يصادف يوم الثاني عشر من شهر أكتوبر من كلّ عام ذكرى العيد الوطني لإسبانيا، ويُسمّى هذا اليوم عندهم ب(يوم الأسبنة) أيّ (Día de la Hispanidad) ؛ وهو اليوم الذي وصل فيه كريستوفر كولومبوس إلى شطآن القارة الأمريكية في شقّها الجنوبي عام 1492، حيث طفقتْ فيه إسبانيا في نشر ثقافتها ولغتها ومآسيها في العالم الجديد الذي يقبع وراء بحر الظلمات. لقد اقترنت ذكرى هذا الاكتشاف باسم هذا البحّار المغامر الجِنوي (نسبة إلى مدينة جِنوة الإيطالية) مثلما اقترن فتح الأندلس بالبطل طارق ابن زيّاد.. وفي الوقت الذي يحتفي فيه الإسبان بهذا اليوم بأعلىَ مظاهر الزّينة والبذخ والبهرجة يعبّر فيه العديد من السكّان الأصليين في أمريكا اللاتينية والمهتمّين بتاريخ القارة الأمريكية من مختلف أنحاء العالم من مؤرّخين وباحثين وكتّاب وشعراء وسياسيّين وعلماء البيئة، بل وبعض رؤساء بلدان أمريكا اللاّتينية، حيث بلغ الأمر أن طلب الرئيس المكسيكي لوبث أوبرادور مؤخراً في خضمّ هذه الاحتفالات من إسبانيا وبابا الفاتيكان الاعتذار للشعب المكسيكيّ عن التجاوزات والمظالم التي اقترفت ضدّ السكاّن الأصلييّن إبّان الاكتشاف، كلّ هؤلاء وسواهم عبّروا عن مشاعر استيائهم من تكريس أيّام شهر أكتوبر من كلّ عام كعلامات بارزة في تاريخ البشرية، بقدر ما ينبغي اعتبارها - في نظرهم- نقطَة تحوّل في تاريخ المهانة والتشتّت اللذين لحقا بشعوب هذه القارة من السكّان الأصلييّن في الأراضي التي اكتشفها كولومبوس وبحّارتُه منذ خمسة قرون ونيّف، وهو يحسب أنّه كان متّجهاً إلى آسيا الشرقيّة. على شطآن هذه الأراضي البكر التي لم تكن قد وطأتها قدم أوروبية قطّ من قبل رَسَتْ مراكبُه الشراعيّة الثلاثة "سانتا ماريا" (أكبرها) و"لانينيا" (أوسطها) و"لابينتا "(أصغرها) في جزيرة غواناهاني ب(الباهاماس)، حصل ذلك عندما صاح أحد البحّارة رُودْرِيغُو دِي تْرِيَانَا بأعلى صوته من على مقدّمة حيزوم سفينة "لا بينتا": (الأرض.. الأرض تبدو في الأفق). كولومبوس والعالم الجديد كان كولومبوس رجلاً يميل إلى العزلة، وفي التاريخ المتراوح بين 1459-1481 بدأ كولومبوس سفرياته نحو السّواحل الأوروبيّة، كان من أكبر مغامري التاريخ في عصره. ففي سنّ 19 ربيعاً، انضمّ إلى أوّل بعثة مسلّحة في محاولة من ملك جِنْوَة دانييرو دي أنجو عام 1459، للسّيطرة على نابولي لصالح ابنه حيث لم يفتأ يطالب بهذا العرش من الأراغونيين. تصف بعضُ كتب التاريخ كذلك أنّ كولومبوس كان من كبار القراصنة، شارك في مناسبات عديدة ضمن غارات على جنوة والبندقية. هذه الحروب كان من أبرز شخصياتها وضحيتها أيضاً الرحّالة الإيطالي ماركو بولو. اشتغل كولومبوس في صفوف فرسان البحر في خدمة بلاده ما بين 1461-1465، حيث حصل على العديد من الغنائم منها عشرات السُّفن التي تنتمي إلى البندقية، كما قام بالمشاركة في هجمات على المرافئ المغاربية في شمال إفريقيا التي كان يعتبرها بعض الأوربييّن أوكاراً للقراصنة؛ ففي 1461 قاد كولومبوس سفينةً مسلّحةً إلى ميناء تونس بهدف إطلاق سفينة إسبانية أخرى كانت مُحتجَزة هناك من طرف مسلّحين. وخلال هذه الغارة البحرية، نجا كولومبوس في عرض البحر على إثر تمرّد قام به البحّارة الذين رافقوه، وأعلنوا العصيانَ عليه حيث فرّ بجلده إلى مدينة جنوة. عمل كذلك كبحّار محارب لدى ملك فرنسا، وحاول الحصولَ على ثروة هائلة لتعاطيه التجارة إلاّ أنّه فشل في آخر المطاف. وفي 1479، انتقل للإقامة في البرتغال، حيث شارك في بعثات عديدة إلى السّواحل الإفريقية، خاصّة إلى سواحل غينيا غرب إفريقيا، وهناك اتضح له عبثية فكرة الوصول إلى الهند بالدوران حول إفريقيا، إذ لولا وصول كولومبوس في خط متوازٍ إلى الأراضي الأمريكية فيما بعد لكان السفرُ طويلاً بل ومُستحيلاً بالنسبة لمراكبه الشراعيّة. كان كولومبوس محارباً شديدَ المراس، كان مُثقلاً بالفضول والتطلّع نحو اكتشاف آفاق بعيدة، وعوالم جديدة، ومجاهل نائية. لقد حاول الكثيرون حبكَ العديد من القصص والحكايات التي حيكت، حوله وتحوّلت فيما بعد إلى أساطير، إلاّ أنّ شخصيته الحقيقية تبقى محصورةً في بحّار طموح، ومغامر كبير، وهناك من المؤرّخين مَنْ يؤكّد أنّه لم يصطحب معه خلال رحلته الاستكشافية إلى أمريكا الوسائلَ والأدوات العربية (البَوْصَلة، الأسْطُرْلاب، الخرائط إلخ) وحسب، بل كان معه كذلك أناس من أصل عربي يُجيدون اللغةَ العربية لظنّه أنه كان متّجهاً نحو الهند وليس إلى قارة جديدة. الإشعاع الأندلسي الاسلامي غداة الاكتشاف يرى بعضُ المؤرّخين المُنْصِفين أنّه من الأخطاء التي يقع فيها بعضُ الكتّاب والباحثين فيما يُسمّى باكتشاف العالم الجديد قولُهُم بعد أن أجازوا مصطلح "لقاء" بدلَ "اكتشاف" بأنّ هذا اللقاء كان بين عالميْن أو ثقافتيْن اثنتْين وهذا حيفٌ بيّن، وتحريف صارخ. ومن الإنصاف القول إنّ هذا اللقاء كان بين ّثقافات ثلاث وهي الأوروبية، والأمريكية الأصلية إلى جانب الإرث الزّاخر والتأثير العميق للثقافة الإسلامية التي جاءت مع الإسبان الذين وفدوا على هذه الديار بُعَيْد الاكتشاف، والهِجْرات المتعاقبة التي حدثتْ فيما بعد بشكل متواتر غير منقطع حيث أطلق على هذه الأراضي المكتشفة ب"إسبانيا الجديدة" أو "العالم الجديد". وإسبانيا الجديدة هذه لم تقم سوى على إشعاع، وآثار، وأرضية الحضارة الإسلاميّة المشعّة، حتّى وإن صادفت نهايتها (سياسيّاً) مع بداية الاكتشاف، إلاّ أنها كانت لمّا تَزَلْ قائمةً، متأصّلةً، متجذّرةً في مختلف مظاهر الحياة وداخل الأنفس، والعقول ذاتها. ففي ذلك الإبّان، أيّ بعد تاريخ 12 أكتوبر 1492، لم تكن الرّقعة الجغرافية الإسبانية خاليةً من العرب والأمازيغ المسلمين؛ فمنهم من هاجر، وهناك من آثر البقاءَ متظاهراً باعتناق الكاثوليكية، والذين نجوا وبقوا سُمّوا بالموريسكيين، فقد كان منهم أمهرَ الصنّاع والمزارعين والمهندسين والعلماء والمعلمين وخبراء الريّ والفلاحة والبستنة؛ بل لقد ظلت مسألة تسيير العديد من المرافق الحيوية، والقطاعات الأساسية، في شبه الجزيرة الإيبيرية بيد المسلمين. وهناك وثائق تؤكّد هذه الحقائق التاريخية، فكيف والحالة هذه ألاّ يَحْمِل الإسبانُ الذين هاجروا إلى العالم الجديد معهم هذا "التأثير"؟ بل قد يصل بنا التساؤل والقول بأنّ هناك مِنَ المسلمين المغلوبين على أمرهم مَنْ هاجر خفيةً مع أفواج المهاجرين الإسبان، وإلاّ مِنْ أين جاءت هذه الدّور، والقصور ذات الباحات والساحات والنافورات العربية التي بنيت في العديد من بلدان أمريكا اللاتينية؟ بل ومن أين هذه الأقبية، والأقواس، والمُقرنصات، والعقود والشبابيك ذات الطابع العربي البحت؟ والأبعد من ذلك هذه الكنائس التي كانوا يبنونها غداةَ وصولهم ويظهر فيها الأثر الإسلامي بوضوح. ولقد استعملَ بعضُهم الخطّ العربي المحتوي على أشعار وأقوال وحِكَم وآيات قرآنية، اعتقاداً منهم أنه من علامات الزّينة والزّخرفة في البيوتات الكبرى والقصور في إسبانيا، وتعلو وجهَ العربي ابتسامةٌ عندما يجد بعضَ تلك الأشعار وقد وُضِعت مقلوبةً على تلك البلاطات، أو الرخامات، أو الخشب، أو الزلّيج..!. أدب المنفى كان عند هؤلاء الموريسكييّن أدب سرّي كان يُطلق عليه "أدب المنفى داخل الوطن"؛ وهو أدب مؤثّر وبليغ يسمّى باللغة الإسبانية الخَامْيَادَة أو الخاميّة بمعنى (العجميّة). وقد أطلق عليه هذا النّعت لأنه أدب مكتوب انطلاقاً من اللغة الإسبانية، ولكنه يستعمل حروفاً عربيةً، وكان الإسبان من ناحيتهم يُطلقون هذا اللفظ على اللغة القشتالية المُحرّفة بمزجها بكلمات عربية، وكان يتكلّم بها المسلمون إسبانيا في آخر عهدهم بالأندلس، ولمّا خشي الحكّام الكاثوليك على هؤلاء من التكاثر والتزايد أو استعادة النفوذ قرّر الملك فيليبّي الثالث بين 1609-1614 طرد آخر الموريسكيين، أو بمعنى أصحّ وأدقّ بطرد ما تبقّى من المسلمين المُنَصَّرين والمُهَجَّرين عنوةً وقهراً وقسراً من ديارهم ومن وطنهم في الأندلس وفي سائر المناطق الإسبانية الأخرى. يشير الباحث لوبث بارالت إلى أنّ "هذا القرار الدرامي المُجْحِف الذي اتّخذه فليبي الثالث كان سبباً في إثارة احتجاج ٍصارخ، وجدلٍ هائج ما زال يُسْمَعُ صداهما حتّى اليوم". وإذا كان هذا يحدث في القرن السابع عشر (1614) أي 122 سنة من وصول الإسبان إلى "العالم الجديد" فإنّ ذلك يدلّ الدلالة القاطعة على أنّ إسبانيا عندما "اكتشفتْ " أمريكا كانت لمّا تزلْ واقعةً تحت التأثير العربي الإسلامي، وأنّ العادات والتقاليد وفنون المعمار وأسماء الحرف والمهن والصناعات والابتكارات والآلات البحرية والعسكرية والمِلاحة والفِلاحية وعشرات الآلاف من المسمّيات كانت عربيةً أو على الأقل من جذر أو أصل أو أثل عربي، وهي التي اسْتُعْمِلت في مختلف بلدان أمريكا اللاتينية، وظلّت مُسْتَعملة بها ولا تزال إلى اليوم. ويتحدّث الباحث المكسيكي مانويل لوبثْ دِي لاَ بَارّا، في بحث له تحت عنوان "عام 1492"، عن التأثير الإسلامي في الحياة الإسبانية بشكل عام خلال هذا التاريخ، فيشير إلى أنّ "حربَ استرجاع غرناطة دامت 11 سنة، وانتهت بانتصار الملكيْن الكاثوليكييْن في قصر الحمراء في 2 يناير 1492، وشكّل ذلك حدّاً للوجود السياسي الإسلامي الطويل في إسبانيا الذي يرجع إلى 711 م، إلاّ أنّ الوجود الفعلي للمسلمين في شبه الجزيرة الإيبيرية لم ينته عام 1492؛ ففي غرناطة وحدها كان يعيش حوالي 4 ملايين من السكّان، في حين كانت هناك 6 ملايين تتوزّع على باقي إسبانيا، والقِسط الأكبر من هؤلاء السكّان كانوا من العرب والبربر، وكان معظمهم يعمل في الفلاحة والصناعة وتربية المواشي. وكانت لديهم ثروات هائلة من أراض خصبة بفضل علومهم الفلاحية الواسعة ومجهوداتهم، وشاءت الأقدار أو الصّدف أنّه في ذلك التاريخ نفسه من القرن الخامس عشر بدأ عصر الاكتشافات الجغرافية الكبرى، وأضيفت قارة جديدة إلى خريطة العالم بعد رحلة كولومبوس حيث انهارت مفاهيم الفلسفة الجغرافية القديمة. ونظراً لقرب، بل ولتلاقي المسافة الزمنية بين سقوط غرناطة وهذا الاكتشاف (نفس السنة) فإنّه لا يمكن بحال من الأحوال النظر إلى اكتشاف أمريكا بِمَعْزِل أو بِمَنْأىَ عن التأثيرات الإسلامية التي كانت حديثةَ العهد، والتي كانت لمّا تَزَلْ تفعل فعلها واضحاً في المجتمع الإسباني، على الرّغم من انهيار الحكم السياسي الإسلامي في الاندلس". عنصر الثقافة الثالثة يؤكّد الباحثون في تاريخ القارة الأمريكية أنّ المكتشفين وصلوا إلى بلدان هذه القارّة مستحضرين معهم ثمانية قرون من الوجود العربي والتأثير الإسلامي في إسبانيا، ومختلف مظاهر الرقيّ والرفاهية والتقدّم التي برعوا فيها في مختلف المرافق الثقافية والأدبية والشعرية والعلمية والفلاحية والعُمرانية والمعمارية واللغوية وسواها، ففي كل لحظة كانوا يستعملون الكلمات العربية أو التي هي من أصل عربي في مختلف المجالات، وهي ما زالت موجودة ومنتشرة في هذه البلدان حتى الآن. كتابُ "الثقافة الثالثة" للباحثة المكسيكية إكرام أنطاكي (من أصل سوري) يقدّم لنا فكرةً واضحةً عن هذا الزّخم الحضاري الهائل الذي استقدمه المكتشفون، وهو كتاب ثقافة وفنّ يضمّ العديدَ من الصّور التي تقدّم الدليلَ على الغاية من وضعه من غير استعمال خطاب مضخّم، إنه كتاب يعالج تأثير المسلمين في المكسيك، وبالتالي في باقي بلدان أمريكا اللاتينية بالخصوص في ميدان المعمار ومختلف مظاهر الحياة الأخرى، وتقول المؤلفة في ذلك: "الحديث لا ينقطع عن التأثير الإسباني المكسيكي، ويكاد لا يُذكر شيء عن الجذور الإسلامية التي هي في الواقع أصل هذا التأثير". وتضيف: أنّ "اللقاء" الذي تمّ لم يكن بين ثقافتين اثنتين، وهي الإسبانية والهندية الأصلية، وحسب كما يقال من باب الحيف؛ بل كان لقاءً بين ثقافات ثلاث مُضافاً إليها الثقافة العربية والأمازيغية التي تُعتبر عُنصراً مُكوِّناً مهمّاً في العالم الجديد. وتؤكّد إكرام أنطاكي أنّ الذين قَدِمُوا من إسبانيا ليستوطنوا المكسيكَ، أو مناطقَ أخرى من هذه القارة، بعد وصول كولومبوس إليها كانوا بعيدين عن الحضارة، وكانوا أقربَ إلى الوحشيّة والهمجيّة، وأنّ الجانب المشرق الوحيد الذي جاءوا به معهم هو هذا الاشعاع الأندلسي، وقد طعّم هذا التأثير بالهِجْرات المتوالية التي حدثت فيما بعد حيث استقرّت العديد من الأسر الأندلسية المترحّلة في هذه البلدان، وما فتئ وأحفاد هؤلاء يرجعون بضمائرهم إلى ماضي أجدادهم وكلهم فخر، وزهو بهذا الماضي العريق. ويؤكّد الرّوائي المكسيكي الرّاحل كارلوس فوينطيس في كتابه "نقد القراءة" في مجال التأثير العربي والإسلامي في إسبانيا، والذي انتقل بشكل أو بآخر إلى القارة الجديدة: "أنه من العجب أن نتذكّر أن الثقافة الهيلينية وكبار المفكرين الرّومان الضالعين عمليّاً في المناطق الأوربية استعادوا مواقعهم، وحفظت أعمالهم بفضل ترجمتها إلى اللغة العربية، فضلاّ عن العديد من الابتكارات العلمية والطبية في الوقت الذي كانت فيه أوروبا مريضةً ويتمّ عِلاجُها بواسطة التعزيم والرقية والتعويذ والتمائم". ويضيف: "فعن طريق إسبانيا المسلمة، أدخلت إلى أوروبا العديد من أوجه التأثيرات الهندسية المعمارية الموريسكية، حيث أصبحت فيما بعد من العناصر المميّزة لخصائص الهندسة القوطية". كلمات عربيّة وأمازيغيّة يرى المُستشرق أمريكُو كَاسْترُو أن معظمَ الكلمات الإسبانية التي لها علاقة بالعدّ والقياس والأكل والسّقي أو الريّ والبناء كلها من أصل عربي، فَمَنْ يبني البِنَاء ؟ ألبانييل Albañil(بالإسبانية) وهو البَنَّاء، أو الباني، وماذا يبني؟ القصرAlcázar، القبّة Alcoba، السّطح Azotea (وهي بالتوالي تُنطقُ في الإسبانية : ألكَاسَرْ،ألْكُوبَا،أسُوطييّا). وكيف وبماذا يسقي أو يروي الأرضَ؟ بالسّاقية Acequia، والجب Aljibe، وألبركة Alberca (وتثنطق في الإسبانية):أسِيكْيَا،ألْخِيبِي،ألبيركَا. وماذا نأكل بعد ذلك؟ السكّرAzúcar، الأرزArroz، النارنج Naranja، الليمون Limón، الخُرشُف Alcachofa،التّرمُسAltramuces، السّلق Acelgas، السّبانخ Espinacas(وتُنطق في الإسبانية بالتوالي: أسوُكار،أرّوث، نارانخا،الليمون، الكاشُوفا، ألترامويسيس، أسيلغا، إيسبيناكاس). وبماذا تزدان بساتيننا، أوتُزَيَّنُ حدائقنا..؟ بالياسمين، JazmínوالزّهرAzahar، والحبَق Albahaca، وتُنطق بالإسبانية: أثهَار، خَاثْمين، وَألبَهاَك ) بل إنّ هناك كلمات أمازيغية استقرّت بدورها في اللغة الإسبانية مثل (تَزَغّايثْ) أو الزغاية Azagaya (وتعني الرّمح الكبير) وقد أثبتها المستشرق الهولندي دوزي في معجمه ككلمة تنحدر من أصل أمازيغي بربري، واستعملها كولومبوس في يومياته، وتُجمع كلمة (آش) ب"أشّاون" وتعني القرون ومنها اسم مدينة (الشّاون). ويؤكّد لسان الدين ابنُ الخطيب في كتابه الموسوم ب"الإحاطة في أخبار غرناطة" أنّ النّهر الوحيد في شبه الجزيرة الإيبيرية الذي يحمل اسماً أمازيغياً هو"مدينة آش"، ونهر"وادي آش" أيّ وادي القرن وهو في الإسبانية "Guadix "، أو "río de Acci"، "Wadi Ash"،" río Ash " بالقرب من مدينة غرناطة. إلخ (وهكذا الأمر مع العديد من الأسماء المتعلقة بالقبائل وبعض الضّيع والمدن مثل مدينة Teruel الإسبانية (بالقرب من سراقسطة) المقتبسة من اسم مدينة "تِرْوَال" المغربية بالقرب من وزّان (وهي من قبائل بربر صنهاجة)، ومدينة Albarracín بالقرب من ترويل الإسبانية، ويرجع اسمها الى القبيلة البربرية "بني رزين" التي عاشت بها واستقرت في ربوعها في القرن الثالث عشر، وآخر ملوكها حُسام الدّولة الرزيني، وهي تنحدر من" بني رزين " وهي قرية أمازيغية مغربية توجد على الطريق السّاحلي الرّابط بين تطوانوالحسيمة، ومنها كلمات مثل Gomera من "غمارة" وهي عند الإسبان اسم جزيرة في الأرخبيل الكناري، de Gomera Vélez وهذه الكلمة من اسم "بادس" وهو(اسم شبه الجزيرة المحتلة الكائنة بجوار شاطئ " قوس قزح" وبني بوفراح نواحي إقليمالحسيمة) . ويصل أمريكو كاسترو إلى نتيجة مثيرة، فيقول: "إنّ فضائلَ الأثر والعمل عند العرب والمسلمين، والثراء الاقتصادي الذي كان يعنيه هذا العمل وهذا الأثر كلّ ذلك قُدِّمَ قُرْباناً وضحيةً من طرف الحكّام الكاثوليك والإسبان". ويختم كاسترو بكلماتٍ مغلّفةٍ بسخريةٍ مُرّة من بني طينته مُشيراً :"أنّ ذلك الثّراء، وذلك الرّخاء، لم يكونا يساويان شيئاً إزاء الشّرف الوطني الإسباني."..!!!. *كاتب من المغرب، عضو الأكاديمية الإسبانية-الأمريكية للآداب والعلوم - بوغوطا- كولومبيا.