أحمد الشرعي مدافعا عن نتنياهو: قرار المحكمة الجنائية سابقة خطيرة وتد خل في سيادة دولة إسرائيل الديمقراطية    جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    مؤتمر الطب العام بطنجة: تعزيز دور الطبيب العام في إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    السلطات البلجيكية ترحل عشرات المهاجرين إلى المغرب    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قيم المواطنة في منهاج مادة التاريخ
نشر في لكم يوم 05 - 10 - 2021

في زمن عولمة الثقافات والأفكار والسلوكات وتعدد قنوات التربية والتواصل والإعلام، أصبح الرهان على البعد القيمي في التربية والتعليم ضرورة حضارية وتربوية. باعتبار أن المدرسة من أهم مؤسسات التنشئة الاجتماعية. فهي تساهم في تعزيز الانتماء للوطن والحفاظ على الهوية مع الانفتاح على المبادئ الإنسانية الكونية، وترسيخ قيم المواطنة الإيجابية والفعالة التي تتجاوز معرفة القيم إلى تبنيها كسلوكات واستدماجها في مواقف واتجاهات بالمحيطين الأسري والمدرسي والفضاءات العامة. وهو ما تدعو إليه كل المرجعيات التربوية المختلفة بالمغرب ومنها:
* الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي رسم بشكل جلي في المرتكزات الثابتة لنظام التربية والتكوين السمات المميزة لشخصية المواطن المرغوب تكوينه، والمتمثلة في الاستقامة والاعتدال والتسامح والتشبع بحب الوطن، المشاركة الإيجابية في الشأن العام والخاص، والوعي بالحقوق والواجبات والتفاعل مع مقومات الهوية الوطنية، مع الانفتاح على معطيات الحضارة الإنسانية العصرية.[1]
* الوثيقة الإطار حول الاختيارات والتوجهات التربوية التي حددت غايات التربية على قيم المواطنة في تكريس حب الوطن، وتعزيز الرغبة في خدمته وتنمية القدرة على المشاركة الإيجابية في الشأن المحلي والوطني، والتشبع بروح الحوار والتسامح وقبول الاختلاف.[2]
* الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التربية والتكوين التي تؤكد على ضرورة اعتبار التربية على قيم الديمقراطية والمواطنة الفاعلة وفضائل السلوك المدني خيارا استراتيجيا لامحيد عنه.[3]
وتعد المناهج والبرامج الدراسية إحدى المداخل الأساسية لتحقيق هذه الغايات وأجرأتها وترجمتها إلى كفايات معرفية ومنهجية، وإلى اتجاهات ومواقف ينتظر أن يكتسبها المتعلم[4]. وإذا كان منهاج مادة التربية على المواطنة ينبني في سياقاته المجتمعية والتربوية ومرجعيته الديداكتيكية على أهمية التربية على المواطنة في تكوين الإنسان /المواطن الذي تراهن عليه البلاد للسير في مجهودهاالتحديثي والتفاعل مع المحيط الاجتماعي على اختلاف مستوياته ، والواعي والممارس لحقوقه وواجباته تجاه ذاته وتجاه الجماعة التي ينتمي إليها،[5] فهل بإمكان المضمون المعرفي والبيداغوجي لمادة التاريخ أن يجعل من المتعلم مواطنا فاعلا ومندمجا في محيطه؟ وإلى أي حد تحضر قيم المواطنة في منهاج مادة التاريخ؟ وكيف تتجسد قيمة التسامح في المقررات الدراسية للتعليم الثانوي التأهيلي في مادة التاريخ ا بالمستويات الدراسية التالية :الجذوع المشتركة والسنتان الأولى والثانية من سلك البكالوريا الشعب الأدبية؟
– مدخل القيم على المواطنة في منهاج مادة التاريخ:
تتعدد التعريفات المتعلقة بمفهوم المواطنة لتداخل الحقول الدلالية المرتبطة بها: سياسياً، اجتماعياً، قانونياً وتربوياً… فالمواطنة "لا تعني فقط الانتساب للوطن والارتباط به(… )و لا تعني مجرد حيِّز جغرافي وعلم يرفرف فوق البنايات الرسمية"[6] وإنما هي سلوك مكتسب، وممارسة في ظل مجموعة من المبادئ والقواعد يصبح القانون فيها هو المرجع الوحيد لضمان الحقوق والواجبات، لتعبر بذلك عن الانتماء إلى وطن يكون فيه الأفراد فاعلين متمتعين بكامل العضوية والأهلية ومتساويين في كافة الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والقانونية، كما يتساوون في الواجبات القانونية والمسؤوليات الاجتماعية والولاء التام للوطن،[7] فالمواطنة ترتكز على الوعي بالحقوق والواجبات في أفق ممارستها فتمثل بذلك رابطة اجتماعية وقانونية بين الأفراد والدولة مع ماتتضمنه تلك الرابطة من حقوق وواجبات.[8] ولايتأتى تمتين هذه الرابطة – التي تسمو على الروابط القبلية والعشائرية – وتعزيز الانتماء للوطن وترسيخ ثقافة الحق والواجب إلا من خلال التربية على قيم المواطنة والتي تندرج ضمن وظائف المدرسة، عبر مناهجها وبرامجها الدراسية. وتعتبر مادة التاريخ من المواد الدراسية الحاملة لقيم الهوية ومبادئها الأخلاقية والثقافية وقيم المواطنة. من هنا يستمد التاريخ وظيفته المجتمعية في تكوين إنسان يفهم مجتمعه الوطني والدولي، ويتموضع ليصبح مشاركا وفاعلا فيه، بل يساهم في التكوين الشخصي للإنسان بتلقينه ذاكرة جماعية تتسع من المجموعة المحلية إلى الأمة ثم إلى الكون.[9] بهذا كانت المنطلقات الأساسية في بناء منهاج مادة التاريخ هي استحضار مدخل الكفايات والتربية على القيم[10]. وهو ما تمت بلورته على مستوى البرامج الدراسية لمادة التاريخ من خلال اكتساب الكفايات الثقافية المعرفية والتواصلية، والتموضع في الزمن والمجال، والمهارات المنهجية. بالإضافة إلى ذلك، الكفايات الاستراتيجية المرتبطة بترسيخ القيم والاتجاهات واتخاذ المواقف الإيجابية والواعية من القضايا التاريخية التي عرفها العالم في زمان ومجال محددين.[11]
هكذا تحضر العديد من القيم الإنسانية بشكل صريح أو ضمني في البرامج الدراسية لمادة التاريخ من قبيل: التسامح، الحرية، الكرامة، المساواة و التضامن… وإذا كان المتعلم قد تعرف على هذه القيم في مرحلة التعليم الثانوي الإعدادي في مادة التربية على المواطنة [12]من خلال التعريف بها كمفاهيم والوقوق على أبعادها الدينية والدولية والوطنية، فقد صيغت في مقرر الثانوي التأهيلي مجموعة من القيم من بينها التسامح في الوحدات الدراسية لمادة التاريخ كأهداف تعلمية وعلى مستوى المقاطع والأنشطة والتدبير الديداكتيكي وتقويم التعلمات. كيف تحضر إذن قيمة التسامح في الكتب المدرسية للتعليم الثانوي التأهيلي؟
– قيمة التسامح في الكتاب المدرسي، كتاب "في رحاب التاريخ" نموذجا :
ترتبط القيم – كمُثل عليا لها وضع اعتباري في الثقافة الإنسانية- بمجموعة من المبادئ الإنسانية النبيلة التي يجب أن يتصف بها الإنسان، ويمثل التسامح المدخل الأمثل للسلم الاجتماعي وتقوية التعايش وضمان أمن الأفراد داخل المجتمع، فهو قيمة إنسانية وتربوية تتأسس على قبول الاختلاف واحترام الآخر والسعي نحو الحوار البناء بين الأفراد والمجتمعات والانفتاح على الثقافات المختلفة.[13] وتعتبر المناهج والبرامج الدراسية بمفهومها الشامل وبمختلف مكوناتها المضمون الرئيسي للتربية والتكوين، بل إنها تشكل فلسفة وغايات وتوجهات النظام التربوي التي يتم تجسيدها في برامج دراسية ومضامين معرفية وتعلمات وتكوينات وطرائق بيداغوجية، وفي أدوات ديداكتيكية من كتب ووسائط تعليمية، وهي بذلك تفتح إمكانات واسعة لترسيخ القيم والتربية على السلوك المدني[14]. وسنحاول مقاربة قيمة التسامح من خلال الكتاب المدرسي " في رحاب التاريخ " في ثلاثة مستويات دراسية انطلاقا من أهمية الكتاب المدرسي كأحد الدعامات الديداكتيكية المعتمدة في العملية التعليمية التعلمية سواء بالنسبة للمدرس أو المتعلم فالكتاب أداة مساعدة للأستاذ في إعداد دروسه وتنفيذها ودعامة متكاملة ومنظمة وحاضرة مع المتمدرس في البيت والمدرسة.[15]
ينبني الاشتغال على الكتاب المدرسي " في رحاب التاريخ" المبرمج في مستويات دراسية متباينة الجذع المشترك والسنتين الأولى والثانية من سلك البكالوريا على الترابط والتكامل والتدرج بين المستويات الدراسية خصوصا من حيث الإشكالية الناظمة للمستويات الثلاثة في مادة التاريخ والتي تنطلق من فهم واستيعاب التحولات المجتمعية في زمان ممتد من ق15 إلى مطلع ق21 م ضمن مجالات محددة : العالم – العالم المتوسطي – العالم الرأسمالي . وأهم الملاحظات التي يمكن تسجيلها هي :
أولا: رغم تأكيد البرامج والتوجيهات التربوية لتدريس مادة التاريخ على الكفايات المرتبطة بترسيخ القيم والاتجاهات لدى المتعلم واتخاذ مواقف إيجابية من القيم الإنسانية العليا والتطورات والقضايا التاريخية المختلفة، فإن الأهداف الوجدانية والاتجاهات المواقفية تظهر بشكل محتشم مقابل أهمية واضحة للأهداف المعرفية . ففي البرنامج الدراسي للجذع المشترك الآداب والعلوم الإنسانية من مجموع سبعة عشر درسا لاتحضر الأهداف الوجدانية عموما و في علاقة مع ترسيخ قيم التسامح خصوصا إلا في درسين هما: "الإصلاح الديني " و" المد الإسلامي ( امتداد النفوذ العثماني ) وبداية التدخل الأوربي" علما أن هناك وحدات دراسية يمكن أن يتم فيها الاشتغال على هذه القيمة الإنسانية انطلاقا من مرجعية فلسفة الأنوار في الوحدة الدراسية المتعلقة" بعصر الأنوار الفكر الإنجليزي والفكر الفرنسي"[16] وكيف نظّر كل من الفيلسوف الإنجليزي جون لوك والفيلسوف الفرنسي فولتير لقيمة التسامح. في حين لم يتم تحديد أهداف التعلم الوجدانية في الوحدات الدراسية لبرنامج السنة الأولى من سلك البكالوريامسلك الآداب والعلوم الإنسانية رغم تأكيد التوجيهات التربوية للمادة على تنمية قيم المواطنة وحقوق الإنسان في علاقة مع الفترة التاريخية المدروسة.[17] و تبرز قيمة التسامح كهدف تعلمي بالنسبة للسنة الثانية من سلك البكالوريا مسلك الآداب والعلوم الإنسانية في درس واحد "نظام القطبية الثنائية والحرب الباردة " من مجموع ستة عشر درسا.
ثانيا : تم الاعتماد في البرنامج الدراسي للجذع المشترك على وضعيات مختلفة في تناول قيمة التسامح في الوحدات الدراسية المحددة سابقا، وذلك في إطار الاشتغال على الدعامات الديداكتيكية: النصوص التاريخية بالاعتماد على النهج التاريخي: التعريف، التفسير، التركيب من خلال مقاربة التسامح في مرحلة تاريخية معينة منها : الإصلاح الديني في أوربا وسياسة التسامح الديني في ظل الإمبراطورية العثمانية، وفي وضعية أخرى تتجاوز بناء المعارف إلى تطوير المهارات واتخاذ المواقف من خلال تقويم التعلمات وذلك بمناقشة التسامح الديني وأهميته في تعايش الأديان والحضارات داخل الفصل الدراسي بين جماعة القسم
و كتابة التقارير[18] أو إنجاز عروض[19]. أما بالنسبة للسنة الثانية من سلك البكالوريا فقد حضرت قيمة التسامح من خلال أنشطة تعلمية مرتبطة بالاشتغال على مجموعة من الوثائق : نصوص تاريخية وجدول يبين من خلالها المتعلم أهمية التسامح باعتباره قيمة إنسانية في تجاوز الخلافات وتعزيز العلاقات الدولية[20].
ثالثا: يرتكز المنهاج في البرنامج الدراسي لمادة التاريخ من خلال الكتاب المدرسي "في رحاب التاريخ" في المستويات الدراسية الثلاثة على الأهداف المعرفية والمنهجية والمواقفية، لكن الكم المعرفي يبقى حاضرا بقوة. كما لا تتجاوز العمليات الفكرية والمنهجية المرتبطة بأسئلة الدعامات استخراج الأفكار والمعلومات والمعارف بدل اتخاذ المواقف وتنمية الاتجاهات. فترسيخ القيم لدى المتعلم بما فيها قيمة التسامح، يستلزم اعتماد أساليب وطرائق للتعلم في وضعيات وأنشطة تربوية مختلفة، تنقل تمثلات التلميذ حول التسامح من خلالها إلى سلوكات فعلية تمارس على أرض الواقع وتبني مواقف إيجابية. من هنا ضرورة تعويد التلميذ على التساؤل والمناقشة، لكون تبادل الرأي والإنصات إلى الآخر يعتبر جسرا لترسيخ قيم الديمقراطية في حياة المتعلم وسلوكه من حيث كونه مواطنا للمستقبل.[21] فالمواطنة ليست وضعية جاهزة، مادة تستورد، وإنما هي تعلم في أفق الممارسة[22].
رابعا : تجعل كل الأدبيات التربوية التسامح والاعتزاز بالهوية والانفتاح على الآخر وفهم واحترام الاختلاف… من أهم خصائص المواطن الصالح المراد تكوينه وإعداده، لذلك يستدعي تعزيز القيم والتسامح من خلال البرنامج الدراسي لمادة التاريخ تجاوز "… دراسة التاريخ ككتلة من المعلومات بل استغلال المعلومات في خلق صورة حية وبناءة لما قام به الناس وكيف قاموا به ؟ ولماذا قاموابه على هذه الصورة؟…"[23]، وبالتالي الاعتماد على طرائق وأساليب بيداغوجية، تفتح آفاق التلاميذ نحو التعلم الذاتي والعمل الجماعي والتسليح بالفكر الناقد القادر على الإبداع والاجتهاد، وإبداء الرأي والمناقشة وبناء المواقف. ولايتأتى ذلك إلا من خلال مدرسة مفعمة بالحياة بفضل نهج تربوي نشيط يتجاوز التلقي السلبي والعمل الفردي إلىى القدرة على الحوار والمشاركة في الاجتهاد الجماعي[24].
خلاصة القول إذن، رغم التحولات التي تعرفها المنظومة التعليمية والتربوية في المغرب كمّاً وكيفا والمستجدات المرافقة للمناهج والبرامج التربوية بما فيها اعتماد مدخل الكفايات والتربية على القيم، فإن منهاج مادة التاريخ لازال يرزح تحت ثقل المعارف والمعلومات . مما يتطلب إعادة النظر في المقاربة الديداكتيكية وطرائق وأساليب تدريس المادة وتجاوز التلقين والتذكر والحفظ إلى خلق وضعيات للتعلم الحقيقي لبناء القيم و تنمية الاتجاهات الإيجابية واتخاذ المواقف وترجمتها إلى سلوكات مدنية في أفق تكوين وإعداد مواطن متشبع بالقيم الوطنية والإنسانية .
هوامش
[1] – الميثاق الوطني للتربية والتكوين، اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين، يناير 2000، ص 9- 10.
2- منهاج مواد التاريخ والجغرافيا والتربية على المواطنة، ص27
[3] – المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، من أجل الإنصاف والجودة والارتقاء: رؤية استراتيجية للإصلاح 2015 -2030، ص55
[4] – ياسين عدي، التربية على المواطنة وحقوق الإنسان ثقافة وسلوك،https://www.tanmia.ma/non-classe/01/25/3013/
[5] – منهاج مواد التاريخ والجغرافيا والتربية على المواطنة، ص 26 – 27
[6] – عبد القادر العلمي، في الثقافة السياسية الجديدة، منشورات الزمن، عدد 47، 2005، ص145.
7- المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، التربية على القيم بالمنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي، يناير2017
[8] – عمر الأزمي الإدريسي، قيم المواطنة بين مقتضيات الدستور ورهانات مدرسة المستقبل، دفاتر التربية والتكوين، ال عدد5، شتنبر 2011، مكتبة المدارس، الدار البيضاء، ص 20.
9 – منهاج مواد التاريخ والجغرافيا والتربية على المواطنة ، ص 4
10– منهاج مواد التاريخ والجغرافيا والتربية على المواطنة ، ص 1
[11] – مديرية المناهج، البرامج اوالتوجيهات التربوية الخاصة بتدريس الاجتماعيات بالجذوع المشتركة للتعليم الثانوي التأهيلي، مارس 2005 ص7. مديرية المناهج، البرامج والتوجيهات التربوية لمادة التاريخ والجغرافيا للسنة الأولى من سلك البكالوريا دجنبر2005، ص7- مديرية المناهج، البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بتدريس مادة التاريخ والجغرافيا بالسنة الثانية من سلك البكالوريا، نونبر 2006 ص9- 10
12 – منهاج مواد التاريخ والجغرافيا والتربية على المواطنة ، ص 25 .
[13]– اللجنة المشتركة المكلفة بتنفيذ اتفاقية التعاون بين الوزارة المكلفة بحقوق الإنسان ووزارة التربية الوطنية، خاص بمنهاج التربية على حقوق الإنسان، العدد 1- 2 مارس – يونيو 1998 ص 50 .
14– عمر الأزمي الإدريسي ، نفس المرجع ، ص 25.
[15]- وزارة التربية الوطنية، المملكة المغربية، البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بتدريس التاريخ والجغرافيا بسلك التعليم الثانوي التأهيلي،2007.
[16] – في رحاب التاريخ، جذع الآداب والعلوم الإنسانية، ص 113
[17] – مديرية المناهج والتوجيهات التربوية الخاصة بتدريس مادة التاريخ والجغرافيا بالسنة الأولى من سلك البكالوريا، دجنبر 2005، ص 7
[18]– في رحاب التاريخ، جذع الآداب والعلوم الإنسانية، ص 37
[19] – في رحاب التاريخ، نفس المرجع، ص 74
[20]- في رحاب التاريخ، السنة الثانية من سلك البكالوريا، ص 116
[21] – محمد بوبكري، قضايا تربوية، ط1، دار الثقافة، الدار البيضاء، 2003، ص 112
[22] – منهاج مادة التربية على المواطنة، ص 27
[23] – جون ديوي، المدرسة والمجتمع، ترجمة أحمد حسن الرحيم، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، ص 151
[24] – الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ص 11


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.