برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    الحكومة تعفي استيراد الأبقار والأغنام من الضرائب والرسوم الجمركية    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    توقيف شخصين بطنجة وحجز 116 كيلوغراماً من مخدر الشيرا    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية        إسرائيل: محكمة لاهاي فقدت "الشرعية"    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط، اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله        بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



12 أكتوبر"يوم الأسْبَنَة" أوالعيد الوطنيّ الإسبانيّ
نشر في لكم يوم 17 - 10 - 2021

فُرجة وبَهرجَة في اسبانيا وغضبٌ وعتابٌ في أمريكا !
الثاني عشر من شهر أكتوبر من كلّ عام هو يوم العيد الوطني لإسباني الذي إحتفلت به هذا العام اسبانيا إحتفالاً كبيراً ومُثيراً ،ويُسمّى هذا اليوم (يوم الأسبنة) أو (Día de la Hispanidad) وهو اليوم الذي وصل فيه كريستوبال كولومبوس إلى العالم الجديد من عام 1492، وطفقتْ فيه إسبانيا فى نشر وذيوع وتأصيل حضورها ونشر ثقافتها ولغتها فى الشقّ الآخر من العالم وراء بحر الظلمات، إقترنت ذكرى هذا الإكتشاف، الذي غيّر خريطةَ العالم، بإسم هذا البحّار المغامر مثلما إقترن فتح الأندلس بالبطل طارق ابن زيّاد، وفى الوقت الذي يحتفي فيه الإسبان بهذا اليوم بأعلى مظاهر الزّينة، والبذخ، والبهرجة يعبّر فيه العديد من السكّان الأصليين فى أمريكا اللاتينية، والمهتمّين بتاريخ القارة الأمريكية من مختلف أنحاء المعمور من مؤرّخين، وباحثين، وكتّاب، وشعراء ، وسياسيّين، وعلماء البيئة إلخ..، يعبّرون عن مشاعر إستيائهم من تكريس أيّام شهر " أكتوبر" من كل عام كعلامات بارزة، وصُوًى فارقة فى تاريخ البشرية، بقدرما ينبغي إعتبارها – فى نظرهم- نقاطَ تحوّل فى صفحات تاريخ المهانة، والتشتّت اللذين لحقا بأجناس شعوب هذه القارة من السكّان الأصلييّن فى الأراضي التي إكتشفها كولومبوس وبحّارتُه منذ خمسة قرون ونيّف، وهو يحسب أنّه متّجه إلى آسيا الشرقيّة .على شطآن هذه الأراضي التي لم تكن قد وطئتها قدم أوربية قطّ، رَسَتْ مراكبُه الشراعيّة الثلاثة "سانتا ماريا" (أكبرها) و"لانينيا " (أوسطها) و"لابينتا "(أصغرها) فى جزيرة غواناهاني(الباهاماس)، حصل ذلك عندما صاح أحد البحّارة " رُودْرِيغُو دِي تْرِيَانَا" بأعلى صوته من أعلى مقدّمة حيزوم سفينة "لا بينتا" : (الأرض..الأرض تبدو فى الأفق… !.
كولومبوس والعالم الجديد
تؤكّد معظمُ المصادر التاريخية أنّ كريستوبال كولومبوس المولود في مدينة جِنْوة الإيطالية عام 1451، في التاريخ المتراوح بين 1459-1481 بدأ سفرياته نحو السّواحل الأوروبيّة لتمويل مغامراته في أعالي البحار، وأقاصي المحيطات. وتؤكّد لنا هذه المصادر أنّ كولوموس كان رجلاً يميل إلى العزلة، ويتحاشى الإختلاط .كان مغامراً كبيراً بل من أكبر مغامري التاريخ فى عصره .ففي سنّ19 ربيعاً إنضمّ إلى أوّل بعثة مسلّحة فى محاولة من ملك جِنْوَة "دانييرو دي أنجو"عام 1459 للسّيطرة على نابولي لصالح إبنه حيث لم يفتأ يطالب بهذا العرش من الأراغونيين . تصف بعضُ كتب التاريخ كذلك أنّ كولومبوس كان من القراصنة الكبار،شارك فى عدّة مناسبات ضمن غارات على جنوة، والبندقية ،هذه الحروب كان من أبرز شخصياتها وضحيتها أيضاً الرحّالة الإيطالي الشهير "ماركو بولو"، إشتغل كولومبوس فى صفوف فرسان البحر فى خدمة بلاده ما بين 1461-1465 حيث حصل على العديد من الغنائم منها عشرات السُّفن التي تنتمي إلى البندقية ، كما قام بالمشاركة فى هجمات على المرافئ المغاربية فى شمال إفرقيا التي كان يعتبرها بعض الأوربييّن أوكاراً للقراصنة، ففى 1461 قاد كولومبوس سفينةً مسلّحةً إلى ميناء تونس بهدف إطلاق سفينة إسبانية أخرى كانت مُحتجَزة هناك من طرف مسلّحين، وخلال هذه الغارة البحرية نجا كولومبوس فى عرض البحر على إثر تمرّد قام به البحّارة الذين رافقوه، وأعلنوا العصيانَ عليه حيث فرّ بجلده إلى مدينة جنوة. عمل كذلك كبحّار محارب لدى ملك فرنسا، وحاول الحصولَ على ثروة هائلة لتعاطيه التجارة إلاّ أنّه فشل فى آخر المطاف.
وفى 1479 إنتقل للإقامة فى البرتغال حيث شارك فى عدّة بعثات إلى السّواحل الإفريقية خاصّة إلى سواحل غينيا غرب إفرقيا ،وهناك إتضح له عبثية فكرة الوصول إلى الهند بالدوران حول إفرقيا إذ لولا وصول كولومبوس فى خط متوازٍ إلى الأراضي الأمريكية فيما بعد لكان السفرُ طويلاً بل ومُستحيلاً بالنسبة لمراكبه الشراعيّة .
كان كولومبوس محارباً شجاعاً شديدَ المراس، كان مُثقلاً بالفضول والتطلّع نحو إكتشاف آفاق بعيدة،وعوالم جديدة، ومجاهل نائية لقد حاول الكثيرون حبكَ العديد من القصص والحكايات التي حيكت، حوله وتحوّلت فيما بعد إلى أساطير، إلاّ أنّ شخصيته الحقيقية تبقى محصورةً فى بحّار طموح ، ومغامر كبير،وهناك من المؤرّخين مَنْ يؤكّد أنّه لم يصطحب معه خلال رحلته الإستكشافية إلى أمريكا الوسائلَ والأدوات العربية ( البَوْصَلة ، الأسْطُرْلاب ، الخرائط إلخ) وحسب، بل كان معه كذلك بحّارة من أصل عربي يُجيدون اللغةَ العربية لظنّه أنه كان متّجهاً نحو الهند وليس إلى قارة بِكر جديدة.
الإكتشاف والإشعاع الحضاريّ الإسلاميّ
يرى غيرُ قليلٍ من المؤرّخين المُنْصِفين المتخصّصِين فى تاريخ أمريكا اللاتينية أنّه من الأخطاء التي يقع فيها بعضُ الكتّاب والباحثين فى مجال ما يُسمّى بإكتشاف العالم الجديد قولُهُم بعد أن أجازوا مصطلح "لقاء" بدلَ " إكتشاف" بأنّ هذا اللقاء كان بين عالميْن أو ثقافتيْن إثنتْين وهذا حيفٌ بيّن،وتحريف صارخ، وخطأ واضح ، وأنّه من الإنصاف القول أنّ هذا اللقاء كان بين ّثقافات ثلاث وهي الأوربية، والأمريكية الأصلية إلى جانب الإرث الزّاخر والتأثير العميق للثقافة الإسلامية التي جاءت مع الإسبان الذين وفدوا على هذه الديار زرافات ووحداناً بُعَيْد الإكتشاف ،والهِجْرات المتوالية والمتعاقبة التي حدثتْ فيما بعد بشكل متواتر غير منقطع حيث أطلق على هذه الاراضي المكتشفة ب"إسبانيا الجديدة" أو "العالم الجديد" .
وإسبانيا الجديدة هذه لم تقم سوى على إشعاع، وآثار، وأرضية الحضارة الإسلاميّة المشعّة ،حتّى وإن صادفت نهايتها( سياسيّاً) مع بداية الإكتشاف، إلاّ أنها كانت لمّا تَزَلْ قائمةً، متأصّلةً ، متجذّرةً فى مختلف مظاهر الحياة وداخل الأنفس، والعقول ذاتها.
ففي ذلك الإبّان ،أيّ بعد تاريخ 12 إكتوبر(تشرين أوّل) 1492 لم تكن الرّقعة الجغرافية الإسبانية خاليةً من العرب، والبربر المسلمين، فمنهم من هاجر وفرّ بجلده ،وهناك من آثر البقاءَ متظاهراً باعتناق الكاثوليكية ،والذين نجوا وبقوا سُمّوا بالموريسكيين ،فقد كان منهم أمهرَ الصنّاع،والمزارعين، والمهندسين، والعلماء، والمعلمين وخبراء الريّ والفلاحة ،والبستنة، بل لقد ظلت مسألة تسيير العديد من المرافق الحيوية،والقطاعات الأساسية، فى البلاد ليس فى الأندلس وحسب (جنوب إسبانيا) بل وفى مناطق أخرى من شبه الجزيرة الإيبيرية خاصة فى شمالها الشرقي بيد المسلمين.
وهناك وثائق تؤكّد هذه الحقائق التاريخية ، فكيف والحالة هذه ألاّ يَحْمِل الإسبانُ الذين هاجروا إلى العالم الجديد معهم هذا "التأثير"..؟ بل قد يصل بنا التساؤل والقول بأنّ هناك مِنَ المسلمين المغلوبين على أمرهم مَنْ هاجرخفيةً مع أفواج المهاجرين الإسبان ، وإلاّ مِنْ أين جاءت هذه الدّور،والقصور ذات الباحات،والساحات، والنافورات العربية التي بنيت فى العديد من بلدان أمريكا اللاتينية ..؟ بل ومن أين هذه الأقبية، والأقواس،والمُقرنصات، والعقود والشبابيك ذات الطابع الإسلامي البحت ؟ والأبعد من ذلك هذه الكنائس التي كانوا يبنونها غداةَ وصولهم ويظهر فيها الأثر الإسلامي بوضوح ،ولقد إستعملَ بعضُهم الخطّ العربي المحتوي على أشعار،وأقوال، وحِكَم، وآيات قرآنية إعتقاداً منهم أنه من علامات الزّينة،والزّخرفة فى البيوتات الكبرى، والقصور فى إسبانيا، وتعلو وجهَ المرء (المسلم) إبتسامةٌ ممزوجةٌ بالرضى والمرارة معاً عندما يجد بعضَ تلك الأشعار، والآيات القرآنية وقد وُضِعت مقلوبةً على تلك البلاطات، أو الرخامات،أو الخشب، أوالزلّيج..!.
والحالة هذه، ما زالت هناك – ولا شكّ- صفحات مُشرقة للحضارة الإسلامية التي تألّقت، وازدهرت، وسادت في الأندلس، وعن مدى التأثير العميق الذي أحدثته هذه الحضارة في الشقّ الجنوبي من القارة الأمريكية لم يُكشف عنها النقابُ بعد حتى اليوم، وما فتئ التاريخ في كلّ مناسبة يميط اللثام عن مفاجآت، وأخبار، وعن حقائق مذهلة لم تكن في الحُسبان.
العالم المغربي الشريف الادريسي وآخرون
ويحدّثنا العالم السّبتي المغربي الشريف الإدريسي ولد 1099 – وتوفّي 1160 صاحب نُزهة المشتاق فى إختراق الآفاق في كتابه الممالك والمسالك عن الفتية المغرورين من الغُرّة وليس من الغرور الذين ركبوا بحرَ الظلمات المحيط الأطلسي ليعرفوا حدودَه ويكتشفوا غرائبَه… أين وصلوا…؟ ناهيك عن المؤرّخ أبو الحسن المسعودي 871 – 957، الذي جاء في كتابه مروج الذهب ومعادن الجواهر: أنه في حكم الخليفة لإسبانيا عبد الله بن محمد 888 – 912 أبحر ملاّح عربي قرطبي إسمُه الخشخاش بن الأسود من دلبا بالوس في عام 889 واجتاز المحيط الأطلسي إلى أن بلغ أرضاً مجهولة، وعاد بكنوز غالية ثمينة. وأشار عالم المحيطات البريطاني كيفين مانزيس، في كتابه: 1412، سنة إكتشاف الصّين لأميركا أنّ الأميرال الصيني المسلم سينغ هي، هو مَنْ إكتشف القارة الأميركية قبل الرحّالة الإيطالي كريستوفر كولومبوس. وأنّ الخريطة التي رسمها البحارة الذين كانوا ضمن أسطول هذا الأميرال الصيني تعود إلى عام 1423. ودعّم مانزيس نظريته بالتشابه الكبير في الحمض النووي بين سكان أميركا الجنوبية الأصليّين، والصّينيين، فضلاً عن دلائل أخرى.
الفايكينغ قبل كولومبوس
ومن الموجودات التي تكتسي أهميةً، بخاصّة التي تمّ العثور عليها في القارة الامريكية، وعاء من حجر بداخله بقايا شظايا صغيرة من البرونز والزجاج، ربما يكون قد إستُعمل لتذويب وصهر أسلحة أو حِليّ وأدوات الزينة العائدة لشعوب الفايكينغ القديمة، علماً أنّ الشعوب الأصلية في أميركا الشمالية لم تكن تمارس عمليات صهر المعادن بَعْدُ في ذلك الحين. ويشير العلماء الأركيولوجيّون المشرفون على هذا المشروع أن هذه الموجودات، والأدوات، التي تمّ العثور عليها، ذات صلة وثقى بقبائل الفايكينغ، لأنّ شعوبها إستعملت أواني وأوعية شبيهة إلى حدّ كبير بتلك التي عُثِر عليها في كندا، بل إنّ العلماء وجدوا أوعية مطابقة تماماً لها في أوسلو.
هذه الموجودات، أوالإكتشافات جعلت بعضَ العلماء والمؤرّخين يرجّحون أنّ قبائلَ الفايكينغ الإسكندنافيين، هم أوّلُ الأوروبييّن قبل كولومبوس، الذين وصلوا إلى القارّة الجديدة، أو العالم الجديد، أو إسبانيا الجديدة كما أطلق عليها الإسبان والتي سمّيت في ما بعد ب أميركا، على إسم واضع أوّل خريطة لهذه القارة، وهو الإيطالي Américo Vespucio أميركو فيسبوتشي.
وللأستدلال على أنّه كانت هناك إتّصالات بين الفراعنة وسكّان أميركا اللاتينية قام العالم السّويدي تول هايير داليدا Toll Hoyer Da lida، في الستينيات من القرن المنصرم بمغامرة على متن مركبٍ مصنوعٍ من وَرَق البَردي Papyrus، الذي أنطلق به عام 1969من سواحل مدينة آسفي المغربية نحو شطآن أميركا اللاتينية، وقطع المحيط بالفعل إلى أميركا، وبرهن بذلك أنّ قدماء المصرييّن ربما ذهبوا كذلك إلى أميركا .!
وصماتُ عارٍ يُندىَ لها الجبين
يرى الباحث ورئيس بوليفيا الأسبق "خايمي باث ثامورا"خلال الفترة المتراوحة بين (1989 – 1993): "أنّ تاريخ القرون الخمسة الماضية، أيّ منذ أن هبط كريسطوبال كولومبوس على أرض العالم الجديد يشكّل أبرز نقاط التحوّل والدّمار في تاريخ البيئة على ظهر كوكب الأرض، كما أنّ ضحايا تلك الاكتشافات وما صاحبها من تظلّم وقسوة بالغين ما إنفكّوا يتساقطون بالملايين حتّى الآن، رغم أنه في المقابل وفي أعين الشعوب الأوروبية المعاصرة هي عندهم علامات تحضّر وتمدين، وأمارات إشراق وتنوير بما يسمّى اكتشافهم المجحف للقارّة الأمريكية الجديدة".
ويرى الباحث البوليفي كذلك "فيكتور هيغو كارديناس" من جهته: "أنّ الاحتفالات التي يقيمها الأوربيّون عادة في هذا التاريخ احتفاء بهذا الحدث ليست سوى نقطة سوداء، ووصمة عار على جبين البشرية، فهو وبكلّ المقاييس تسجيل لتاريخ الغزو، والهلاك، وبداية حقبة استعمارية حالكة للقارة الأمريكية الجنوبية، فهذا الحدث – في نظره – جلب معه جحافل الجنود، والمغامرين، والتجّار الإسبان، والبرتغاليين، كما جلب الموتَ والدمارَ للملايين من أبناء الشعوب والقبائل الأصلية التي نشأت، وترعرعت، وعاشت على أراضي وجزر القارة الأمريكية منذ عهود سحيقة من التاريخ، تضافُ إلى تلك المظالم أنواع شتّى من ألوان القمع، والذلّ، والمهانة التي لحقت بأبناء الأجيال التي تمكّنت من النجاة من مقاصل، وسيوف، ومدافع، وأنفاط الغزاة الجدد البيض"، ويشير نفس الباحث: "أنّ هناك ما بين 60 و 70 مليون هندي من السكّان الأصليين ممّن قطنوا، وسكنوا الأراضي الشاسعة الممتدّة من ألاسكا إلى أطراف القارة اللاّتينية الجنوبية تمّت إبادة معظمهم بمختلف وسائل القمع، والاضطهاد، والوحشية التي لم تعرف البشرية مثيلاً لها من قبل، في تلك المذابح الجماعية التي بدأت منذ وصول الغزاة الأوائل ضدّ السكّان الأصليين. أمّا أبناء القبائل الذين تمكّنوا من الفرار والنفاذ بعيدًا عن تلك المذابح مثل قبائل "اليانونامي" في البرازيل، وقبائل "اللاّكاندون" في المكسيك فقد تعرضوا لعمليات المطاردة، والطرد والمتابعة إلى أطراف هذين البلدين ليقيموا فيها تجمّعاتهم السكّانية بعد أن سلبوا كافة حقوقهم كمواطنين، وبنفس النمط الذي تحيا به قبائل الهنود في مناطق الشمال والوسط والجنوب من القارة اللاّتينية الجنوبية ما فتئ يعصف بهم الفقر، والعوز، والخصاصة، ويسحقهم البؤس والتعاسة والتهميش".
ويضيف "فيكتور كارديناس": 'إنّه من المحزن، والمؤسف أن نشهد اليوم مساحات شاسعة من أراضي القارة الأمريكية، والجزر المحيطة بها وقد تحوّلت إلى أراضٍ جرداء خالية من مظاهر الحياة الطبيعية أو البشرية من على ظهرها. ولو عاد كريسطوبال كولومبوس إلى الحياة من جديد بعد تلك القرون الخمسة العِجاف فلن يستطيع التعرّف على ذلك العالم الجديد الخلاّب الذي وصفه في دفاتر يومياته بالأراضي الخصبة المليئة بالغابات الكثيفة، والبحيرات الواسعة الصّافية، والأغصان المورقة التي تنوء بثمارها من فواكه لم يعرفها الإنسانُ الأوروبيّ من قبل.. واليوم بعد أن دمّر الغزاة أبرزَ وأجملَ مظاهر الطبيعة التي وصفها كولومبوس في مذكّراته، أصبحت معظم المناطق جرداء قاحلة مثلما حدث في جزر هايتي، كما دُمّرت في السّلفادور ما يقرب من 98 في المائة من غاباتها، وأدغالها.. وحيثما توجد مناطق مزروعة بالغابات الآن لا تخلو فيها شجرة واحدة من أمراض الخواء التي أصابت تجاويفها الداخلية، وهي الظاهرة التي تشهدها الغابات في مختلف مناطق قبائل "لاكاندون" في المكسيك على سبيل المثال وفى سواها من أصقاع هذه القارّة المترامية الاطراف".
قصص وحكايات مثيرة من وحي التاريخ
القصص التي يسوقها الكاتب الأورغوائي الكبير الرّاحل إدواردوغاليانو في كتابه "مذكّرات النار" (ثلاثة أجزاء) عن تاريخ أمريكا اللاتينية هي قصص حقيقية، وهي تتضمّن قيمًا رمزية عميقة تكشف النّقاب عن أشياء لا تخلو من أهمية، ويضرب الكاتب كمثال بواحدة من هذه القصص المروّعة من تاريخ هذه الجهة النائية من العالم عندما أقيم عام 1496 أوّل "مكان للحرْق" في أمريكا اللاّتينية في "هايتي" إنه منذ اكتشاف أمريكا لأوّل مرّة يعاقَب إنسان في هذه القارة بالقتل حرقًا، إن القاتل (العشماوي) هو "بارطولومي كولومبوس" أخو كريسطوبال كولومبوس البحّار الشهير المغامر، الضحايا الذين اشتعلت أجسامهم حرْقًا وهم أحياء هم ستّة من الهنود، ويشير الكاتب أنّ هذا الإعدام، أو هذه التضحية تجسّم لنا كلّ شيء، ليس فقط تصادم حضارتين، بل وأكثر من ذلك هو أنّ أكبر خطأ لما يُطلق عليه اكتشاف أمريكا هو في الواقع عدم اكتشاف شيء، لأنّ "كولومبوس" مات مقتنعًا أنه كان في اليابان كما يعرف الجميع. أيّ في ظهر آسيا. إنّ الأوروبيّين الذين قدِموا إلى أمريكا كانت لهم عيون لمشاهدة الحقيقة التي وجدوها، إلاّ أنهم كانوا عاجزين عن اكتشافها، ذلك أنّ نظرتهم لها كانت نظرة عمياء ، إنّ دأب هؤلاء كان هو السّلب والنّهب المنظمين، وإلحاق الأذى والضرر ببلدان أخرى، إنّ الغازي، يقول غاليانو: وصل لإنقاذ الذي وقع عليه الغزو من ظلام الوثنية، إلاّ أنه في آخر المطاف هو الذي وقع بين مخالب الوثنية الحقيقية، فما هو الذنب الذي ارتكبه هؤلاء الهنود الستّة ليلقِي بهم بارطولومي كولومبوس في النّار أحياء..؟!.
محاكمَ التفتيش والتعذيب والتقتيل
يشير غاليانو: "أنه ليس عيبًا أن يُحْتفَى باكتشاف أمريكا، ولكن ليس من أجل تكريم الملوك الكاثوليك الإسبان الذين أنشأوا محاكمَ التفتيش، والتعذيب، والتقتيل، والتنكيل المعروفين بعدم التسامح، والجهل، بل فليكن هذا الاحتفال تكريمًا لبعض التقاليد الأمريكية القديمة جدًّا، وقيم، وعوائد الأمم التي عشقت الحرية، وتعلقت بالشّرف، والكرامة، وهامت بالطبيعة، إنّ سكّان هذه المناطق من العالم كانوا يعيشون ويعملون جماعات فيما بينهم قبل أن يحدث "الاكتشاف" الذي جاء ولقّنهم الأنانية، والكراهية، والأثرة، والتشرذم، وحقّ المِلْكية، والجَشَع، وروائع أخرى..! أو أن يكون احتفالاً بهؤلاء الذين جاءوا فاتحين مثل حالة البحّار "غونسالو غيرّيرو" الذي ظلّ تائهًا في أرض "المايا"، ثم سرعان ما انخرط في مجتمع الهنود، وتزوّج منهم وكان له أولاد، وعندما علم (المكتشِف) "إيرنان كورطيس" بقصّة ذلك البحّار طلب منه الحضور فرفض، وآثر أن يظلّ مع أهله الجدد، وعائلته وأولاده، ولما كان عام 1536 وبعد معركة طويلة بين هنود المايا والغزاة، وبين العشرات من الجثث ظهر هنديٌّ ملتحٍ، هنديّ ذو جلد أبيض، وقد شقّت جبينه رصاصة غاشمة، لقد كان "غونسالو غيرّيرو" الذي آثر أن يسقط مع مَنْ ارتاح إليهم، وأحسنوا وفادتَه، هذا الرجل هو أوّل غازٍ تمّ غزوُه، وكان هناك آخرون ظلوا في غياهب المجهول، والنسيان.
كاتب من المغرب عضو الأكاديمية الإسبانية الأمريكية للآداب والعلوم بوغوطا كولومبيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.