مسؤولة تعرف الرباط بالتجربة الفرنسية في تقييم العمل المنزلي للزوجة    حملة ليلية واسعة بطنجة تسفر عن توقيف مروجين وحجز آلات قمار    التهراوي يعطي الانطلاقة لمعرض جيتكس ديجي هيلث ويوقع على مذكرات تفاهم    جهة طنجة تطوان الحسيمة: إحداث أزيد من ألف مقاولة خلال شهر يناير الماضي    عودة التأزّم بين فرنسا والجزائر.. باريس تستدعي سفيرها وتقرّر طرد 12 دبلوماسيا جزائريا    ثغرة خطيرة في واتساب على ويندوز تستنفر مركز اليقظة وتحذيرات لتحديث التطبيق فورا    توتر غير مسبوق : فرنسا تتخذ قرارا صادما ضد الجزائر    المغرب يحصل على موافقة أمريكية لصفقة صواريخ "ستينغر" بقيمة 825 مليون دولار    أشبال الأطلس يتأهلون إلى نهائي كأس أمم إفريقيا على حساب الكوت ديفوار    نسبة ملء السدود بلغت 49.44% وحقينتها ناهزت 6 ملايير و610 مليون متر مكعب من الموارد المائة    إحباط تهريب 17 طناً من مخدر الشيرا في عملية أمنية مشتركة    دي ميستورا يدعو المغرب لتوضيح تفاصيل صلاحيات الحكم الذاتي بالصحراء والأشهر الثلاثة المقبلة قد تكون حاسمة    توقيف شبكة تزوير وثائق تأشيرات وتنظيم الهجرة غير الشرعية    مولدوفا تنضم إلى إسبانيا في دعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية    رغم خسارة الإياب.. برشلونة يتألق أوروبيًا ويعزز ميزانيته بعد الإطاحة بدورتموند    السفير الكوميري يطمئن على الطاوسي    الطقس غدا الأربعاء.. أمطار وثلوج ورياح قوية مرتقبة في عدة مناطق بالمملكة    بركة يعترف بخسارة المغرب كمية ضخمة من المياه بسبب "أوحال السدود"    تشكيلة أشبال الأطلس ضد كوت ديفوار    دي ميستورا يؤكد الدعم الدولي لمغربية الصحراء ويكشف المستور: ارتباك جزائري واحتجاز صحراويين يرغبون في العودة إلى وطنهم    مصرع سائق سيارة إثر سقوطها في منحدر ببني حذيفة    الرباط: رئيس برلمان أمريكا الوسطى يجدد التأكيد على دعم الوحدة الترابية للمملكة    اتفاقيات "جيتيكس" تدعم الاستثمار في "ترحيل الخدمات" و"المغرب الرقمي"    تحفيز النمو، تعزيز التعاون وتطوير الشراكات .. رهانات الفاعلين الاقتصاديين بجهة مراكش أسفي    حين يغيب الإصلاح ويختل التوازن: قراءة في مشهد التأزيم السياسي    العلوي: منازعات الدولة ترتفع ب100٪ .. ونزع الملكية يطرح إكراهات قانونية    توقيع اتفاقية شراكة بين وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة ومجموعة بريد المغرب لتعزيز إدماج اللغة الأمازيغية    أرسين فينغر يؤطر مدربي البطولة الوطنية    خريبكة تفتح باب الترشيح للمشاركة في الدورة 16 من المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي    فاس تقصي الفلسفة و»أغورا» يصرخ من أجل الحقيقة    دي ميستورا.. طيّ صفحة "الاستفتاء" نهائيا وعودة الواقعية إلى ملف الصحراء المغربية    الاتحاد الأوروبي يؤازر المغرب في تسعير العمل المنزلي للزوجة بعد الطلاق    حرس إيران: الدفاع ليس ورقة تفاوض    إخضاع معتد على المارة لخبرة طبية    لقاء تشاوري بالرباط بين كتابة الدولة للصيد البحري وتنسيقية الصيد التقليدي بالداخلة لبحث تحديات القطاع    عمال الموانئ يرفضون استقبال سفينة تصل ميناء الدار البيضاء الجمعة وتحمل أسلحة إلى إسرائيل    "ديكولونيالية أصوات النساء في جميع الميادين".. محور ندوة دولية بجامعة القاضي عياض    وفاة أكثر من ثلاثة ملايين طفل في 2022 بسبب مقاومة الميكروبات للأدوية    دراسة أمريكية: مواسم الحساسية تطول بسبب تغير المناخ    فايزر توقف تطوير دواء "دانوغلبرون" لعلاج السمنة بعد مضاعفات سلبية    إدريس الروخ ل"القناة": عملنا على "الوترة" لأنه يحمل معاني إنسانية عميقة    توقيع اتفاقيات لتعزيز الابتكار التكنولوجي والبحث التطبيقي على هامش "جيتكس إفريقيا"    الهجمات السيبرانية إرهاب إلكتروني يتطلب مضاعفة آليات الدفاع محليا وعالميا (خبير)    محمد رمضان يثير الجدل بإطلالته في مهرجان كوتشيلا 2025    فليك : لا تهاون أمام دورتموند رغم رباعية الذهاب    نقل جثمان الكاتب ماريو فارغاس يوسا إلى محرقة الجثث في ليما    قصة الخطاب القرآني    اختبار صعب لأرسنال في البرنابيو وإنتر لمواصلة سلسلة اللاهزيمة    المغرب وكوت ديفوار.. الموعد والقنوات الناقلة لنصف نهائي كأس أمم إفريقيا للناشئين    فاس العاشقة المتمنّعة..!    أمسية وفاء وتقدير.. الفنان طهور يُكرَّم في مراكش وسط حضور وازن    ارتفاع قيمة مفرغات الصيد البحري بالسواحل المتوسطية بنسبة 12% خلال الربع الأول من 2025    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    خبير ينبه لأضرار التوقيت الصيفي على صحة المغاربة    إنذار صحي جديد في مليلية بعد تسجيل ثاني حالة لداء السعار لدى الكلاب    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في منهاج التربية الإسلامية والتوجهات المقترحة
نشر في العمق المغربي يوم 02 - 04 - 2016


توطئة:
يُثير تغيير المناهج التعليمية في وطننا العربي، عادةً، نقاشاً حاداً بين الطبقة السياسية، والتيارات الفكرية، خصوصاً حين يَتعلق الأمْرُ بمناهج وبرامج التربية الإسلامية؛ ذلك أن هناك من يُريد لهذا التغيير، أن يَمتدَّ إلى حَذْفِ دروس تَتَضَمَّن أحكاماً تَستنِدُ لنصوص قطْعية الدّلالة والثُّبوت معاً؛ مثل: الإرث والجهاد، أو تلك المتعلقة بالحدود والقصاص، وغير ذلك؛ مِمَّا هو محذوف أصْلاً، وليس ثمة من يُطالب بإعادتها من كلا الطرفين. لأنها دروس، في نظرهم، تُغذي ثقافة العنف والكراهية والإرهاب، الذي تعيشه بعض البلدان العربية "الإسلامية". بينما يَرى الطرف الآخر بأن هذه الدروس تَستنِد إلى نصوص قطعية الثبوت والدّلالة، ويَرفُضُ هذه المقترحات؛ لأنها تعارض الدين الإسلامي، والقيم الأصيلة للوطن، والهوية الوطنية.
وعلى كل حال، فإن الذي يَنبغي الاتجاه إليه، بَعد المبادرة الملكية من أجل مراجعة مناهج وبرامج التربية الدينية، يوم 6 فبراير 2016م، هو: استثمار الفرصة للمساهمة في المراجعة الإيجابية،وتمحيص الانتقادات الموجهة لهذه البرامج للأخذ من بنائها، والبحث أيضاً عَمَّا إذا كانت هنالك جوانب يَجب التركيز عليها أكثر، إلى جانب مدخل القيم الذي يتصدر المناهج الحالية مع الكفايات والمضامين المحددة. وهذا ما سنحاول أن نسلط عليه الضوء من خلال المحاور الآتية:
1- ملاحظات أولية حول العنوانوالسياق:
كقراءة أولية للعنوان الذي جاء به الإصلاح (مراجعة مناهج وبرامج التربية الدينية)؛ كما تناقلته وسائل الإعلام،نلحَظ استخداماً غير دقيق، بل غير سليم، لكلمة "الدين". فقد صار هناك، اليوم، من يَستعمل كلمة "الدين" بدل "الإسلام"، فيقال: الحَقل الديني، التربية الدينية... الخ.مع أن هذا الاستخدام يُحيلنا، في الحقيقة، على فكر خاص مُستورد، يَخلط بين ما هو موجود في الإسلام من تشريع مُفصّل لجميع شؤون الحياة، عقيدة وشريعة، وسلوكاً، ومن وضع الأصول للمعاملات والموازين القسط لتصرفاتها، وبين ما هو كائن في الغرب الذي يَضَعُ هذه الكلمة (الدين) أو (ما هو ديني) مقابل شؤون الحياة كلها، ولا يَقبل الخلط بينهما مهما كانت المسوغات، وليس عندنا في المغرب من المناهج والبرامج التعليمية ما يَحمل عنواناً "دينياُ" وإنما لدينا: برامج ومناهج مادة التربية الإسلامية، وكتب مادة:التربية الإسلامية، والعلوم الشرعية في التعليم الأصيل والمدارس العتيقة. والفرق شاسع بين نص الإنجيل أو حتى التوراة وجميع الرسائل والصحف السماوية السابقة، وبين النص القرآني في سياقاتها الإرسالية والزمنية؛ لذلك لم تعرف بيئتنا الإسلامية أناساً يُسمّون رجال الدين، وآخرون يُسمّون رجال العلم أو السياسة أو الدنيا، ولم يَعرف الإسلام سلطتين: إحداهما دينية، والأخرى دنيوية، ولم يُعرف في تراث الإسلام دينٌ لا سياسة فيه، ولا سياسة لا دين لها . وإنما عرفت إسلاماً شاملاً وخاتماً ومتمماً للكتب والرسائل والصحف السابقة، يَضع تشريعات وأوامر ونواه، وآداب وأخلاق في حق الفرد والمجتمع، والأمة، والعلاقة بين المحكوم والحاكم، وبين الأب والأبناء، والزوج وزوجته والفقير والغني، وبين العبد ورَبِّه، وبين العبد وذاتِه، وبين الإنسان والناس من حوله بما تتضمنه هذه المستويات من علاقات وصلات تحقق عمران الإنسان والمجتمع والأمة...وصولاً لعمران العالم؛ إذ لا يستقيم ولا يصلح - كما يقول الطاهر بن عاشور- عمران العالم إلا بعمران آحاده ومكونه الأساسي الذي هو الإنسان .وهذا ما تصبو إليه مناهج التربية الإسلامية في صيغتها الحالية؛ سواء في الثانوي الإعدادي، أو التأهيلي. فهي تلامِسُ مختلف هذه الجوانب، وتشمل وحداتها التربوية شتى مجالات الحياة؛ بدءاً من الوحدة الاعتقادية أولاً، والتعبدية ثانياً، ثم العقلية، والمنهجية، والاقتصادية، والمالية،والأسرية، والاجتماعية، والصحية، والتواصلية، والحقوقية، والفنية الجمالية، والبيئية.
ولاشك في أن كل مراجعة تمت أو ستتم في المستقبل إلا ولها سياقاتها الزمنية والدولية والوطنية، بل والسياسية التي تطرح في إطارها، وهذا ما يَجري على باقي المناهج والبرامج لكل مادة. والغرض من التعديل الحالي يَرُومُ إيجاد صيغة لإسلام أكثر مرونة واعتدالاً-كما جاء في نص الإعلان-ولتحقيق هذا المطلب، لابد أولاً من مسائلة المناهج الحالية: عما إذا كانت،فعلا تَرُومُ عكس الوسطية والاعتدال والتسامح والتعايش؟ وما هي الجوانب التي ينبغي أن يَشملها التعديلالمرتقب؟ ولماذا؟ وكيف؟ وبماذا يَجب أن تُستبدل؟ وإلا صار العمل تحصيل حاصل، خاصة وأن المناهج الحالية عُدِّلت لنفس الغرض، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، والدار البيضاء 2003.
2- الاختيارات والتوجهات المعتمدة في المناهج والبرامج الحالية:
إذارجعنا إلى دليل التوجهات التربوية وبرامح تدريس مادة التربية الإسلامية، كما أعدته مديرية البرامج والمناهج، نجد أن الإصلاح التربوي المعتمد،حالياً،تَبَنّىالاختيارات والتوجهات التالية:
- اختيارات وتوجهات في مجال القيم، التي حددت في:
• قيم العقيدة الإسلامية؛
• قيم الهوية الحضارية ومبادئها الأخلاقية والثقافية؛
• قيم المواطنة؛
• قيم حقوق الإنسان ومبادئها الكونية.
- اختيارات وتوجهات في مجال تنمية وتطوير الكفايات، ويتعلق الأمر بالكفايات:الإستراتيجية، التواصلية، المنهجية، الثقافية، التكنولوجية.
- اختيارات وتوجهات في مجال المضامين. وهي التي تخدم المواصفات المحددة للمتعلم (ة) في كل مرحلة دراسية .
فقد كانت هذه منطلقات عامة لإعداد المناهج الحالية، ولا يُمْكِن الخوض في أي إصلاح دون الإحاطة بها؛ لاسيما وأن هناك مَن يَطرَحَ مضامين للمراجعة، ولا يدري أنها موجودة أصلاً في البرامج الحالية، التي حددتها المنطلقات السابقة، وتُكيف حسب المستويات الدراسية؛ وذلك مثل:بناءُ المواطن الصالح الذي يتمتع بالأخلاق الفاضلة، والقدرة على التفكير المنهجي السليم، وكذا تشريف الإنسان وتكريمه، وتثبيت السلم والإخاء والتعاون بين البشر، وجعل دروس هذه المادة منفتحة على العلوم الأخرى وعلى مكتسبات الحضارة، واعتماد المعارف العلمية الحديثة التي اكتشفت في عصرنا من أجل تقوية وعي التلميذ بالانتماء إلى حضارة العلم والمعرفة، ومنفتحة كذلك على الديانات الأخرى من أجل ربط القيم الإسلامية بالقيم المشتركة مع باقي الديانات... فكل هذه المضامين وغيرها، موجودة أصلاً في برامج المادة في مستوياتها الثلاث؛ وذلك من خلال:
- الدروس التي تتناول مدخل القيم؛ مثل: محاربة الإسلام للمفاسدالاقتصادية (الاحْتِكار، الرِّبا، الغِش...) والاجتماعية(الرّشْوَة، الكذِب، الغِيبَة والنَّميمة، شهادة الزّور...) .
- الدروس التي تتناول علاقة الإسلام بالشرائع الأخرى (من حيث التأكيد والتقرير لبعض الأحكام السابقة، أو إضافة، أو نسخ، أو بناء تشريعات جديدة تقوم على اليُسْر والمُرُونة ورفعِ الحَرَج)، وتحتوي على توجيهات إسلامية، من أجلمعاملة أتباع الشرائع الأخرى، إذ تنصُّ على ضمان حرية عقيدتهم، وحماية أماكن عبادتهم، وشعارهم، ومجادلتهم بالتي هي أحسن في نقط الاختلاف...؛ كما جاء في نصِّ العهدة العمرية الذي دبج بهذه العبارات العظيمة التي نقرأها في مطلع الكتاب:"بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى عبد الله، عمر، أمير المؤمنين، أهل إيليا من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم..، وأنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من حيِّزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم..." .
- دروس أولى باكلوريا، التي نقرأ فيها قيم التواصل وضوابطه، وأساليب الحوار، والاختلاف وآدابه وتدبيره .
- دروس الثانية باكلوريا، التي نقرأ من بداية المقرر في الدرس النظري: أصول المعرفة الإسلامية (القرآن والسنة والاجتهاد) في الوحدة المنهجية التي تهدف كفايتها النوعية إلى أن تكسب التلميذ منهجيات التعامل مع المعرفة الإسلامية، والتمكن من حسن توظيفها، لتأتي الدروس التطبيقية والأنشطة التعليمة لتعزيز التعلمات المكتسبة، سواء من خلال الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة، أو من خلال ربط الحقائق القرآنية بالعلوم الكونية والطبية )بعد الدرس النظري: التفكير في الكون وأثره في ترسيخ الإيمان: آيات الأنفس والآفاق،( لتقوية وعي التلميذ بالانتماء إلى حضارة العلم والمعرفة.إلى غير ذلك من الدروس التي حددتها المنطلقات العامة لإعداد المناهج الحالية.
3- تَوَجهات ومُقترحات مُستوردة؛ لا يمكن أن تتوافق مع مشروع الإصلاح المرتقب.
إذا كان منهاج التربية الإسلامية، وبرامجه الحالية استوفت أهم المقترحات الآنية، كما بينا في ما سبق فإن هناك من التوجهات التي لايُمكن أن تتوافق في حال من الأحوال مع مشروع الإصلاح المرتقب الذي نصَّ على مراعاة القيم الأصيلة للشعب المغربي؛ لآنها تنطلق مما يلي:
- اعتبار الدين وسيلة، وليس غايةً وهدفاً في حدّ ذاته،وَوَضْع الإنسان في مركز الاهتمام باعتباره قيمة عليا!.
- إعادة النظر في استعمال النصوص التي تتحدث عن الغزوات "الدينية" !
- مراجعة كل المضامين التي تتعارض مع القوانين المتبناة من طرف الدولة؛ مثل الحكم على السارق بالسجن، بينما المقرر الدراسي يُحيل على الحدود!
- إعادة النظر في بعض المفاهيم التي لا تنسجم مع ثقافة حقوق الإنسان؛ مثل اعتبار التسامح لا يكون إلا في إطار الرابطة العقدية (المسلم مع أخيه المسلم فقط )
- مراجعة المضامين التي تُفضِّل الرجال على النساء، أو تخصُّهم بأعمال لا ينبغي أن تقومَ بها النساء، أو تعتبر الفوارق الفيزيولوجية بين الجنسين عامل تمييز.
وأود،هاهنا، أن أكتفي بالوقوف عند تلك المضامين التي لها علاقة بالبرامج التعليميةبصفة مباشرة؛ مِمَّا لا يتوافق مع روح المادة، وخصوصياتها، وما تشوبه بعض المغالطات التي سنتعرض لها في ما سيأتي:
- إن مَقصِدَ إقامة الدين هو أول مَقاصِد الشّرْع الخمسة. وبه تُحفظ باقي الكليات في التصور الإسلامي (النفس العقل العِرْض المال) كما أن عقيدة الإسلام تجعل جميع أعمال العبد المسلم الصالحة في الحياة، لغاية ربانية لا غير؛ كما في قوله تعالى: (قلِانَّ صَلاتِي ونُسُكِي ومَحْيَاي ومَمَاتِي لله رَبِّ العالمِين) .
- الغزوات والسيرة النبوية، عموماً، لا تُقدَّم للتلميذ إلا وهي مُسيَّجة بقوانين الإسلام وروحه، في شتى مراحل الدعوة الإسلامية، منذ أن نزل قوله تعالى: "أذِنَ للذينَ يُقاتَلونَ بأنهُم ظُلِمُوا" إلى مطلع بناء الدولة الإسلامية، واستقرار النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة. ونحن نقرأ عن هذه المرحلة الأخيرة في المقرر الدراسي للسنة الثانية من سلك البكالوريا هذه العبارات المشرقة:" بَعْدَ أن آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار كتب كِتاباً بينهم وادَع فيه اليهود وأقرهم على دينهم وأموالهم، وقد ذكر ابن هشام هذا الكتاب بطوله في سيرته وهو يتضمن المبادئ التي قامت عليها أول دولة في الإسلام، وفيها من الإنسانية والعدالة الاجتماعية والتسامح الديني والتعاون على مصلحة المجتمع ما يجدر بكل طالب أن يرجع إليه ويتفهمه ويحفظ مبادئه." ومن خلال ذلك يَتفهم التلميذ كل مرحلة بمرحلة، في السيرة النبوية، ويربط الأحداث بسياقها التاريخي، ليأخذ منها الأسوة الحسنة، والتجربة الحية الصادقة في تعامله مع الناس،وفي كل نواحي الحياة ومراحلها.
- أما ما يتعلق بدروس تطبيق الحدود، في الشريعة الإسلامية،فالذي يَرْجع إلى المُقرَّر الدراسي،لايَجد إلا فلسفة التشريع الجنائي في الإسلام،التي لها منهج خاص في التطبيق، وتدرَّسُ للتلميذ باعتبارها معرفة إسلامية،لايُمكن الاستغناء عنها. أما تطبيقها -حسب ما ورد في المقرر الدراسي- "فمتعلق بسياقات تربوية مواكبة؛ إذ لا يُمكن الحديث عن تشريع جنائي في غياب نظم سياسية وإدارية واقتصادية واجتماعية منسجمة تنظم شؤون الحياة، وتوحِّد المجتمع حول مفاهيم موحدة عن الحقوق والواجبات. لهذا احتلت مرتبة متأخرة بعد جملة من التشريعات. فلن يفلح أي تشريع جنائي بمفرده في تقليص نسب الجريمة دون حصانة تربوية وعقيدة تحمي ضمير المجتمع، وعبادات تربوية تزكي الروح، وتحيي مشاعر الرحمة والمحبة في النفوس، ودون المنظومات التشريعية الوقائية العادلة (فرض الزكاة، وتحريم المفاسد الاقتصادية؛ كالربا والاحتكار والرشوة) التي حارب الإسلام من خلالها الفقر الذي يعتبر عاملاً أساساً في ارتكاب جرائم الأموال كالسرقة والغصب .
- أما الرابطة العقدية التي يُعطى لها الأولية في برامج مادة التربية الإسلامية فذلك رعايةً لما يُصطلح عليه بفقه الأولويات في الفقه الإسلامي. فالتلميذ يكتسب من هذه البرامج ما يجعله يعلم ما له وما عليه تجاه الأغيار كيف ما كانوا، ومن جانب آخر يسعى المنهاج الدراسي في المادة إلى التركيز أكثر على وحدة المسلمين وإلى ما يجعلها تتوحد - كما تتوحد باقي الأمم في العالم- لتحقيق مقصود الشرع وحماية أمن المجتمع من الخلاف والشقاق والتنازع الذي قد يكون سبباً في زهق الأرواح .
رابعا: جوانب يَجب أن يَشملها الإصلاح المُرْتقَب:
إن مهمة المراجعة هذه، يَجب أن تُسنَدَ إلى أهل الاختصاص، كما يَجب اعتماد المقاربة التشاركية؛ وذلك بإشراك كل من له صلة بالمادة، من العلماء والمفتشين وأساتذة المادة،عن طريق رفع تقارير وملفات للجنة المراجعة، لتفادي بعض الأخطاء التي لا يُمكن استدراكها عن طريق المذكرات الوزارية بعد صدور البرامج الدراسية.
كما أن هناك أولويات كثيرة، في نظرنا،يَجب أن ينصبَّ حولها الإصلاح الحالي، منها:
- الغلاف الزمني للمادة عموماً، وفي بعض الشعب، والدروس خصوصاً التي لا يُمكن أن تنجز في ساعة واحدة؛ كدروس الوحدة التعبدية في المستوى الإعدادي مثلا.
- اختلاف محاور الدروس التي تخلق إشكالاً للتلميذ والأستاذ معاً؛ خاصة في الامتحانات الإشهادية.
- إعطاء الأهمية للقواعد الأصولية التي لابد أن يَضبطها التلميذ، ويَتمرن عليها، ويكون على دراية بأصول المذهب المالكي، وأسباب اختلاف المذاهب الفقهية، حتى يتعامل مع النص الشرعي تعاملا صحيحاً، بعيدا عن الانغلاق والتعصب والتطرف.
- إعادة ترتيب دروس السيرة النبوية؛ وذلك حسب المستوى العمري للتلميذ، مع إعطائها أهمية خاصة في المستوى الإعدادي والثانوي، والتركيز أكثر على استنتاج الدروس والعبر وما يخدم مدخل القيم، بدل الاكتفاء بسرد الأحداث والوقائع فقط.
- ربط الدروس والأنشطة التعليمية في كل المستويات، وخصوصا في المستوى الثانوي التأهيلي، بمواضيع وأمثلة حية.
- تأهيل الموارد البشرية، وإعادة الاعتبار للتكوين الأساس والمستمر، واللقاءات التربوية والدورات التكوينية، وكذا توفير العدد الكافي من المشرفين التربويين.
- إيلاء التعليم الأصيل في صيغته الحالية العناية اللازمة، وإزالة كل العوائق التي تحول دون إرسائه وتعميمه في بعض الجهات والنيابات.
ختاما:
نرى في هذه المادة توضيح لبعض الملامح والتوجهات التي اتسم بها منهاج التربية الإسلامية في صيغته الحالية، ويمكن أن نميز من خلالها الثابت والأصيل الذي لا يقبل النقد أو المراجعة، والمتغير الذي يعطي معنى لمراجعة منهاج التربية الإسلامية؛ لمواكبة المستجدات المعرفية والتقنية والبيداغوجية لتحقيق ما هو مطلوب في أصالتنا وفكرنا الإسلامي، من بحث على التطوير والتجديد، الذي هو سنة من سنن الله في هذا الكون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.