أعاد حادث انقلاب سيارة من الحجم الكبير، تقل تلاميذا بإحدى الجماعات التابعة لإقليموزان، أمس الأربعاء، إلى الواجهة إشكالية النقل المدرسي في العالم القروي، ففي الوقت الذي يتسبب بُعد المدارس وغياب وسائل النقل في مغادرة آلاف التلاميذ لحجرات الدراسة، يجد عدد كبير منهم أنفسهم مضطرين لركوب وسائل نقل "سرية" للانتقال صوب فصولهم. ورغم أن وسائل النقل "السرية"، تسهم في تقليص الهدر المدرسي، إلا أنها تبقى وسيلة محفوفة بالمخاطر، خاصة مع صعوبة الطرق بالجبال والقرى، وفي ظل ظروف نقل مزرية. اكتظاظ حسب شهادات استقاها موقع "لكم" من ساكنة بعض دواوير إقليمتاونات، فإن النقل السري يعد وسيلة شائعة لانتقال التلاميذ بقرى الإقليم، حيث تغيب وسائل النقل المدرسي، وتحضر سيارات من الحجم الكبير تكدس التلاميذ وتسير بهم في ظروف "مزرية" للفصول الدراسية. ويعد الاكتظاظ على رأس قائمة مشاكل طويلة يعانيها تلاميذ العالم القروي يوميا مع النقل "السري"، حيث تتجاوز السيارات ضعف طاقتها الاستيعابية، وتمتلئ عن بكرة أبيها، ليتكدس آخرون على أسطح العربات، ويبحث آخون عن موطئ قدم للتعلق خلفها. وهذا الواقع يؤكده محمد الديش، رئيس الائتلاف المدني من أجل الجبل، الذي صرح لموقع "لكم" بأن عربات النقل التي تسمى "سرية" وإن كانت ليست كذلك، تحمل أكثر من العدد الذي تسعه، حيث يسعى أصحابها إلى حمل أكبر عدد من التلاميذ، حتى لا يضطروا للعودة من جديد لحمل ما تبقى من التلاميذ، بهدف الربح. وسجل الديش أن هذا الازدحام، واضطرار عدد كبير من التلاميذ إلى التعلق في الباب الخلفي للسيارات، يجعلهم مهددين بمخاطرة عدة، وقد وقعت حوادث سير كثيرة منها ما أدى إلى وفيات وإصابات خطيرة، في وقت لا تتوفر فيه العربات على تأمين. وأشارت مصادر محلية إلى أن هذا الازدحام، يخلف حالات تحرش كثيرة بالفتيات، وهو من الأسباب التي تدفع الأسر إلى منع بناتها من الذهاب إلى الثانويات والإعداديات. مخاطر عدة وليس الاكتظاظ وحده ما يهدد سلامة التلاميذ داخل هذا النوع من النقل، بل إنهم معرضون لمخاطر عدة، خاصة وأن جل هذه العربات التي تمتهن النقل "السري" مهترئة في ظل غياب وضعف الصيانة والمراقبة، ومقاعدها غير صالحة لجلوس الأطفال. ويزداد هذا الواقع صعوبة خلال فصل الشتاء، حيث تتسرب الأمطار إلى داخل هذه السيارات، ويبقى التلاميذ الموجودون على السطح تحت رحمة التساقطات لمسافة كيلومترات عديدة، ما يهدد صحتهم ويجعلهم عرضة للأمراض. كما أن المسالك الطرقية الوعرة، تزداد وعورة بسبب الأمطار، خاصة مع كثرة المنعرجات الجبلية، ما يزيد من احتمالية الانزلاقات ووقوع حوادث السير، خاصة في المساء بعد حلول الظلام. وإضافة إلى غياب التأمين، توجد بعض عربات النقل السري التي يقودها أشخاص لا يتوفرون على رخص سياقة، حسب ما أكدته مصادر محلية، بل ويتسابق السائقون في طرق وعرة من أجل الحصول على مقاعد أكثر، كما يضطرون في أحايين كثيرة إلى سلك مسالك أكثر وعورة تفاديا للدرك الملكي. إلا أن هذه الوسائل "السرية" وإن كانت محفوفة بالمخاطر، تبقى أساسية ولا غنى عنها في ظل غياب بديل حقيقي، حيث أشار بعض التلاميذ إلى أن معاناتهم تزداد خلال الأسواق الأسبوعية أو خلال المناسبات التي تفتح لأصحاب هذه العربات فرص عمل أخرى أكثر ربحا، ما يفاقم معاناتهم مع النقل، ويظهر مدى أهمية هذه العربات "السرية". استغلال سياسي وأكد عدد من ساكنة بعض دواوير تاونات، أن كل المسؤولين يعلمون بهذا النقل "السري"، إلا أنه لا توجد مراقبة لأن هؤلاء المسؤولين غير قادرين على توفير البديل للتلاميذ وللساكنة عموما. وحتى عندما يتم توفير النقل المدرسي فإنه يكون بمقابل مادي يؤدى للجمعيات وقد يكون مخصصا للفتيات فقط، أو لدواوير معينة، خاصة مع الاستغلال السياسي للنقل المدرسي. وفي هذا الصدد أوضحت المصادر المحلية أن بعض المنتخبين يعملون على توفير النقل المدرسي من أجل مكافأة بعض الدواوير التي صوتت لصالحهم، في حين يتم حرمان دواوير أخرى بسبب عدم تصويتها أو تصويتها لشخص آخر. ظاهرة مرفوضة وأشار محمد الديش رئيس الائتلاف المدني من أجل الجبل إلى أن ظاهرة النقل السري للتلاميذ كانت ولا تزال، وإن لم تعد بنفس الحدة التي كانت عليها من قبل، حيث تتفق بعض الدواوير مع صاحب سيارة "207" أو "بيكوب" من أجل توفير النقل اليومي لهم ولأبنائهم التلاميذ. إلا أن هذه الظاهرة، يضيف الديش، تقلصت مع توفير النقل المدرسي، حيث باتت الأمور مقننة بنسبة كبيرة، رغم عدد من الصعوبات والإشكالات المرتبطة بهذا النقل، حيث يعتمد توقيتا غير ملائم للتلاميذ وبالتالي يوصلهم للمدارس بعد بدء الدرس، وفي بعض الأحيان يوصلهم قبل موعد الحصة بوقت طويل، كما أنه لا يصل إلى كل المناطق ما يضطر التلاميذ إلى قطع مسافة من أجل الوصول إليه. كما سجل المتحدث أن عددا من الدواوير لا تستفيد نهائيا من النقل، ما يوفر أرضية خصبة لاشتغال النقال السري، مؤكدا على ضرورة توسيع النقل المدرسي ليشمل الجميع. وأكد رئيس الائتلاف أن هذا النقل السري للتلاميذ ينبغي ألا يكون، ويمكن على الأقل أن يتم الترخيص لهؤلاء الأشخاص بشكل من الأشكال حتى يصبحوا متخصصين في نقل التلاميذ برخص استثنائية، وخاضعين لنوع من المراقبة. وخلص الديش إلى أن النقل المدرسي عموما يعد من بين الوسائل والحلول في العالم القروي، وليس الحل الوحيد، إذ ينبغي إيواء التلاميذ بشكل أفضل عوض التنقل اليومي وما ينطوي عليه من عذاب ومخاطر وتضييع الوقت والجهد، وتوفير ظروف استقرار ومطاعم للتلاميذ في القرى والجبال.