مع كل شهر رمضان، تتجدد في المغرب عبارات "الرداءة" و"الحموضة"، لوصف الإنتاج التلفزي العمومي بمنسبة هذا الشهر الذي ترتفع فيه نسب متابعة القنوات العمومية المغربية. وكما كل عام تثار نقاشات واسعة على منصات مواقع التواصل الاجتماعي، ويتخصص بعض المشاهدين في اقتناص لقطات من مسلسلات درامية وستيكتومات سواء للضحك، أو للسخرية منها، وإثارة عيوبها، فيما يلجأ آخرون لصب جام غضبهم على ما يسمونه "هزالة " و"تفاهته"، وتُطرح أسلئة من قبيل "هل هذه حقًا سلسلة فكاهية؟" و"إلى أي حد يحترم القائمون على هذا الإنتاج ذكاء المشاهدين؟"، و"كم كلفت هذه الأعمال خزينة الدولة؟ّ. وبعيدا عن التقييم والنقد الفني والجمالي لهذه الانتاجات، توصل موقع "لكم" إلى معطيات دقيقة، تكشف حجم الميزانية الضخمة التي كلفها إنتاج هذه الأعمال، والتي بلغت في الموسم الحالي حوالي 12 مليار سنتيم بالنسبة للقناة الأولى فقط، دون احتساب البرامج التي برمجت في باقي المحطات التابعة للشركة الوطنية للاذاعة والتلفزيون بما فيها إذاعة محمد السادس للقرآن، وقناة العيون، والرابعة.. ووفقًا لمصادر موقع "لكم" من داخل القناة الثانية فإنَّ ميزانية برامج ومسلسلات رمضان هذا العام كلفت نحو 08 مليار سنتيم. وحول سبب "هزالة" الإنتاج التلفيزيوني الذي تُصرف عليه ملايير ضخمة من أموال دافعي الضرائب، يقول الصحافي الاذاعي السابق والعارف بتجربة الإنتاج في المغرب، محمد سراج الضو، في حديثه لموقع "لكم"، إنَّ السبب الأول يرتبط بأن شركات الإنتاج المغربية لا تصرف أموالا لإنتاج أعمالها، وإنما تقتات من تلك الأموال العمومية، وتنتظر بشكل دوري فتح الأظرفة مما يؤثر على جودة الإنتاج. وأكد المتحدث ذاته لموقع "لكم" أن هناك عشر الشركات المتخصصة في الإنتاج تتنافس فيما بينها عادة حول صفقات الإنتاج الدرامي والفكاهي في المغرب وتقسم الأدوار بينها، وهي نفسها الشركات التي خلقت انتجاتها جدلا الأعوام الماضية، ومع ذلك دائما ما تفوز بنفس الصفقات، وتحتكر ثلاث شركات منها سوق الإنتاج الرماضي وتُعتبر شركات ذات نفوذ، وهي مملوكة لشخصيات معروفة مما يُحيل دائما إلى "الرداءة" في الانتاج و"افتقار الابداع". وتحدث محمد سراج الضو، عن أنَّ المنظومة التي تشمل عمليات الإنتاج وفتح الأظرفة، هي السبب الرئيسي في انتاج هذا الخلل والرداءة التي تسقط على روؤس المغاربة مع كل موسم رمضان، وتصرف لها أمولا طائلة، وذكر أن القطاع يشهد فساد إداريا وماليا كبيرا مزمنا، يُضاف إليه احتكار أغلب الصفقات والإنتاجات. وأشار محمد السراج، إلى أن 80 في المائة من هذه البرامج والمسلسلات تعتبر ذات جودة رديئة، وتفتقد الإبداع، مشيرًا إلى أن شركات فازت بصفقات إنتاج الأعوام الماضية، وأثارت برامجها جدلا، هي نفسها من عادت وفازت بصفقات جديدة هذا العام! وتحدث الإعلامي المخضرم، عن أن عملية الانتاج الخاص في المغرب لم تصل بعد إلى مرحلة "الاحترافية"، حيث يقوم المنتج بصرف المال من جيبه الخاص لإخراج إنتاجه وبيعه لاحقًا، نظرا لأن أموال الاشهار تبقى هزيلة، لذلك تتهافت الشركات الخاصة على "كعكة" الصفقات العمومية. مسلسل سيبث العام المقبل كلفَ مليار و200 مليون وفي الوقت الذي كلفت برامج ومسلسلات وأفلام رمضان، الشركة الوطنية للاذاعة والتلفيزيون حوالي 12 مليار سنتيم، كشفت مصادر جيدة الإطلاع لموقع "لكم" أنَّ جزءا كبيرا من البرامج المعروضة حاليًا في موسم رمضان الجاري جرى انتاجها العام الماضي، وخصصت لها ميزانية برسم سنة 2020، وتم ذلك، لتدارك مشكل ضيق الوقت، حيث يجري حاليًا إنتاج برام رمضان المقبل بعدما فازت شركات "محظوظة" بمناقصات الإنتاج. وأكد المصدر ذاته لموقع "لكم" أنَّ عملية فتح الأظرفة بالنسبة لإنتاج برامج رمضان العام المقبل، تمت هذه السنة، وذلك لتجاوز عائق ضيق الوقت، ووصل موقع "لكم" إلى معطيات دقيقة تفيد أن القناة الأولى خصصت مليار و200 مليون سنتيم لإنتاج مسلسل واحد فقط، سيتم عرضه خلال رمضان المقبل من إخراج وسيناريو )خ . ل (، وهي شقيقة مديرة مديرية البرمجة بالقناة الأولى، وفازت شركة معروفة "إ. ف" بمناقصة إنتاج هذا المسلسل بناءً على طلب عروض وضعته القناة الأولى. القناة الثانية.. الإفلاس والتبدير وفي الوقت الذي تصرف فيه القناة الثانية، ملايير السنتيمات سنويا لفائدة شركات الإنتاج، خصوصا في الانتاجات المتعلقة برمضان، آخرها هذا الموسم الذي ناهز كلفة الإنتاج فيه 08 مليار سنتيم، كان تقرير للمجلس الأعلى للحسابات عام 2019 كشفَ أنَّ شركة "سورياد دوزيم" المالكة للقناة المغربية الثانية تتجه بخطوات ثابتة نحو الإفلاس. وقال التقرير إن القناة الثانية تكبدت في السنوات ما بين 2008 و2017 خسائر بلغت في المتوسط 4.9 ملايير درهم، وهو الأمر الذي كان نتيجة طبيعية للبون الشاسع بين حجم النفقات وحجم المداخيل. وكشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات، عن احتكار وكالة الإشهار "ريجي3" لسوق الإشهار في كل من القناة الثانية وقناة وراديو "ميدي1″، مشيرا إلى أنها تستغل نسب المشاهدة المرتفعة في القناة الثانية، لتسويق مساحات إعلانية لقنوات منافسة. وانتقد التقرير غياب مراقبة رقم معاملات القناة الثانية، المتمثل في الأساس في عدم ضبطها لفوترة المبيعات، وعدم طلبها الوثائق المحاسباتية من وكالة الإشهار، بالإضافة لتأخير وضع عقود الالتزام سنة 2018، وغياب تدقيق حسابات وكالة الإشهار. القناة الأولى.. ديون وفواتير إلى حد قطع الكهرباء ووفقًا لنفس التقرير، فإنَّ الأزمة وسوء التدبير، يدفعان الشركة الوطنية للاذاعة والتلفزة للإفلاس هي الأخرى، إذ سجل التقرير تراكما مهولا لفواتير الماء والكهرباء على الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، تجاوزت قيمتها 80 مليون درهم. وكشف تقرير مجلس الحسابات، أن التيار الكهربائي قطع في عدد من المحطات التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية، بسبب تراكم الفواتير المستحقة للمكتب الوطني للماء والكهرباء، الذي يدين للشركة الوطنية بما يناهز 81.3 مليون درهم من الفواتير غير المسددة خلال الفترة ما بين 2008 و2016. أرقام المشاهدة لتغطية أرقام الأموال ووفقًا للمستندات التي قام موقع "لكم" بالاطلاع عليها، أبرزها التقرير السنوي للشركة الوطنية للاذاعة والتلفزيون، فإنَّ أهم عامل في تبرير "نجاح" مهمة القناة، يكون هو نسبة المشاهدة، ويبين التقرير، أن القناة الأولى حصدت أرقام مشاهدة لبرامج معينة، كانت هي نفسها محط جدل وغضب أحيانا، لكنها دفعت بها لتقديمها على أساس "نجاحها"، وفيما كشفَ التقرير مداخيل أموال الإشهار، لم يتطرق لمصاريف القناة والميزانيات المرصودة في طلبات العروض. وفسر هذا إدريس القري، الباحث المتخصص في السمعي البصري، الذي قال إنَّ طابع المفارقة يغلب على الأعمال التلفيزيونية الرمضانية، إذ تعرف نجاحا شعبيا وفي الوقت نفسه نقدا لاذعا، إلا أن المشكل في رأيه يتمثل في عجز النقد الفني عن استحداث خطاب خاص به مستند على مرجعية تقييمية وفكرية وحضارية. وتُبين احصائيات "ماروك ميتري" نسبة إقبال المغاربة على التلفزيون العمومي، وبالضبط في موسم رمضان، تفوق الملايين، سواء كانت تُعرض عليه مسلسلات فكاهية أو درامية، حيث أن رمضان 2020، عرفَ جدلا واسعا بسبب سلسلات فكاهية، غير أن أحدها وصل أربعة ملايين مشاهدة في يوم واحد بنسبة حصة البث وصلت 26.1 في المائة. ومن جهته قال الحسين الديجتي، ممثل مغربي وعضو النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية في تصريح لموقع "لكم"،"إنَّ أول ما يُلفت انتباه المشاهد خلال متابعته للبرامج التلفزية في رمضان هوَ الممثل"، وأشار إلى أنه "لا يمكن أن نُعيبَ على الممثلين هشاشة المنتوج التلفزي المقدم، باعتبار أنَّ موسم رمضان لديه اعتبارات ترتبط بالانتاج التلفزي، والمسؤول عن ذلك هي شركات الإنتاج وليس الممثل". واعتبر الحسين الديجتي أن "الممثل يقوم بما يتوجب عليه داخل ظروف معينة، وهذه الظروف ترتبط عادة بالسرعة في الانتاج"، مشيرًا إلى أن "ميزانية الإنتاج غالبا ما تكون بخسة وهذه المسألة تفرض علينا إعادة النظر في دفاتر التحملات المرتبطة بالإنتاجات التلفزية". ويدعو الديجتي إلى الرفع من قيمة الإنتاج بهدف تجويد المنتوج المغربي، مشيرا إلى أن شركات الانتاج في المغرب هي عبارة عن "منفذي إنتاج"، وأن لا أحد منهم ينتج من ميزانيته الخاصة وبتالي القطاع الحكومي هوَ من يٌنتج من أموال دافعي الضرائب، لذلك على الدولة أن ترفع ميزانية الدعم للانتاجات الدرامية حتى تكونَ في المستوى. مسؤولية شركات الإنتاج واعتبر المتحدث ذاته أن تردي المنتوج الفكاهي والدرامي يقع على عاتق شركات الإنتاج، أو بعبارة أدق "منفيذي الإنتاج"، ومن الأسباب التي أدت إلى ذلك بحسب الحسين ديجتي، أنَّ شركات الإنتاج تعتمد على مؤثرين تستقطبهم من شبكات التواصل الإجتماعي، وهؤلاء ليسوا بممثلين محترفين، ولكن هم مؤثرين في الفضاء الازرق، وجرى الاعتماد عليهم من خلال عقود رخيصة، حتى تحظى شركات الإنتاج بالأرباح والوفاء بالتزاماتها". وأضاف الديجتي أن ذلك يجري في الوقت الذي يوجد فيه ممثلين محترفين، مشيرًا إلى أن "الساحة المغربية غنية بمن فيهم خريجي المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي، والممثلين الذين برزوا على المستوى الوطني من خلال احتكاكهم الدائم بالاعمال، سواء أعمال وطنية أو أعمال دولية، بينما الممثلين الذين يجري استقطابهم من مواقع التواصل الاجتماعي تغيب عنهم الخبرة". وقال في هذا الصدد "إن عامل السرعة في الانتاج يؤثر أيضًا عن جودة المنتوج المقدم، وبتالي إن الجودة تحتاج إلى ميزانية معقولة، وممثلين أكفاء وأيضًا، مشاريع وعروض ذات ثقل، وهذا لا ينفي أن رمضان 2021 شهد أيضًا عروضا جيدة وفي المستوى المطلوب".