النقل السري أو ما يطلق عليه «الخطافة» قد يقول عنه البعض إنه لا قانوني والبعض الآخر يقول عنه إنه لاشرعي، لكن بالنسبة لسكان عدد من الجماعات بإقليم أزيلال ، و خاصة جماعات تباروشت وتيلوكيت و زاوية أحنصال و أيت مزيغ.. يبقى هو المنقذ وهو الحل لإخراجهم من عزلتهم و مساعدتهم على الاتصال بالعالم الخارجي في ظل ضعف و غياب وسائل النقل الأخرى ، وذلك رغم المخاطر التي تحدق بالممتهن و الراكب على السواء. ومحاولة منا لفهم هذه الظاهرة اتصلنا بمجموعة من السائقين الذين يمتهنون النقل السري وكذلك بعض المواطنين الذين يستقلون هذه العربات، مع القيام بزيارات متعددة للجماعات المعنية. أدوار متعددة .. رغم المخاطر من المعاينة الأولى لتمظهرات هذه الظاهرة بهذه الرقعة الجغرافية من البلاد، يتضح بجلاء «الدور الاجتماعي و الإنساني و الاقتصادي» الذي يلعبه هؤلاء «الخطافة»، إذ أن عرباتهم قادرة على سبر أغوار الدواوير النائية و الجبلية بالرغم من وعورة المسالك وسوء حالة أغلب الطرقات بالمنطقة بأثمنة مناسبة حاملين أمتعة و مواشي يستحيل نقلها على متن سيارات الأجرة إن وجدت. مع بزوغ فجر كل يوم جديد تسمع منبهات هذه العربات في الدواوير، وأغلبها من نوع «بيكوب» أو «ترونزيت» إيذانا ببداية رحلة جديدة في اتجاه السوق الأسبوعي أو المراكز المجاورة و إعلانا لكل من يريد السفر. أما رحلة العودة فتبدأ مباشرة بعد صلاة العصر، حيث تغادر تلك العربات تباعا. وما يزيد الإقبال على هذا النوع من التنقل، هو ذلك التعامل الودي بين السائق والزبون، باعتبار أن جل مالكي سيارات النقل السري تجدهم من نفس الدوار. و حسب تصريح ل «أ.ح « ، و هو سائق ممتهن لهذه المهنة منذ سنوات: «هذه المهنة محفوفة بالمخاطر والصعوبات، ولا ننال منها إلا الصراعات والمشاكل مع أرباب سيارات الأجرة الذين لا يتوانون عن تقديم شكايات متكررة للدرك الملكي ضدنا «. «إذ ، يضيف ، أننا نتعرض لمضايقات بدعوى أننا نخرق القانون رغم أننا نساعد هؤلاء السكان وذويهم في الوصول إلى دواويرهم التي لا يصل إليها غيرنا». وعن سبب امتهانه لهذه المهنة رغم علمه بالمخاطر التي تحيط بها ، أجاب بنبرة حزينة، «نحن لم نرتم في حضن هذه المهنة حبا فيها، بل الظروف الصعبة التي قهرتنا ووجدنا فيها الحل المؤقت لجلب رغيف الخبز لأبنائنا ، رغم معاناتنا اليومية مع رجال الدرك الملكي و أرباب سيارات الأجرة.» كن لقيت باش نبدلها و الله مانزيد فيها نهار». من جهته أوضح «م.أ « صاحب سيارة نقل سري أن هؤلاء «الخطافة» يقدمون خدمات كبيرة للسكان «فلولاهم لاستحال على الكثير منهم قضاء أغراضه ، فهم يلعبون دور ناقل المواطنين و المواد الغذائية، وفي بعض الأحيان يلعبون دور سيارة الإسعاف»، و»رغم ذلك، يتابع ، السلطات لا تقدر هذه الأدوار التي نقوم بها، وعديدة هي المرات التي تحتجز عرباتنا في المحجز». وأضاف :» نأمل أن تكون هناك مبادرات جادة من قبل الجهات المسؤولة لإيجاد مخرج حقيقي لهذا المشكل وأن تكون هناك حلول ترضي الجميع خدمة لتنمية المنطقة». في غياب البديل... وصرح سعيد أخشون وهو مواطن من جماعة أيت مزيغ وجدناه في انتظار «بيكوب»، أن هذه الوسيلة هي الوحيدة التي ستوصله إلى دواره البعيد عن المركز مع مقتنياته و بثمن مقبول: «مول الطاكسي إلا لقناه تيكول لينا نخلصو البلاصة والبكاج وهدشي بزاف علينا». إن المواطنين الذين يستعملون هذا النوع من النقل يواجهون الأخطار وهم يعلمون ذلك حق المعرفة، ولكن لا يمكنهم الاستغناء عنه، لأنهم لا يملكون خيارا آخر سواه. وعند مواجهتنا لسعيد بأنه إذا تعرض لحادثة لا قدر الله فإن شركة التأمين لا تتحمل مسؤوليته أجاب «لي دارها الله مرحبا، واش نديرو نبقو هنا؟». من جهته أضاف مواطن فضل عدم الكشف عن اسمه، أنه «إذا أرادت الدولة أن تطبق القانون فعليها أن تقترح البديل فبغير هؤلاء «الخطافة» سنبقى محاصرين في دواويرنا ، فمن سيوصلنا إليها غيرهم، خاصة في أيام الأعياد التي تعرف عودة لأبناء المنطقة العاملين بمختلف المدن». وللإشارة فقد وقعت عدة حوادث سير لهذه العربات خلفت ضحايا، كان آخرها الحادثة التي شهدها السوق الاسبوعي لجماعة أيت مزيغ يوم الإثنين 20 يوليوز 2015 و لحسن الحظ لم تخلف إلا إصابة شخص إصابات خفيفة. يذكر أن وزارة الداخلية منحت بعض رخص نقل الأفراد في إطار ما يسمى بالنقل المزدوج في هذه المناطق ، ورغم إيجابية تلك العملية، فإنها تبقى غير كافية لمحدودية مقاعد تلك العربات و اقتصارها على الطرق المعبدة. دعوة للتدخل وسط جدل مدى «مشروعية» النقل السري، لا أحد ينكر أن هذه الظاهرة أصبحت أمرًا واقعاً ينبغي التعامل معه بمقاربة جديدة تأخذ بعين الاعتبار مصالح المواطنين بعيداً عن المقاربات القانونية الضيقة. ولهذا تطلب الساكنة المتضررة من رؤساء جماعاتهم والسلطة المحلية، والجهات المسؤولة محلياً وجهوياً ووطنياً، التدخل العاجل لإيجاد حل لأزمة تنقلهم، والمطالبة بمنح رخص استثنائية لسيارات النقل السري قصد توفير وسائل التنقل لهم وفك العزلة عنهم. صحافي متدرب *