إخماد حريق غابوي بجبل "أغاندرو" بجماعة عبد الغاية السواحل بإقليم الحسيمة    نشرة إنذارية: موجة برد قاسية مرتقبة في عدد من مناطق المملكة    "بوحمرون" يتسلل لسجني طنجة وتطوان ويخلف 25 إصابة    139 مليون درهم.. زينب العدوي تعرض أمام البرلمان حصيلة المحاكم المالية    عمر نجيب يكتب: معركة غزة تعدل مفاهيم وقواعد الحرب الحديثة غير النظامية    العدوي: الحصيلة المنجزة في مجال محاربة الأمية "غير مرضية" رغم الغلاف المالي المعبأ الذي بلغ 3 ملايير درهم    توجيهات صارمة لمتابعة حالة شرطي أصيب في حادثة سير بالدار البيضاء وتوقيف المتورط    الجزائر تُهدّد أمنها الاقتصادي والدبلوماسي بتآمر مكشوف ضد تركيا    بعد أخبار مصرية حول تأجيل كأس أفريقيا للأمم.. الجامعة الملكية المغربية توضح    انطلاق مهرجان آنيا تحت شعار "الناظور عاصمة الثقافة الامازيغية"    الرباط.. مؤتمر حول مكافحة الإرهاب والأمن البحري على طول السواحل الإفريقية الأطلسية    تسجيل نمو ملحوظ في المبادلات التجارية بين المغرب وإسبانيا في سنة 2024    رئيسة مجلس الحسابات تنبه الحكومة إلى الحاجة العاجلة لإصلاح أنظمة التقاعد    أشرف حكيمي يوضح حقيقة وضع أملاكه باسم والدته    "المستهلك" تحذر من وسطاء رمضان    المغرب يترأس مؤتمر وزراء الثقافة .. وبنسعيد يقترح تكتلًا ضد الأخبار الزائفة    "تضخيم أرباح" يورط مستوردين مغاربة في شبهات تبييض أموال    "بوحمرون" يقتحم أبواب السجون المغربية وينتشر بين المساجين    العدوي تقدم عرضا أمام مجلسي البرلمان حول أعمال المجلس الأعلى للحسابات برسم 2023/2024    الفنان ياسين احجام يروج لشخصية المعتمد بن عباد    مصرع شاب في حادثة سير بالرشيدية    أخنوش يترأس حفل بمناسبة السنة الأمازيغية الجديدة 2975    انتشار "بوحمرون" في 13 مؤسسة سجنية: تسجيل 79 إصابة و27 حالة شفاء    3 آلاف شرطي يعتقلون رئيس كوريا الجنوبية المعزول    مجلس الحسابات يحذر من تأخر إنجاز مشاريع الطاقات المتجددة ويدعو إلى تحسين الحكامة    تداولات الإفتتاح ببورصة الدار البيضاء    غياب مدرب الجيش الملكي عن مواجهة صن داونز بعد خضوعه لعملية جراحية ناجحة    "الكاف" يضع المنتخب المغربي في القبعة الأولى الخاصة بقرعة كأس إفريقيا للمحليين    نادي مولنبيك البلجيكي يتعاقد مع بنجديدة على سبيل الإعارة    فاروق لايف: التغيير بدأ قبل حملة التنمر وسأجعله مصدر إلهام للآخرين    اختيار جامعة محمد السادس لقيادة قطب الاستدامة بمنتدى مستقبل المعادن بالرياض    استثمارات خليجية تنقذ نادي برشلونة من أزمته المالية الكبرى    اليوبي: الوضعية الوبائية "عادية" وفيروسات الموسم مألوفة لدى المغاربة    تسجيل 25 إصابة بداء بوحمرون في السجن المحلي طنجة    الاتحاد العام للصحفيين العرب يؤكد مساندته للوحدة الترابية للمملكة ودعمه للحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية    رفض نقابي لإلغاء صفقة ومطالب بالتحقيق في اختلالات بجامعة بني ملال    توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء    تقرير يكشف أن 66 قضية أمام المحاكم تخص نساء ورجال التعليم خلال 2024    لا لتحجيم الحق في الإضراب!    الاتحاد العام للصحفيين العرب يجدد دعمه للوحدة الترابية ولسيادة المغرب على كامل ترابه    رسميا.. "الكاف" يعلن تأجيل بطولة "شان 2024"    أرسنال يفتقد خدمات مهاجمه البرازيلي خيسوس بسبب الاصابة    بلقصيري تحتفي بالكتاب الأمازيغي والغرباوي في "آيض يناير"    إيض يناير 2975: الدار البيضاء تحتفي بالتقاليد والموسيقى الأمازيغيين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    للمرة الثانية.. تأجيل إعلان ترشيحات جوائز الأوسكار بسبب حرائق لوس أنجلس    مؤتمر إسلام آباد يدعم تعليم المرأة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    العاهل الإسباني يؤكد على الطابع الخاص للعلاقات مع المغرب    لجنة الأوراق المالية الأمريكية ترفع دعوى ضد إيلون ماسك بسبب "تويتر"    العيون تحتفل بحلول "إيض إيناير"    تساؤلات تطال مدونة الأسرة بشأن رهانات التعديل وإشكاليات المقاربة    الناظور.. افتتاح الدورة الثانية لمهرجان "انيا" للثقافة الأمازيغية    تفشي داء بوحمرون يحيي أجواء كورونا في محاكم طنجة    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في منهاج التربية الإسلامية والتوجهات المقترحة
نشر في هوية بريس يوم 01 - 04 - 2016


هوية بريس – الجمعة 01 أبريل 2016
توطئة:
يُثير تغيير المناهج التعليمية في وطننا العربي، عادةً، نقاشاً حاداً بين الطبقة السياسية، والتيارات الفكرية، خصوصاً حين يَتعلق الأمْرُ بمناهج وبرامج التربية الإسلامية؛ ذلك أن هناك من يُريد لهذا التغيير، أن يَمتدَّ إلى حَذْفِ دروس تَتَضَمَّن أحكاماً تَستنِدُ لنصوص قطْعية الدّلالة والثُّبوت معاً؛ مثل: الإرث والجهاد، أو تلك المتعلقة بالحدود والقصاص، وغير ذلك؛ مِمَّا هو محذوف أصْلاً، وليس ثمة من يُطالب بإعادتها من كلا الطرفين. لأنها دروس، في نظرهم، تُغذي ثقافة العنف والكراهية والإرهاب، الذي تعيشه بعض البلدان العربية "الإسلامية".
بينما يَرى الطرف الآخر بأن هذه الدروس تَستنِد إلى نصوص قطعية الثبوت والدّلالة، ويَرفُضُ هذه المقترحات؛ لأنها تعارض الدين الإسلامي، والقيم الأصيلة للوطن، والهوية الوطنية.
وعلى كل حال، فإن الذي يَنبغي الاتجاه إليه، بَعد المبادرة الملكية من أجل مراجعة مناهج وبرامج التربية الدينية، يوم 6 فبراير 2016م، هو: استثمار الفرصة للمساهمة في المراجعة الإيجابية، وتمحيص الانتقادات الموجهة لهذه البرامج للأخذ من بنائها، والبحث أيضاً عَمَّا إذا كانت هنالك جوانب يَجب التركيز عليها أكثر، إلى جانب مدخل القيم الذي يتصدر المناهج الحالية مع الكفايات والمضامين المحددة. وهذا ما سنحاول أن نسلط عليه الضوء من خلال المحاور الآتية:
* ملاحظات أولية حول العنوان والسياق:
كقراءة أولية للعنوان الذي جاء به الإصلاح (مراجعة مناهج وبرامج التربية الدينية)؛ كما تناقلته وسائل الإعلام، نلحَظ استخداماً غير دقيق، بل غير سليم، لكلمة "الدين". فقد صار هناك، اليوم، من يَستعمل كلمة "الدين" بدل "الإسلام"، فيقال: الحَقل الديني، التربية الدينية… الخ. مع أن هذا الاستخدام يُحيلنا، في الحقيقة، على فكر خاص مُستورد، يَخلط بين ما هو موجود في الإسلام من تشريع مُفصّل لجميع شؤون الحياة، عقيدة وشريعة، وسلوكاً، ومن وضع الأصول للمعاملات والموازين القسط لتصرفاتها، وبين ما هو كائن في الغرب الذي يَضَعُ هذه الكلمة (الدين) أو (ما هو ديني) مقابل شؤون الحياة كلها، ولا يَقبل الخلط بينهما مهما كانت المسوغات، وليس عندنا في المغرب من المناهج والبرامج التعليمية ما يَحمل عنواناً "دينياُ" وإنما لدينا: برامج ومناهج مادة التربية الإسلامية، وكتب مادة:التربية الإسلامية، والعلوم الشرعية في التعليم الأصيل والمدارس العتيقة. والفرق شاسع بين نص الإنجيل أو حتى التوراة وجميع الرسائل والصحف السماوية السابقة، وبين النص القرآني في سياقاتها الإرسالية والزمنية؛ لذلك لم تعرف بيئتنا الإسلامية أناساً يُسمّون رجال الدين، وآخرون يُسمّون رجال العلم أو السياسة أو الدنيا، ولم يَعرف الإسلام سلطتين: إحداهما دينية، والأخرى دنيوية، ولم يُعرف في تراث الإسلام دينٌ لا سياسة فيه، ولا سياسة لا دين لها[1]. وإنما عرفت إسلاماً شاملاً وخاتماً ومتمماً للكتب والرسائل والصحف السابقة، يَضع تشريعات وأوامر ونواه، وآداب وأخلاق في حق الفرد والمجتمع، والأمة، والعلاقة بين المحكوم والحاكم، وبين الأب والأبناء، والزوج وزوجته والفقير والغني، وبين العبد ورَبِّه، وبين العبد وذاتِه، وبين الإنسان والناس من حوله بما تتضمنه هذه المستويات من علاقات وصلات تحقق عمران الإنسان والمجتمع والأمة… وصولاً لعمران العالم؛ إذ لا يستقيم ولا يصلح -كما يقول الطاهر بن عاشور- عمران العالم إلا بعمران آحاده ومكونه الأساسي الذي هو الإنسان[2].وهذا ما تصبو إليه مناهج التربية الإسلامية في صيغتها الحالية؛ سواء في الثانوي الإعدادي، أو التأهيلي. فهي تلامِسُ مختلف هذه الجوانب، وتشمل وحداتها التربوية شتى مجالات الحياة؛ بدءاً من الوحدة الاعتقادية أولاً، والتعبدية ثانياً، ثم العقلية، والمنهجية، والاقتصادية، والمالية، والأسرية، والاجتماعية، والصحية، والتواصلية، والحقوقية، والفنية الجمالية، والبيئية.
ولاشك في أن كل مراجعة تمت أو ستتم في المستقبل إلا ولها سياقاتها الزمنية والدولية والوطنية، بل والسياسية التي تطرح في إطارها، وهذا ما يَجري على باقي المناهج والبرامج لكل مادة. والغرض من التعديل الحالي يَرُومُ إيجاد صيغة لإسلام أكثر مرونة واعتدالاً-كما جاء في نص الإعلان-ولتحقيق هذا المطلب، لابد أولاً من مسائلة المناهج الحالية: عما إذا كانت، فعلا تَرُومُ عكس الوسطية والاعتدال والتسامح والتعايش؟ وما هي الجوانب التي ينبغي أن يَشملها التعديل المرتقب؟ ولماذا؟ وكيف؟ وبماذا يَجب أن تُستبدل؟ وإلا صار العمل تحصيل حاصل، خاصة وأن المناهج الحالية عُدِّلت لنفس الغرض، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، والدار البيضاء 2003.
2- الاختيارات والتوجهات المعتمدة في المناهج والبرامج الحالية:
إذا رجعنا إلى دليل التوجهات التربوية وبرامح تدريس مادة التربية الإسلامية، كما أعدته مديرية البرامج والمناهج، نجد أن الإصلاح التربوي المعتمد، حالياً، تَبَنّى الاختيارات والتوجهات التالية:
* اختيارات وتوجهات في مجال القيم، التي حددت في:
* قيم العقيدة الإسلامية؛
* قيم الهوية الحضارية ومبادئها الأخلاقية والثقافية؛
* قيم المواطنة؛
* قيم حقوق الإنسان ومبادئها الكونية.
* اختيارات وتوجهات في مجال تنمية وتطوير الكفايات، ويتعلق الأمر بالكفايات: الإستراتيجية، التواصلية، المنهجية، الثقافية، التكنولوجية.
* اختيارات وتوجهات في مجال المضامين. وهي التي تخدم المواصفات المحددة للمتعلم (ة) في كل مرحلة دراسية[3].
فقد كانت هذه منطلقات عامة لإعداد المناهج الحالية، ولا يُمْكِن الخوض في أي إصلاح دون الإحاطة بها؛ لاسيما وأن هناك مَن يَطرَحَ مضامين للمراجعة، ولا يدري أنها موجودة أصلاً في البرامج الحالية، التي حددتها المنطلقات السابقة، وتُكيف حسب المستويات الدراسية؛ وذلك مثل: بناءُ المواطن الصالح الذي يتمتع بالأخلاق الفاضلة، والقدرة على التفكير المنهجي السليم، وكذا تشريف الإنسان وتكريمه، وتثبيت السلم والإخاء والتعاون بين البشر، وجعل دروس هذه المادة منفتحة على العلوم الأخرى وعلى مكتسبات الحضارة، واعتماد المعارف العلمية الحديثة التي اكتشفت في عصرنا من أجل تقوية وعي التلميذ بالانتماء إلى حضارة العلم والمعرفة، ومنفتحة كذلك على الديانات الأخرى من أجل ربط القيم الإسلامية بالقيم المشتركة مع باقي الديانات… فكل هذه المضامين وغيرها، موجودة أصلاً في برامج المادة في مستوياتها الثلاث؛ وذلك من خلال:
* الدروس التي تتناول مدخل القيم؛ مثل: محاربة الإسلام للمفاسد الاقتصادية (الاحْتِكار، الرِّبا، الغِش…) والاجتماعية (الرّشْوَة، الكذِب، الغِيبَة والنَّميمة، شهادة الزّور…)[4].
* الدروس التي تتناول علاقة الإسلام بالشرائع الأخرى (من حيث التأكيد والتقرير لبعض الأحكام السابقة، أو إضافة، أو نسخ، أو بناء تشريعات جديدة تقوم على اليُسْر والمُرُونة ورفعِ الحَرَج)، وتحتوي على توجيهات إسلامية، من أجل معاملة أتباع الشرائع الأخرى، إذ تنصُّ على ضمان حرية عقيدتهم، وحماية أماكن عبادتهم، وشعارهم، ومجادلتهم بالتي هي أحسن في نقط الاختلاف…؛ كما جاء في نصِّ العهدة العمرية[5]الذي دبج بهذه العبارات العظيمة التي نقرأها في مطلع الكتاب: "بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى عبد الله، عمر، أمير المؤمنين، أهل إيليا من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم..، وأنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من حيِّزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم…"[6].
* دروس أولى باكالوريا، التي نقرأ فيها قيم التواصل وضوابطه، وأساليب الحوار، والاختلاف وآدابه وتدبيره[7].
* دروس الثانية باكالوريا، التي نقرأ من بداية المقرر في الدرس النظري: أصول المعرفة الإسلامية (القرآن والسنة والاجتهاد) في الوحدة المنهجية التي تهدف كفايتها النوعية إلى أن تكسب التلميذ منهجيات التعامل مع المعرفة الإسلامية، والتمكن من حسن توظيفها، لتأتي الدروس التطبيقية والأنشطة التعليمة لتعزيز التعلمات المكتسبة، سواء من خلال الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة، أو من خلال ربط الحقائق القرآنية بالعلوم الكونية والطبية )بعد الدرس النظري: التفكير في الكون وأثره في ترسيخ الإيمان: آيات الأنفس والآفاق،([8] لتقوية وعي التلميذ بالانتماء إلى حضارة العلم والمعرفة.إلى غير ذلك من الدروس التي حددتها المنطلقات العامة لإعداد المناهج الحالية.
3- تَوَجهات ومُقترحات مُستوردة؛ لا يمكن أن تتوافق مع مشروع الإصلاح المرتقب.
إذا كان منهاج التربية الإسلامية، وبرامجه الحالية استوفت أهم المقترحات الآنية، كما بينا في ما سبق فإن هناك من التوجهات التي لا يُمكن أن تتوافق في حال من الأحوال مع مشروع الإصلاح المرتقب الذي نصَّ على مراعاة القيم الأصيلة للشعب المغربي؛ لآنها تنطلق مما يلي:
* اعتبار الدين وسيلة، وليس غايةً وهدفاً في حدّ ذاته، وَوَضْع الإنسان في مركز الاهتمام باعتباره قيمة عليا!.
* إعادة النظر في استعمال النصوص التي تتحدث عن الغزوات "الدينية"!
* مراجعة كل المضامين التي تتعارض مع القوانين المتبناة من طرف الدولة؛ مثل الحكم على السارق بالسجن، بينما المقرر الدراسي يُحيل على الحدود!
* إعادة النظر في بعض المفاهيم التي لا تنسجم مع ثقافة حقوق الإنسان؛ مثل اعتبار التسامح لا يكون إلا في إطار الرابطة العقدية (المسلم مع أخيه المسلم فقط).
* مراجعة المضامين التي تُفضِّل الرجال على النساء، أو تخصُّهم بأعمال لا ينبغي أن تقومَ بها النساء، أو تعتبر الفوارق الفيزيولوجية بين الجنسين عامل تمييز.
وأود، ها هنا، أن أكتفي بالوقوف عند تلك المضامين التي لها علاقة بالبرامج التعليمية بصفة مباشرة؛ مِمَّا لا يتوافق مع روح المادة، وخصوصياتها، وما تشوبه بعض المغالطات التي سنتعرض لها في ما سيأتي:
* إن مَقصِدَ إقامة الدين هو أول مَقاصِد الشّرْع الخمسة. وبهتُحفظ باقي الكليات في التصور الإسلامي (النفس العقل العِرْض المال) كما أن عقيدة الإسلام تجعل جميع أعمال العبد المسلم الصالحة في الحياة، لغاية ربانية لا غير؛ كما في قوله تعالى: (قلِانَّ صَلاتِي ونُسُكِي ومَحْيَاي ومَمَاتِي لله رَبِّ العالمِين)[9].
* الغزوات والسيرة النبوية، عموماً، لا تُقدَّم للتلميذ إلا وهي مُسيَّجة بقوانين الإسلام وروحه، في شتى مراحل الدعوة الإسلامية، منذ أن نزل قوله تعالى: "أذِنَ للذينَ يُقاتَلونَ بأنهُم ظُلِمُوا"[10] إلى مطلع بناء الدولة الإسلامية، واستقرار النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة. ونحن نقرأ عن هذه المرحلة الأخيرة في المقرر الدراسي للسنة الثانية من سلك البكالوريا هذه العبارات المشرقة:" بَعْدَ أن آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار كتب كِتاباً بينهم وادَع فيه اليهود وأقرهم على دينهم وأموالهم، وقد ذكر ابن هشام هذا الكتاب بطوله في سيرته وهو يتضمن المبادئ التي قامت عليها أول دولة في الإسلام، وفيها من الإنسانية والعدالة الاجتماعية والتسامح الديني والتعاون على مصلحة المجتمع ما يجدر بكل طالب أن يرجع إليه ويتفهمه ويحفظ مبادئه."[11]ومن خلال ذلك يَتفهم التلميذ كل مرحلة بمرحلة، في السيرة النبوية، ويربط الأحداث بسياقها التاريخي، ليأخذ منها الأسوة الحسنة، والتجربة الحية الصادقة في تعامله مع الناس، وفي كل نواحي الحياة ومراحلها.
* أما ما يتعلق بدروس تطبيق الحدود، في الشريعة الإسلامية، فالذي يَرْجع إلى المُقرَّر الدراسي، لا يَجد إلا فلسفة التشريع الجنائي في الإسلام، التي لها منهج خاص في التطبيق، وتدرَّسُ للتلميذ باعتبارها معرفة إسلامية، لايُمكن الاستغناء عنها. أما تطبيقها -حسب ما ورد في المقرر الدراسي- "فمتعلق بسياقات تربوية مواكبة؛ إذ لا يُمكن الحديث عن تشريع جنائي في غياب نظم سياسية وإدارية واقتصادية واجتماعية منسجمة تنظم شؤون الحياة، وتوحِّد المجتمع حول مفاهيم موحدة عن الحقوق والواجبات. لهذا احتلت مرتبة متأخرة بعد جملة من التشريعات. فلن يفلح أي تشريع جنائي بمفرده في تقليص نسب الجريمة دون حصانة تربوية وعقيدة تحمي ضمير المجتمع، وعبادات تربوية تزكي الروح، وتحيي مشاعر الرحمة والمحبة في النفوس، ودون المنظومات التشريعية الوقائية العادلة (فرض الزكاة، وتحريم المفاسد الاقتصادية؛ كالربا والاحتكار والرشوة) التي حارب الإسلام من خلالها الفقر الذي يعتبر عاملاً أساساً في ارتكاب جرائم الأموال كالسرقة والغصب[12].
* أما الرابطة العقدية التي يُعطى لها الأولية في برامج مادة التربية الإسلامية فذلك رعايةً لما يُصطلح عليه بفقه الأولويات في الفقه الإسلامي. فالتلميذ يكتسب من هذه البرامج ما يجعله يعلم ما له وما عليه تجاه الأغيار كيف ما كانوا، ومن جانب آخر يسعى المنهاج الدراسي في المادة إلى التركيز أكثر على وحدة المسلمين وإلى ما يجعلها تتوحد – كما تتوحد باقي الأمم في العالم- لتحقيق مقصود الشرع وحماية أمن المجتمع من الخلاف والشقاق والتنازع الذي قد يكون سبباً في زهق الأرواح[13].
رابعا: جوانب يَجب أن يَشملها الإصلاح المُرْتقَب:
إن مهمة المراجعة هذه، يَجب أن تُسنَدَ إلى أهل الاختصاص، كما يَجب اعتماد المقاربة التشاركية؛ وذلك بإشراك كل من له صلة بالمادة، من العلماء والمفتشين وأساتذة المادة،عن طريق رفع تقارير وملفات للجنة المراجعة، لتفادي بعض الأخطاء التي لا يُمكن استدراكها عن طريق المذكرات الوزارية بعد صدور البرامج الدراسية.
كما أن هناك أولويات كثيرة، في نظرنا، يَجب أن ينصبَّ حولها الإصلاح الحالي، منها:
* الغلاف الزمني للمادة عموماً، وفي بعض الشعب، والدروس خصوصاً التي لا يُمكن أن تنجز في ساعة واحدة؛ كدروس الوحدة التعبدية في المستوى الإعدادي مثلا.
* اختلاف محاور الدروس التي تخلق إشكالاً للتلميذ والأستاذ معاً؛ خاصة في الامتحانات الإشهادية.
* إعطاء الأهمية للقواعد الأصولية التي لابد أن يَضبطها التلميذ، ويَتمرن عليها، ويكون على دراية بأصول المذهب المالكي، وأسباب اختلاف المذاهب الفقهية، حتى يتعامل مع النص الشرعي تعاملا صحيحاً، بعيدا عن الانغلاق والتعصب والتطرف.
* إعادة ترتيب دروس السيرة النبوية؛ وذلك حسب المستوى العمري للتلميذ، مع إعطائها أهمية خاصة في المستوى الإعدادي والثانوي، والتركيز أكثر على استنتاج الدروس والعبر وما يخدم مدخل القيم، بدل الاكتفاء بسرد الأحداث والوقائع فقط.
* ربط الدروس والأنشطة التعليمية في كل المستويات، وخصوصا في المستوى الثانوي التأهيلي، بمواضيع وأمثلة حية.
* تأهيل الموارد البشرية، وإعادة الاعتبار للتكوين الأساس والمستمر، واللقاءات التربوية والدورات التكوينية، وكذا توفير العدد الكافي من المشرفين التربويين.
* إيلاء التعليم الأصيل في صيغته الحالية العناية اللازمة، وإزالة كل العوائق التي تحول دون إرسائه وتعميمه في بعض الجهات والنيابات.
ختاما: نرى في هذه المادة توضيح لبعض الملامح والتوجهات التي اتسم بها منهاج التربية الإسلامية في صيغته الحالية، ويمكن أن نميز من خلالها الثابت والأصيل الذي لا يقبل النقد أو المراجعة، والمتغير الذي يعطي معنى لمراجعة منهاج التربية الإسلامية؛ لمواكبة المستجدات المعرفية والتقنية والبيداغوجية لتحقيق ما هو مطلوب في أصالتنا وفكرنا الإسلامي، من بحث على التطوير والتجديد، الذي هو سنة من سنن الله في هذا الكون.
الهوامش:
[1] الإسلام والعلمانية وجهاً لوجه، يوسف القرضاوي، ط: الرابعة مؤسسة الرسالة، ص:51 52.
[2]تطبيق الحدود في ضوء مقاصد الشريعة، أحمد عبد الجواد، مجلة الوعي الإسلامي، العدد:602 ص:38.
[3]البرامج والتوجهات التربوية الخاصة بمادة التربية الإسلامية بسلك التعليم الثانوي الإعدادي، مديرية المناهج والحياة المدرسية، غشت 2009، ملحقة للاعائشة، شارع شالة -حسان- الرباط، ص:40 وما بعدها.
[4]البرامج والتوجهات التربوية الخاصة بمادة التربية الإسلامية بسلك التعليم الثانوي الإعدادي، ص:40 وما بعدها.
[5]كتاب كتبه الخليفة عمر بن الخطاب لأهل إيلياء (القدس) عندما فتحها المسلمون عام 638م، أمنهم فيه على كنائسهم وممتلكاتهم. ويعد من أهم الوثائق في تاريخ القدس وفلسطين وأقدمها في تنظيم العلاقة بين الأديان.
[6]في رحاب التربية الإسلامية، للجذوع المشتركة للتعليم الثانوي التأهيلي، ص:من 9-20.
[7] التوجيهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس مادة التربية الإسلامية بسلك التعليم الثانوي التأهيلي،مديرية المناهج، نونبر2007 ص:29.
[8] في رحاب التربية الإسلامية، السنة الثانية من سلك البكالوريا، ط: 2015، ص: 12 وما بعدها.
[9] سورة الأنعام، الآية:163.
سورة الحج، الآية:39[10]
[11] السيرة النبوية دروس وعبر، د. مصطفى السباعي، ط: الثانية، دارالورق، ص:74.
[12]في رحاب التربية الإسلامية، السنة الثانية من سلكالباكلوريا، ص: 107/108، بتصرف.
[13]منار التربية الإسلامية، للجذوع المشتركة للتعليم الثانوي التأهيلي، ط: 2010، ص:56.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.