تذهب ثلة من الباحثين والفاعلين السياسيين إلى أن المغرب مقبل ، كغيره من الدول العربية التي لم تعرف بعد إصلاحات سياسية حقيقية ، على موجة ثانية من الربيع الديمقراطي. فهل ستكون حركة 20 فبراير والقوى الديمقراطية المساندة لها في الموعد لرفع هذا التحدي من جديد أم أنها ستستمر على ما هي عليه من ضعف و وهن ؟ لم تنشأ حركة 20 فبراير من عدم أو من الفيسبوك. كما أنها لم تكن مجرد تقليد أو انتقال لعدوى الثورتين التونسية والمصرية. وإذا كان ليس بإمكان أحد أن ينكر مساهمة هذه العوامل في ظهور بعض إرهاصات الربيع الديمقراطي بالمغرب ، فإن العوامل الرئيسية والحاسمة في نشأة الحركة تمثلت أساسا في جملة من العوامل الداخلية ، الموضوعية منها و الذاتية و التي ليس هذا مقام تفصيل القول فيها . وإذا كانت الحركة قد انطلقت قوية واستمرت ديناميتها في التصاعد، فإن الضعف قد اعتراها فيما بعد، وتراجع زخمها وأصبحت تراهن في الآونة الأخيرة على بعض المعارك النضالية النوعية التي انصبت أساسا على نقد المؤسسة الملكية. وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن أن نذكر "حفل الولاء للحرية والكرامة" كشكل من أشكال الاحتجاج على الطقوس المخزنية للبيعة ، وكذا الوقفة الاحتجاجية المنتقدة لميزانية القصور. ترى كيف يمكن تقييم المسار النضالي للحركة الذي انطلق قويا فصار فيما بعد ضعيفا؟ لاشك أن هناك مجموعة من العوامل المتضافرة و التي أدت إلى كبح جماح الحركة وإضعافها لعل أبرزها يتمثل فيما يلي : -الالتفاف الذكي و السريع على مطالب الحركة من طرف النظام منذ اليوم الثاني لانطلاق الحراك. هذا الالتفاف الذي امتد من إنشاء المجلس الاقتصادي و الاجتماعي والبيئي الى رئاسة حزب العدالة والتنمية للحكومة ، مرورا بخطاب 9 مارس 2011 وتعيين اللجنة الاستشارية لإصلاح الدستور واستفتاء فاتح يوليوز و إجراء الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها. وجدير بالذكر أن كل هذه الاجراءات والاستحقاقات لم تستغرق سوى أقل من سنة. - الاستعمال المفرط للقوة خاصة بعد المرحلة التي تلت خطاب 9 مارس 2011 والتي وصلت أوجها يوم 13 مارس و طيلة شهر ماي، وما صاحب ذلك من اعتقالات ومحاكمات . هذا ناهيك عن استعمال شتى أشكال العنف المفوض على يد ما اصطلح عليهم ب "البلطجية". - العمل من طرف الخصم على تأجيج التناقضات الداخلية للحركة سواء بين دعاة الملكية البرلمانية و دعاة المجلس التأسيسي والدستور الديمقراطي ، أو بين التيارات العلمانية والتيارات الاسلامية و خاصة جماعة العدل والاحسان. وبعد عشرة أشهر من صمود الحركة وتمكنها من تدبير اختلافاتها وصون وحدتها ، استطاع المخزن من تحقيق أحد أهم أهدافه الاستراتيجية والمتمثلة في فك الارتباط بين يسار الحركة وبين العدل والاحسان، والذي تجسد في انسحاب الجماعة من الحركة بتاريخ 18 دجنبر 2011 لأسباب سياسية وأيديولوجية. وقد كان لحدث الانسحاب هذا أثر جد سلبي على قوة الحركة التي تراجعت بشكل كبير. و هذا أمر مفهوم و له ما يبرره. فإذا كان اليسار قد راكم تاريخا نضاليا زاخرا وحنكة سياسية وتنظيمية وحقوقية، فإن الملاحظ المتتبع لتطورات الحياة السياسية المعاصرة بالمغرب ، لا يسعه إلا أن يسجل وبكل موضوعية ، الإضافة النوعية لجماعة العدل و الاحسان سواء من حيث قوتها النضالية و التنظيمية أو اللوجستيكية و الاعلامية ناهيك عن زخمها البشري الضخم . واليوم والحركة تستعد لتخليد ذكرى ميلادها الثانية، فإن الإ شكال الذي يسائل المتتبعين والدارسين هو: هل بإمكان الحركة أن تستنهض الهمم لتجدد قوتها وتسهم بفعالية فيما يصطلح عليه حاليا بالموجة الثانية للربيع الديمقراطي؟ من ينظر الى العوامل الموضوعية يمكنه أن يقول إن الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية لم تزدد إلا تدهورا واحتقانا. بل إن هناك من الباحثين و الفاعلين السياسيين من يذهب الى أن المغرب يعرف تراجعا على جميع المستويات الى ما قبل 20 فبراير 2011 . ولكن من ينظر الى العوامل الذاتية الفكرية منها والسياسية والتنظيمية ، يتساءل الى أي حد يمكن للحركة أن تتجاوز فعلا ضعفها لتنهض من جديد في إطار موجة ثانية للتغيير الديمقراطي الحق؟ الحركة تقول إنها مصممة العزم على النهوض وتجاوز كبوتها التي طال عليها الزمن. لكن جماعة العدل والاحسان ترى على العكس من ذلك ألا مؤشر لحد الآن يدل على مراجعة الحركة لذاتها وتقييم مسارها النضالي من أجل تجاوز اختلالاتها. وبالتالي هاهنا مكمن الداء والدواء. اختلاف في التقييم بين التيار اليساري الجذري وبين الاسلام السياسي المعارض ممثلا بالأساس في جماعة العدل و الاحسان. وغني عن الذكر أن الحركة استمدت قوتها و حيويتها من التركيز على المشترك بين مختلف التيارات سواء على مستوى مناهضة الاستبداد أو على مستوى محاربة الفساد. أما الاختلافات السياسية والايديولوجية بين الشركاء فينبغي أن تدبر بالشكل الديمقراطي الذي لا يفسد للود قضية.