ثلاث تهم ثقيلة تتعلق ب"التنقل بين المدن دون التوفر على رخصة التنقل الاستثنائية، وخرق مقتضيات الحجر الصحي، والتقاط و تسجيل و نشر معلومات خاصة مما من شأنه تعريض حياة شخصية عامة للخطر"، جرّت الإمام والقيم الديني سعيد أبوعلين ذي ال46 عاما المنحدر من "فم الحصن" (طاطا) إلى سجن العرجات وإدانته بسنتين حبسا نافذة مع غرامة عشرة آلاف درهم. ولد سعيد أبوعلين، ذي الخمسة أبناء، عام 1975 بواحة فم الحصن "الحدودية" في أقصى الجنوب الشرقي، وهو ابن عائلة ذات تاريخ سياسي زمن القبيلة ومقاومة المحتل الفرنسي الذي أسقط آخر قلعة من قلاع المقاومة بالبلدة عام 1934 تاريخ الاحتلال الفعلي لمنطقتي 0قا-فم الحصن والمناطق المجاورة لهما. يروي أحد المقربين من "الإمام السجين" أنه في صيف عام 1995 سينتقل سعيد أبوعلين، الحافظ للقرآن الكريم، لمدينة العيون بحثا عن رغيف ممزوج بماء الكرامة بمحطة لبيع الوقود لأربع سنين عجاف بعيدا عن البلدة والأهل، قبل أن يختار الاشتغال إماما بأحد مساجد المدينة خريف عام 1999 ويتنقل بعد ذلك للعمل إماما وخطيبا بين مدن تارودانت وبني ملال وشيشاوة، حتى استقر به المقام في كلميم صيف عام 2010 . لم يسلم مسار الرجل الامام، كما يوصف، من أذى، فبعد خمس سنوات متتالية قضاها معزولا عن عمله بمدينة شيشاوة، بسبب قرار تعسفي من وزير الأوقاف ، حصل الرجل، كما يصفه صهره، على شهادة الباكلوريا (أحرار) صيف عام 2015 ، ليسجل نفسه في التعليم العالي ويحصد الإجازة في الدراسات الأساسية في الشريعة و القانون من كلية الشريعة بأيت ملول (جامعة القرويين) صيف عام 2018. كما صدر له مؤلف كتاب "المساجد بالمغرب رؤية من الداخل". يؤكد المتحدث أن الامام السجين كان وما يزال "صاحب قضية وإرادة قد تكون قد شهدت فتورا لبضع سنين غير أنها لم ولن تموت. قضية تتعلق أساسا بملف حقوقي لعموم القيمين الدينيين الذين يتقاضون ما تسميه وزارة الأوقاف ب"التعويض الجزافي" الذي يتراوح بين 1200 درهم إلى 2500 درهم لا تخضع لأي معايير محددة غير هوى المسؤولين المحليين الموظفين بالقطاع"، وفق تعبيره. ويضيف المتحدث أن نشاطات الإمام السجين سعيد أبو علي بالفضاء الأزرق جنت له متاعب، حيث كان يتواصل من خلاله مع القيمين الدينيين في شؤون القطاع، ما جعله نشيطا بالرابطة الوطنية للقيمين الدينيين بالمغرب الذين خطو ملفا حقوقيا يطالبون فيه أساسا بتنزيل المادة 40 من الظهير المنظم للقطاع، والذي يرفض وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية تنزيل محتواه بل حتى إثارته للنقاش". ومن تداعيات ذلك، أن باشرت السلطات، بداية العام الجاري، عبر المندوب الجهوي للأوقاف بجهة كلميم واد نون استصدار قرار بإعفاء الإمام أبو علين من مهام الإمامة بمسجد الرحمة بمنطقة أفركط (كلميم) التي كان يشتغل فيها إماما للمسجد ومشرفا على المدرسة العتيقة لنحو عشر سنوات، وهي ملاذ لأكثر من 80 طالب علم. وازدادت معاناته بعدما كان يشحذ همم القيمين الدينيين ويدعوهم للدفاع عن مصالحهم وتعبئتهم لتحسين أحوالهم المهنية والوظيفية وتحقيق الأمن الروحي لهم قبل مطالبتهم بتحقيق الأمن الروحي لمواطنيهم، غير أن ترصده اضطر مصالح الأوقاف لاستفساره عن طبيعة الرسائل الالكترونية والصوتية التي كان يبعثها للقيمين الدنينين، ويتم توقفه عن العمل في مارس الماضي. ولم تشفع للإمام السجين المساطر والتظلمات التي باشرها بدءا من المندوبية الجهوية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بجهة كلميم واد نون، ثم بعدها مقر الوزارة في العاصمة الرباط، ثم بعدها الأمانة العامة لعدد من الأحزاب السياسية المغربية (الاستقلال، العدالة والتنمية، الأحرار..) بدعوى أنهم "لا يقدرون على التدخل لدى وزارة الأوقاف"، إلى جانب ثلة من البرلمانيين للاستماع لتظلمه، ليضطر للنزول إلى الشارع والاحتجاج بأدب ورفق كآخر الكي، وفق تعبير صهره. بعدها قرر الإمام السجين الدخول في اعتصام مفتوح على بعد أمتار من مقر إقامة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي بعين عودة يوم 24 غشت الماضي، بعد إعلان نشره على صفحته الرسمية "فايسبوك"، ليقوم على التو أمنيون بزي مدني باعتقاله في منطقة تابعة للنفوذ الترابي للدرك الملكي، ويودع احتياطيا بسجن العرجات، لينتهي مسار اعتقاله بجلسة محاكمة ماراطونية دامت خمس ساعات يوم 15 شتنبر الجاري، ويستصدر في حقه حكم قاس، طعن فيه في اليوم التالي من صدوره، وهو حكم أشبه يما يكون بأحكام تصدر في مواجهة أشخاص قاموا بعمليات سرقة لمحلات تجارية أو عمليات تبيض مبلغ معتبر من الأموال"، وفق توضيحات صهره. ورغم تقدم دفاعه بملتمس بمتابعة الامام السجين في حالة سراح مؤقت بكفالة ألفي درهم، غير أن النيابة العامة رفضت الملتمس، وتقرر متابعته في حالة اعتقال. شأنها شأن معاناته مع تظلماته أمام مؤسسة الوسيط جراء قرار توقيفه آنذاك رغم وعود تلقاها، ليتم الرد في الأخير على شكواه ب"عدم الاختصاص"، بعد أن رفض مندوب بالأوقاف في كلميم استقباله، شأنه شأن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية. ما يزال صدى كلمات أبوعلين يتردد لدى القيمين الدينيين، ومعهم أنصار الامام السجين وهو يصرخ بملء حنجرته: "نحن حماة الدين في المجتمع نقدم خدمة جليلة ولا نتلقى مقابلها أي راتب مناسب، نحن نعيش بصدقات الناس ومنا من يتسول في المقابر. لا أريد أن يراني أبنائي هكذا، نحن الأئمة نريد حقنا من المال العام النظيف بصفتنا مواطنين مغاربة".