وأنا أسرح بخيالي وأتأمل خريطة هذا الوطن العزيز تمر أمام عيني وكشريط سينمائي كل هذه الجبال والوديان والأنهار والسهول والبحار، تذكرت ما كان يقوله أخي "عبد الحق" يوم كان طالبا يدرس بثانوية مولاي عبد الله بالدار البيضاء ، أخي الورع الصافي الذمة هذا كان يقول ماذا سيقع لو وزعت وبشكل عادل كل هذه الخيرات التي تحبل بها أرضنا الطيبة على كل المغاربة بشكل عادل؟؟؟؟. وإذا بثلاث صورلثلات نسوة تنط لي من بين ملايين الصور هي لوجوه مغاربة ،هاته الشخوص أردت أن آخذهن كمثال حي على العدالة الإجتماعية التي ننعم بها في ربوع هذا الوطن السعيد. الصورة الأولى: مريم بنصالح هذه السيدة الماسكة بزمام اقتصادنا الوطني ورثت ثروة طائلة عن والدها الذي كونها عن طريق مأذونية استغلال ماء زلال منحتها له سلطات بلادنا بعد استقلال مغربنا الحبيب جزاءا له ربما على كونه أحد الموقعين على وثيقة الإستقلال. الصورة الثانية: ياسمينة بادو هذه السيدة ذات الوجه الطفولي المبتسمة دائما زوجة السيد "علي" (مول الماء والضوء والفراجة) اقتنت وبثمن باهض شقتين فاخرتين في قلب باريز عاصمة الأنوار، بمبلغ نحن في أمس الحاجة له لسد ولو بعض العجزالذي يعاني منه صندوق مقاصتنا. ويأتي أمين حزبها وبكل بساطة مستغفلا عقولنا وكأننا جردان لا ذاكرة لنا ويقول إنها محامية مشهورة قبل أن تكون وزيرة وأن والدها رجل وطني قدم الكثير لهذا البلد السعيد وبالتالي ليس من حقنا أن نساءلها عن مصدر هذا المبلغ وعن كيفية خروجه من المغرب في شكل عملة صعبة. الصورة الثالثة: فتحية بنيس سيدة تسريحة شعرها وهندامها يدلان على رقيها الطبقي، هذه السيدة المتخصصة في إقامة الولائم الانتخابية صرفت ما قيمته ثلاث مائة وثمانون ألف درهم من أجل شراء علب الشوكولاته الرفيعة بغية توزيعها كهدايا بمناسبة رأس السنة. نتساءل عن الخدمة التي قدمها والدها هي الأخرى لهذا الوطن لكي نغفر لها هذا الشره الفاحش. بعد النظر مليا لهاته اللوحة التشكيلية السوريالية أتساءل هل هؤلاء النسوة الثلاثة المحظوظات هن كذلك معنيات بالدين الذي أخبرنا به السيد بنكيران في أول ظهور له تحت قبة البرلمان والذي حدده لنا في سقف خمسة عشرة ألف درهم لكل مواطن مغربي . وهل علي أن أؤدي مثلهن أنا التي لا أشبههن في أي شيء . فأنا على طرف النقيض منهن أمازيغية الجذور بيضاوية المولد ، والدي قدم إلى البيضاء بداية الأربعينات اشتغل عاملا في الميناء ناضل في صفوف نقابة إم ش لم يطعمنا حراما رحمة الله عليه ، ولجت ميدان الشغل وأنا لازلت في سن المراهقة . كل شهر تقتطع من راتبي حصة الأسد لفائدة الضرائب ( الضريبة على الدخل)، أؤدي واجبات الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، الصندوق المهني المغربي للتقاعد . شاركت في السبعينات من القرن الماضي براتب يوم في كل شهر من أجل تنمية الأقاليم الصحراوية المسترجعة. شاركت بجزء يسير من راتبي من أجل بناء المعلمة التاريخية مسجد الحسن الثاني. انتهكت حرماتنا وقاسينا المر أنا وعائلتي وخصوصا النساء منهن مثل باقي المناضلات الحقيقيات شريفات هذا البلد خلال سنوات الرصاص ولم يعتذر لنا أحد. بعد كل هذا السرد الممل أساءل كل عاقل نزيه أن يفك لي لغز هذه المعادلة المستعصية والغريبة في نفس الوقت: نساء أخذن كل شيء ونساء منحن كل شيء جميل ولم ينصفهن الزمن والوطن. مواطنة