فازت الدبلوماسية المغربية أو إن شئنا الدقة ربح المغرب مزيدا من الوقت لتدبير مشكل الصحراء من داخل حدود الإقليم بمد جسور الحوار مع ساكنته. ومرد هذا الانتصار حسب الرأي الرسمي هو أن المغرب كان حازما في موقفه إذ نبه إلى خطورة خروج بعثة مينورسو عن أهدافها التي حددت لها أول مرة في الاتفاق الذي تم بين المغرب وهيئة الأممالمتحدة سنة 1988، حتى أنه هدد بعدم التعاون وهو الأمر الذي تدرك أمريكا قبل غيرها عواقبه. هيومن رايتس ووتش راهنت على مبادرة الولاياتالمتحدة لكنها أصيبت بخيبة الأمل ووصفت على لسان مديرها في قسم متابعة الأممالمتحدة فيليب بولوبيون ما حصل بأنه تحايل من الجانب المغربي وبأن غياب آلية جديدة لمراقبة حقوق الإنسان سيسمح بمزيد من التجاوزات التي سبق ورصدتها المنظمة باستمرار. لابد أن الذي تم تداوله في اجتماع جمعية أصدقاء الصحراء الغربية والذي حدا بالولاياتالمتحدة إلى التراجع عن الصيغة الأولى لمشروع القرار الداعي إلى توسيع صلاحيات بعثة مينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان هو أن إنفاذ هذا القرار قد يأتي بنتائج عكسية وقد يخلق مزيدا من التوتر في المنطقة وهو ما من شأنه أن يخلط الأوراق ويوقف مسلسل التفاوض الذي يشرف عليه المبعوث الأممي الخاص، الأمريكي كريستوفر روس والذي ينتظر أن يستأنف قريبا على شكل جولات مباشرة بين أطراف النزاع. ويؤكد لجوء الولاياتالمتحدة إلى ورقة حقوق الإنسان جديتها في إيجاد حل نهائي لنزاع الصحراء فعندما أطلقت إدارة بوش لأول مرة مشروع الشرق الأوسط الكبير والذي حددت له سياسة فعالة أطلق عليها أسم الفوضى الخلاقة، حيث جعلت الولاياتالمتحدة علاقاتها مع بلدان الشرق الأوسط تتحدد إيجابا أو سلبا حسب التزام هذه الدول بضمان توسيع هامش حرية التعبير واحترام حقوق الإنسان، والنتيجة كانت تهاوي الأنظمة العربية الشمولية في ما بات يعرف بالربيع العربي. كما تؤكد الأنباء عن قيام أوباما بزيارة للمغرب وهو الذي لا يزور سوى المناطق التي تعرف توترا قلق الولاياتالمتحدة من صعوبة ضبط الأوضاع الأمنية وتنامي ظاهرة المد الإسلامي المتطرف في منطقة الساحل. كما أكد المبعوث الخاص في أكثر من مناسبة ضرورة الإسراع في إنهاء النزاع وإعادة اللاجئين إلى وطنهم في إشارة منه إلى احتمال تفجر الأوضاع بشكل يصعب احتواءه. وهذه الخطوة التي أقدمت عليها أمريكا سبقتها خطوات مشابهة كانت تهم اختبار تجاوب المغرب مع الآليات الأممية لحقوق الإنسان كان آخرها زيارة المقرر الأممي الخاص بالتعذيب في شتنبر الماضي. كما أن الفقرة التي كانت تدعوا إلى توسيع صلاحيات مينورسو تم استبدالها بفقرة أخرى تقول بضرورة احترام حقوق الإنسان في الصحراء. أمريكا وإدراكا منها لدقة الظروف التي تمر منها المنطقة وحرصا منها على الإبقاء على علاقات متوازنة مع شريكيها الإستراتيجيين في الحرب على الإسلاميين أي المغرب والجزائر، آثرت عدم التصعيد وإذكاء نار الصراع بين الجارين، لكنها لن تكتفي بالقرار الذي استصدرته من مجلس الأمن والداعي لنشر قوات دولية في شمال مالي بديلا عن القوات الفرنسية والإفريقية وستعمل جاهدة على إنهاء مخيم اللاجئين الصحراويين الذي وإن ظل بعيدا عن خطر الاختراق من طرف الجماعات المتطرفة إلى أنه قد لا يصمد على هذه الحال، خاصة مع معرفة قدرات هذه الجماعات على الاختراق والضرب في العمق وخير شاهد على ذلك عملية السفارة الفربسية في ليبيا الثلاثاء الأخير.