مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    مؤتمر الطب العام بطنجة: تعزيز دور الطبيب العام في إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    السلطات البلجيكية ترحل عشرات المهاجرين إلى المغرب    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    وفاة رجل أعمال بقطاع النسيج بطنجة في حادث مأساوي خلال رحلة صيد بإقليم شفشاون    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذاكرة الأندلس والشّتات المُوريسكي
نشر في هسبريس يوم 05 - 05 - 2016

نظمّت "مؤسّسة ذاكرة الأندلسيين" يوميْ الجمعة والسبت 22 و23 أبريل 2016 بالرباط تحت عنوان (القضيّة الموريسكية فى ضوء التشريع الإسباني ومنظومة حقوق الإنسان) ،بمشاركة نخبة من الباحثين، والخبراء المتخصّصين من المغرب، ومصر، وإسبانيا ،والبرتغال.
القضيّة الموريسكيّة فى ضوء التشريع الإسباني
كان البرلمان الإسباني قد صادق بتاريخ 11 يونيو 2011 على مشروع القانون المعدّل للفصلين 21 و23 من مدوّنة القانون المدني الإسباني (الحالة المدنية الإسبانية) ، بهدف ردّ الإعتبار لذاكرة اليهود الإسبان (السيفاراديم) الذين طردوا من إسبانيا ضمن عملية الطرد الجماعية النهائية التي كان قد تعرّض لها الموريسكيون (من مسلمين، ويهود، وبعض النصارى) عندما خشي الحكّام الكاثوليك الإسبان على هؤلاء من التكاثر وإستعادة النفوذ،وبحجة واهية وهي الخطر الذي كانوا يشكّلونه على العرش الإسباني فى ذلك الإبان ،حيث قرّر الملك فيليبّي الثاني بعد أن أصدر ظهيراً أومرسوماً بين1609-1614 بطرد آخرالموريسكيين من إسبانيا، الذين يطلق عليهم بعض الباحثين والمؤرّخين مصطلح : "المُنصّرين " أو " المُهجّرين" قسراً وقهراً وعنوة.
القانون الإسباني الآنف الذكر لم يعر أيّ إهتمام أو إعتبار لذاكرة الموريسكيين المسلمين الأندلسيين الذين شملهم هذا الطرد كذلك،فى نفس الظروف والملابسات التاريخية ،وبنفس القوانين الإسبانية عند بداية القرن السابع عشر.
وأشير فى هذا القبيل أنه على إثر المصادقة على هذا القانون كانت وسائل الإعلام الدولية والإسبانية والمغربية قد تعرّضت لهذا الموضوع المجحف، وإستنكر غير قليل من المثقفين، والمفكرين، والفاعلين، الجمعويين ، وكذا بعض الجمعيات والمؤسّسات التي تُعنى بتاريخ إسبانيا وبالأندلس على وجه الخصوص، وفي طليعتها " مؤسّسة ذاكرة الأندلسيين" التي يوجد مقرّها بالرباط والتي يرأسها الباحث الدكتور محمد نجيب لوباريس ( الذي تنحدر جذورُه من أصول موريسكية أندلسيّة ) الذين إستقرّوا فى مدينة الرباط، فقد بادرت هذه المؤسّسة للبحث عن أنجع الوسائل للدفاع عن حقوق هؤلاء الموريسكيين المسلمين المطرودين الذين تجاهلهم القانون الإسباني الجديد. وعقدت هذه المؤسّسة العزم على البحث عن العناصر القانونية التي ينبغي أن تعتدّ بها لردّ الإعتبار حيال السلطات الإسبانية لذاكرة هؤلاء الموريسكيين،وإنصافهم أسوة بذاكرة السيفاراديم أمام المشرّع الإسباني ذلك أن كلاً من االموريسكين المسلمين ،والسيفارديم اليهود كانوا - خلال عملية الطرد- رعايا الدولة الإسبانية فى ذلك الإبّان.
ويشير المشرفون على "مؤسّسة ذاكرة الأندلسيين" أنه بهدف تسليط الأضواء الكاشفة على هذا الموضوع من مختلف جوانبه التاريخية والقانونية إرتأت تنظيم هذه الندوة العلمية الحقوقية تحت الشّعار المشار إليه أعلاه، للإنكباب على دراسة مختلف الجوانب التاريخية والقانونية، ورصد كل العناصر التي لها صلة بهذا الموضوع أيّ فيما أصبح يُعرف ب " القضيّة الموريسكية" وذلك على ضوء التعديل القانوني الإسباني الأخيرعبر مقتضيات الدستور الإسباني، ومنظومة حقوق الإنسان الدولية ،وتحفيز الجهات الإسبانية المعنية، والرّأي العام فى كلّ من المغرب وإسبانيا وعلى الصعيد الدّولي حيال الحقوق التاريخية لهؤلاء الموريسكيين أسوة بما حدث مع اليهود السيفاراديم. وتجدر الإشارة فى هذا الصدد أنّ العاهل الإسباني السّابق خوان كارلوس الأوّل سبق له أن قدّم إعتذاراً اليهود (السيفارديم) الذين أُبْعِدُوا من إسبانيا ،ولم يقم هو ولا خلفُه العاهل الإسباني فليبي السادس بنفس البادرة التاريخية حتى الآن مع الموريسكيين المسلمين).يُضاف إلى ذلك أنّ القانون الإسباني الجديد المتعلّق بالحالة المدنية قد خوّل لما ينيف على 4500 من اليهود السيفاراديم الحصول على الجنسية الإسبانية حتى الآن فى ظروف جدّ ميسّرة .
و معروف أنّ الأحزاب السياسية الإسبانية فى المعارضة لم تصوّت لصالح هذا القانون ، بل إنها عارضته وتوخّت إصلاحه، أو إضافة العناصر التي تخوّل للموريسكيين المسلمين التمتّع بنفس المزايا والصلاحيات التي منحت لليهود إلاّ أنّ الحزب الشعبي الإسباني الحاكم أمكنه أن يمرّر هذا القانون بحكم الأغلبية السّاحقة التي كان يتمتّع بها أو يتوفّر عليها إبانئذٍ فى البرلمان الإسباني.
مواضيع الندوة
من البحوث والمحاضرات التي تمّ معالجتها خلال هذه الندوة من إسبانيا : " نحو مطبقة قانونية لأعقاب الموريسكيين- الأندلسيين فى القانون المدني الإسباني" للدكتور أنطونيو مانويل رودريغيس راموس(جامعة قرطبة) ،و"الذاكرة التاريخية وطرد الموريسكيين حيال القانون الإسباني والوضع الحالي لمسلمي إسبانيا " للدكتورة أمبارو سانشيس روسيل،(من مدينة بلنسية) و" المسيحيون الجدد للمنطقة الشرقية لمملكة غرناطة القديمة فى القرن السادس عشر" للدكتورة ماريا دولثي أركاس كامبوي ،و"الموريسكيون فى مفترق الطرق السياسية والعلمية فى أوربا الحديثة وإشكالية إستمراية الحياة لدى أقليّة" للدكتورة مارافيّاس أغيلار،(كلتاهما من جامعة لاغونا تينيريفي الخالدات) ( و"إستراتيجية لإعادة الإعتبار التاريخي لأعقاب الموريسكيين المطرودين من إسبانيا فى القرن السابع عشر" للدكتورة باربارا رويث بيخارانو.(من جامعة أليكانتي). ومن البرتغال : " الموروس والموريسكييون فى البرتغال (فى القرنين السابع عشر والثامن عشر)، لللدكتور أنطونيو خوسّيه دا سيلبا (من جامعة لشبةتة الجديدة ) . ومن مصر : " صورة الأندلسي فى الأدب الإسباني الحديث" للدكتور جمال عبد الرحمن. ( جامعة الأزهلر الشريف). ومن المغرب : "الموريسكيون ومحاكم التفتيش: تأصيل فقهي" للدكتور محمد رزوق، (كلية الآداب الدار البيضاء) و"الأندلس : مساواة فى المعرفة وإشراك فى التدبير" للدكتور أحمد شحلان،(جامعة محمد الخامس الرباط). و"الروابط الموسيقية كشاهد على مدى التأثير الموريسكي فى المجتمع الإسباني " للأستاذ عبد العزيز بنعبد الجليل،( باحث فى علم الموسيقى مكناس) و" إشكاية الإعتراف بحقوق أحفاد السيفاراديم المطرودين من الأندلس ،والذين أسلموا بعد الطرد" للدكتور حمزة الكتابي،(باحث جامعي الرباط) و" قراءة فى كتاب رودريغو دي ثاياس" (الموريسكيون وعنصرية الدولة ،الظهوروالإضطهاد،والترحيل-1499-1612 ) للدكتورة كوثر العمري(عن معهد الدراسات الإسبانية- البرتغالية) جامعة محمد الخامس الرباط.و"الفونتي : أسرة موريسكية فى الرّيف ، الماضي - والحاضر" للأستاذ عمرددوح الفونتي.وأخيراً " الإشعاع الحضاري الأندلسي: عقد من جمان يزيّن جيدَ الزّمان" للدكتور محمّد محمّد الخطّابي(سفير سابق،وباحث ،وكاتب،ومترجم غرناطة - الحسيمة).
إبعاد قسري وإقصاء تعسّفي
هذه الندوة الدولية أزاحت الستار، وأماطت اللثام عن غير قليل من مظاهر التظلم ،والإجحاف، والتطاول، الذي طال الموريسكيين فى الأندلس الذين تعرّضوا لعمليات طرد ، وإبعاد وإقصاء وتهجير قسري، وتعسفي من مَواطنهم وأراضيهم ودورهم ، وكلّ ما تلا ذلك من تظلم وحيف وتمييز حاق، ولحق بهؤلاء المُهجّرين الذين كان لهم إسهام وافر ومميّز فى نشر المعارف، والثقافة، والعلوم،فى البلدان التي نزلوا فيها، أو نزحوا إليها، بما حملوه معهم من تراث زاخر، وثقافة مميّزة، وموروثات معمارية فريدة ، وتأثيرات لغوية، وأدبية، وموسيقية، وفى مجال الفلاحة، والبستنة، وفنون الطبخ،واللباس وسواها من العادات الأندلسية المرهفة فى مختلف مرافق الحياة العامة، والذين إستقرّوا فى سائر المدن،والحواضر، والقرى والمداشر فى المغرب، وفى الجزائر، وتونس، وليبيا، وفى أماكن أخرى فى المشرق العربي التي كانت واقعة تحت النفوذ العثماني. وأصبحت هذه المناطق والجهات مرتعاً، وموطناً،ومنزلاً، ومعقلاً، ومهبطاً، ومقرّاً، ومستقرّاً لأحفاد أحفاد هؤلاء الموريسكيين الذين أقصُوا عن ديارهم فى الأندلس فى ظروف تاريخية صعبة، وملابسات عويصة لا تخفى على أحد، وما زالت العديد من المباني والقصور والدور ذات الطابع الأندلسي الأصيل تقف شامخة شاهدة على عطاءاتهم الثرة فى إضفاء طابعهم عليها،وهم ما إنفكّوا بالنسبة للمغرب يعيشون بين ظهرانينا فى العديد من المدن العريقة الكبرى وأرباضها، ونواحيها، وفى سواحل الرّيف المتراميّة الأطراف حيث توجد بها مجموعات سكنية إثنية متعدّدة تنحدر من الأندلس منها فرقة مشهورة تُسمّى : "إندروسن" أيّ فرقة "الأندلسيين" الذين هاجروا من الأندلس كذلك، واستقروا في منطقة بني ورياغل، بمنطقة بالقرب من مدينة أجدير( الحسيمة) .
عقدٌ من جُمان يُرصّع جيدَ الزّمان
تدعونا محاضرة الباحث محمّد محمّد الخطّابي(كاتب هذه السّطور) التي تحت عنوان: " الإشعاع الأندلسي : عقدٌ من جُمان يُرصّع جيدَ الزّمان" للقيام برحلة عبر ربوع،ومدن، وحواضر تلك الأصقاع الغالية علينا جميعا ،النائية عنّا فى الزمان والمكان ،والقريبة منّا فى الذاكرة والعقل والوجدان ، وهي أرض الاندلس الفيحاء، رحلة تسلّط الأضواء على بعض المظاهر الحضارية العربية والأمازيغية التي تألقت وازدهرت، وأشعّت على العالم المعروف في ذلك الإبّان، وأنارت دياجي الظلام في أوربّا التي كانت لمّا تزلْ دهرئذٍ غارقة في سبات التأخّر وسديم الظلام ، بما قدّمته هذه الحضارة من عطاءات خصبة ثرّةّ، و إبداعات مشرقة وضّاءة في مختلف حقول العلم والعرفان، ومناحي ومرافق الحياة بشكل عام. التراث الأندلسي بنصوصه، ووثائقه، وأمّهات كتبه ومخطوطاته، وأشعاره، وآدابه، وفنونه وعلومه إلى جانب معالم الأندلس التاريخية، ومآثرها العمرانية، وقلاعها الحصينة، ودُورها،وقصورها،وجوامعها، وصوامعها، وبساتينها، وحدائقها الغنّاء ، فضلاً عن التأثيرات اللغوية والثقافية، والعادات والتقاليد العربية الحميدة التي تأصّلت في الشعب الإسباني في مختلف مناحي الحياة،والتي نقلها الموريسكيون معهم فى رحلتهم القسرية بعد إبعادهم المُجحف غير المًنصف عن دورهم، وإنتشارهم،وإستقرارهم فى مختلف المدن والأصقاع، كلّ ذلك ما زال شاهداً إلى اليوم على مدى الأوج البعيد الذي أدركه الإشعاع الحضاري الأندلسي في شبه الجزيرة الإيبيرية على إمتداد الوجود الإسلامي بها. ثمانية عقود من جمان، تزيّن جيدَ الزمان وترصّع طوق التاريخ الاسباني بالوجود العربي في الأندلس،تجسّد لنا فى بهاء ورونق وإبهار ماضي هؤلاء الموريسكيين الذين ولدوا، ونشأوا، وترعررعوا، وأبدعوا فى هذه الجزيرة المحروسة، ويبيّن المحاضر كيف أنّ الإشعاع الذي خلّفه هؤلاء وأجدادهم أصبح اليوم الشغل الشاغل لغير قليل من الاسبان، وأمسى حديثَ الناس في كل منتدى و منبر ومحفل ودار ومدرج. وطفق الاهتمام بالإرث الحضاري العربي والإسلامي يتزايد ويتكاثر و ينمو في كل مكان من هذه الجزيرة المحروسة . لقد شكّلت إسبانيا في الفترة الممتدة بين القرن الثامن والقرن الثالث عشر الميلادي جسراً حضارياً إنتقل من خلاله هذا الثراء الهائل من المعارف و العلوم التي برع المسلمون في التبحّر فيها الى شعوب أروبية أخرى ذات "ثقافة لاتينية مغلقة" كما يصفها مننديث بيدال. يقوم المحاضر بجولة فى أهمّ الحواضر التي عرفت تألّقاً وإزدهاراً فى الأندلس أيام وجود المسلمين بها، مستشهداً بأقوال بعض المثقفين الإسبان، ومن أمريكا اللاتينية الكبار أمثال أمريكو كاسترو،وبيلاسكو إيبانييس، وغارسيا لوركا ،ولوبث بارالت، وخوان غويتيسولو، وأنطونيوغالا، ومانويل دي لا بارّا، وكارلوس فوينتطيس، وأدالبرتو ريوس، وإكرام أنطاكي وسواهم، عن الأوج البعيد الذي أدركته الحضارة الإسلامية فى الأندلس، وعن قيمة وأهمية ما ورثه الإسبان عن تلك القرون للوجود الاسلامي في شبه الجزيرة الايبيرية" ،وهم يجمعون فى هذا الصدد أنه يستحيل فهم الثقافة الاسبانية وهضمها بشكل شامل ودقيق دون إستيعاب التراث الإسلامي، ومعرفة الثقافة الإسلامية، واللغة العربية.
الثقافة الثالثة
ويبيّن المحاضر كيف أن لقاء العالمين الإسباني والسكان الأصليين فى القارة البكر ينبغي أن يضاف إليه عنصر ثالث هام وهو الحضارة الإسلامية،أيّ أنّ هذا اللقاء بعد ما أطلق عليه " الإكتشاف" لم يكن بين ثقافتين إثنتين وحسب وهي الإسبانية والهندية الأصلية للهنود، بل ينبغي أن يضاف لها عنصر آخر أسمته الباحثة المكسيكية الرّاحلة إكرام أنطاكي (من أصل سوري) بالثقافة الثالثة، إذ بعد تاريخ 12 إكتوبر 1492 لم تكن الرقعة الجغرافية الإسبانية خالية من العرب والبربر المسلمين، فمنهم من هاجر وفرّ بجلده ،وهناك من آثر البقاء متظاهراً بإعتناق الكاثوليكية ،والذين نجوا وبقوا سمّوا بالموريسكيين ،فقد كان منهم أمهر الصنّاع والمهندسين والعلماء والمعلمين وخبراء الرّي والفلاحة ، بل لقد ظلت مسألة تسيير العديد من المرافق الحيوية فى البلاد ليس فى الأندلس وحسب (جنوب إسبانيا) بل وفى مناطق أخرى من شبه الجزيرة الإيبيرية خاصة فى شمالها الشرقي بيد المسلمين. فكيف والحالة هذه ألاّ يحمل الإسبان الذين هاجروا إلى العالم الجديد معهم هذا"التأثير"..؟ بل إنّ هناك من المسلمين المغلوبين على أمرهم من الموريسكيين مَنْ هاجر مع أفواج المهاجرين الإسبان ، وإلاّ من أين جاءت هذه الدُّور،والقصور ذات الباحات والنافورات العربية التي بنيت فى العديد من مدن أمريكا اللاتينية ..؟ ومن أين هذه الأقبية والأقواس والعقود والشبابيك العربية؟ بل والأبعد من ذلك حتى الكنائس التي كانوا يبنونهاغداة وصولهم كان يظهر فيها الأثر العربي والإسلامي بوضوح ،وإستعمل بعضهم الخطّ العربي المحتوي على أشعار وحكم وآيات قرآنية إعتقاداً منهم أنه كان من علامات الزينة فى البيوتات الكبرى فى إسبانيا.
أدب المنفى داخل الوطن
ويسلط المحاضر الأضواء على الأدب السرّى أو ما كان يُطلق عليه ب "أدب المنفى داخل الوطن" الذي كان عند هؤلاء الموريسكيين وهو أدب مؤثّر وبليغ يُسمّى باللغة الإسبانية الخاميادة أوالخاميادو أو الخامية بمعنى (العجمية)، وقد أطلق عليه هذا النعت لأنه أدب مكتوب إنطلاقا من اللغة الإسبانية ولكنه يستعمل حروفاً عربية ،وكان الإسبان من ناحيتهم يطلقون هذا اللفظ على اللغة القشتالية المحرّفة بمزجها بكلمات عربية، وكان يتكلّم بها عرب إسبانيا فى آخر عهدهم بالأندلس ،ولمّا خشي الحكّام الكاثوليك على هؤلاء من التكاثر وإستعادة النفوذ قرّر الملك فيليبّي الثاني بعد أن أصدر ظهيراً أو مرسوماً بين1609-1614 بطرد آخر المسلمين من إسبانيا . ويشير الباحث "لوبث بارالت":" أنّ هذا القرار الدرامي المجحف الذي إتّخذه فليبي الثاني كان سبباً فى إثارة جدل هائج ما زال يُسمع صداه حتّى اليوم." وإذا كان هذا يحدث فى القرن السابع عشر (1614) أي 122 سنة من وصول الإسبان إلى"العالم الجديد" (1492)فإنّ ذلك يدلّ الدلالة القاطعة على أنّ إسبانيا عندما "إكتُشِفت " أمريكا كانت لمّا تزل واقعة تحت التأثيرالعربي الإسلامي الموريسكي، وأنّ العادات والتقاليد وفنون المعمار وأسماء الحرف والمهن والصناعات والإبتكارات والآلات البحر ية، والعسكرية والفلاحية وعشرات الآلاف من المسمّيات كانت عربية أو على الأقل من جذر أو أصل أو أثل عربي،وهي التي استعملت فى مختلف بلدان أمريكا اللاتينية وظلّت مستعملة بها ولا تزال إلى يومنا هذا.ويستشهد المحاضر فى هذا القبيل بأقوال العديد من المثقفين الإسبان وغير الإسبان الذين يؤكّدون هذه الحقيقة التاريخية التي لا مراء فيها.كما يثبت عدداً هائلاً من الكلمات الإسبانية من أصل عربي وأمازيغي التي إستقدمها الموريسكيون معهم وإستعملوها ، وجاءت هذه الحقيقة على لسان أحد جهابذة الإستشراق الإسباني وهو " أمريكو كاسترو". و يتساءل المحاضر فى ختام عرضه: بعد كلّ هذا، أيحقّ لنا أن نسمّي الأندلس "بالفردوس المفقود"..؟! ويسارع بالإجابة فى نصّ شاعريّ حالم : لقد سمّوه فعلاً فردوساً، ولكنّه ليس مفقوداً كما وُهِمُوا،إنّه هنا حاضر الكيان،قائم الذات،إنّه هنا بسيره وأسواره،وبقاياه وآثاره،وعمرانه، ونفائسه وذخائره، بعاداته وطبائعه، فى عوائده وأهوائه،إنّه هنا فى البريق المشعّ، فى المدائن،والضّيع، والوديان، فى اللغة والشّعر، والعلم والأدب، فى لهجة القرويّ النائي، والفلاّح المغمور، فى الكرم العربي،والإباء الأمازيغي، والحزازات القديمة،التي ما فتئت تفعل فى ذويها فعلَ العُجب.
البيان الختاميّ (تصريح قصبة الأندلس)
هذا وتجدر الإشارة أنه قد صدر عن هذه الندوة - بعد إنتهاء أشغالها- بيان ختامي باللغتين العربية والإسبانية يتضمّن جملة توصيات منها: -تأسيس مجمع للتوثيق و الدراسات حول ذاكرة الأندلس،والشتات الموريسكي، للإبراز المعنوي للتراث الثقافي، وللبصمة الموريسكية الأندلسية فى الهوية الإسبانية- البرتغالية وفى بلدان البحر الأبيض المتوسّط . –المساواة بين الموريسكيين والسيفاراديم فى القانون المدني الإسباني إحتراماً لمقتضيات الدستور الإسباني 1978.-الدّفع لمزيد من الحوار الحضاري لتجنّب الإقصاء، والإقصاء المضاد الذي يعارض المبادئ الديمقراطية ،والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. –تكثيف الجهود لتنظيم ندوات للتعريف بالقضية الموريسكية ثقافياً ،وإجتماعياً ،وحقوقيّاً على الصعيدين المحلّي والدولي. –دعوة السلطات الإسبانية للإعتراف بالحقوق الموريسكية وإحداث مرصد لذاكرة الاندلسيين فى الأوساط التعليمية والثقافية الإسبانية –تكليف مؤسّسة ذاكرة الأنلسيين بالنهوض بترشيح " عقب الموريسكيين الأنلسيين" لجائزة أميرة أستورياس للإتفاق والإنسجام والوفاق. – وأخيراً قيام إسبانيا بواجب الذاكرة نحو الموريسكيين، وسنّ قانون لهذه الذاكرة من أجل تفعيل كلّ هذه التوصيات، وإقتراح يوم 9 أبريل من كلّ سنة يوماً وطنياً لذاكرة الموريسكيّين.
*كاتب، وباحث فى الشؤون العربية، والإسبانية، وأمريكا اللاّتينية ،عضو الأكاديمية الإسبانية - الأمريكية للآداب والعلوم - بوغوطا- (كولومبيا).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.