرف في إبراز المعاني على اختلاف مناحيها، لعلموا أن القصور من جهتهم لا من جهة اللغة العربية، ولا نعني بذلك أن في اللغة العربية لفظا لكل معنى جديد، وإنما نعني أن في أوضاعها ما يتسع لأن يُشْتَق منه ألفاظ لما شئنا من المعاني المعاصرة.
وطلع علينا القرن التاسع عشر وقد انقطع سند العلوم على البلاد العربية، وبَطُلَ إعمال الفكر والعرب في غَفْلَة عن الغرب، قَلّمَا يعرفون ما أتاه في نهضة خلال أربعة قرون مَضَت، فكان أن أُصيبت اللغة العربية بنكبة حقيقية، تمثلت بعزلها عن تدريس العلوم الحديثة، وبفرض اللغات الأجنبية، وعَمَدَ المفوضون من أعداء العروبة على ترسيخ فكرة عَجْز اللغة العربية عن تدريس أي علم حديث .
وها نحن سيدي الوزير، نتوارى إلى الخلف، لنجد أن اللغات الأوربية مسيطرة على الميادين العلمية، ولنجد أنفسنا في أيامنا هذه تلاميذ للفرنسيين، نتلقى عنهم العلم والتكنولوجيا، ونَتّخذهم قُدْوَة لنا على طريق التقدم العلمي. إن محنة العربية لا تتمثل في حشود الألفاظ والمصطلحات الوافدة من عالم الحضارة المعاصرة، بل محنتها الحقيقية هي في انهزام أبنائها نفسيا أمام الزحف اللغوي الداهم، واستسلامهم في مجال العلوم للغات الأجنبية. وغني عن البيان أن اللغة العربية التي استطاعت أن تترجم العلوم الكونية والفلسفية السابقة إلى لغة إنسانية وتقترح لها الحلول، لم تكن لتقف عاجزة أمام الشكل النهائي لهذه العلوم.
لقد أصبحت اللغة العربية ببلادنا غريبة في عقر دارها، هكذا أرادوا لها أن تكون، إنهم أهلها الذين رَضَوا عنها بديلا، ونَعَتُوها بالقصور والعَجْز، فلو مَنَحها أصحابها المكانة اللائقة بها وأكْرَمُوها لما حَلّت بها تلك المصيبة، حتى بات الناس يعتقدون أن اللغات الأجنبية هي لغات الإنفتاح والتقدم، أما العربية فهي لغة التراث و القدم، كيف لا يَحْدُثُ ذلك، سيدي الوزير، ولازال بيننا من يدافع عن النّشَاز ويَنْتَصر للغة الأجنبي، ويَدّعي أن اللغة العربية ليست لغة علوم، وهذا افتراء فاضح، وإلا فبأي لغة اكتشف الخوارزمي الجبر، والكندي الفلك، وابن زهر الدورة الدموية الصغرى؟ وبأي لغة قامت نهضة الأندلس التي نَقَلَت بلغتها العربية علوم العرب والإغريق إلى أوربا؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.