تحول مشكل النقل إلى محنة يومية للعديد من سكان دواوير المجاطية بمديونة وأولاد حدو ببوسكورة، نظرا لانعدام الحافلات التي تقلهم من دواويرهم إلى وسط المدينة، الأمر الذي يجعلهم يرتمون في أحضان سيارات النقل السري التي أصبحت وسيلة أغلبية السكان بدواوير الحلايبية والبقاقشة ومومنات وامزاب ولوزين وعين الحلوف واللوز والتقلية ولمكانسة وكازابيس...، ويشجع السكان على ذلك انخفاض ثمنها واختراقها لكل الدواوير المذكورة بكل يسر وسهولة. «كازابيس... حيمود... الحلايبية... الطريق... خاصا غير بلاصة وتزيد...» أسماء دواوير مختلفة كانت تخرج تباعا من حناجر ممتهني النقل السري «الخطافة» بزاوية الملتقى الطرقي لطريق مديونة قرب محطة الحافلات 81 مع شارع امكالة المؤدي إلى إذاعة عين الشق، تصطف العديد من السيارات المخصصة لهذا الغرض والمختلفة النوع فهناك رونو 18 و 21 و 25 و بوجو 405 و 205...، بل حتى السيارات الحديثة دخل أصحابها غمار النقل السري مثل باتنر وكونغو...بعد أن وجدوا صعوبة في الاستجابة لمتطلبات الحياة اليومية لأسرهم ، كما عبر عن ذلك أحد السائقين «اسمع أخويا والله العظيم إلا ماخدمتش في تخاطفت أو متحركتش أولادي كيبقاو بالجوع». ونفس الرأي عبر عنه العديد من «الخطافة» الذين وجدوا في «النقل السري» الحل المؤقت لجلب رغيف الخبز لأبنائهم رغم معاناتهم اليومية مع رجال الدرك والبوليس.. اعتاد أغلبية «الخطافة» الوقوف في نفس النقطة منذ سنوات، حيث تتخذ كمنطلق لكل الرحلات نحو الدواوير السالفة الذكر التي عرفت نموا ديموغرافيا سريعا بسبب انتشار البناء العشوائي والذي نتج عنه توافد المئات من المواطنين على اسباتة وعين الشق ومركز المدينة...من أجل العمل وطلب العلم، في رحلة لا تتعدى 20 دقيقة مرورا بكازابيس وزيز وعين حلوف قبل الوصول إما إلى جوف دوار الحلايبية أو إلى وسط دوار البقاقشة. تقول إحدى الراكبات «أركب دائما مع الخطافة من أجل الذهاب إلى عملي في الخياطة بحي الأسرة، والجميع من سكان دواوير عين الحلوف ...يفضلون سيارات النقل السري بسبب انخفاض ثمنها مقارنة مع الطاكسيات و يمكنك أن تقل معك أي شيء تريد من القفة و كيس الدقيق...و إيصالك إلى باب بيتك، الأمر الذي يستعصي على وسائل النقل المرخص في إشارة إلى الطاكسيات التي يرفض أصحابها الدخول إلى وسط الدواوير و يفرضون سعر 6 دراهم للراكب الواحد مقابل 4.00 عند سيارات النقل السري». يحمل «الخطافة» مابين 8 إلى 9 من الركاب، أربعة في الصف الأمامي و الباقون في الصف الخلفي، يتم تصفيفهم بعناية يصعب فعل مثلها في باقي السيارات الأخرى، بسبب قوة الهيكل خصوصا رونو 18 التي يقبل عليها الخطافة بفعل قدرتها على تحمل الطرقات الوعرة غير المعبدة و حملها للركاب و ثقل سلعهم من أكياس الحبوب و الخضراوات... منذ الساعات الأولى للصباح يبدأ «الخطافة» في البحث عن الزبناء ، بينهم عاملات المعامل بحي الأسرة أو المتوجهات إلى حي الإنارة أو الحي الصناعي بالتشارك وكل من وجدوا في الخطافة وسيلة للتنقل بثمن مناسب لا يتعدى 4.00 درهم و الوصول إلى عدة نقط مختلفة لا تصل إليها وسائل النقل الأخرى! الرواج بالنسبة للخطافة يكون في فترتي الصباح والمساء، أما في غيرهما، فإنهم ينتظرون عدة دقائق من أجل أن تمتلئ مقاعد سياراتهم بالعدد اللازم من الركاب الذي قد يصل إلى 9. بعد الفترة الصباحية يفضل بعض «الخطافة» الاجتماع في أحد المقاهي بالمنطقة لتجاذب أطراف الحديث فيما بينهم في انتظار الفترة المسائية، وغالبا ما يكون محور الحديث و النقاش حول صعوبة المهنة في ظل الحملة التي تشنها الشرطة عليهم، حيث تم، في العديد من المرات ، حجز العشرات من السيارات وتكسير زجاجها و أضوائها و إتلاف محتوياتها و وضعها بالمحاجز البلدية لعمالة عين الشق ،الأمر الذي جعل المتضررين يندبون حظهم العاثر خصوصا وأنهم بدون عمل يمكنه أن يدر عليهم مدخولا يستعينون به على متطلبات الحياة الصعبة في انتظار إخراج سياراتهم. وتمتد الفترة المسائية إلى حدود العاشرة ليلا حين تتوقف الحركة في الشوارع و الأزقة و هناك بعض «الخطافة» ممن يفضلون الاستمرار في العمل ليلا إلى حدود الساعة الثانية أو الثالثة ، في انتظار زبناء آخر الليل ممن تفرض عليهم ظروفهم العملية التأخر، لنقلهم إلى منازلهم بدواوير المجاطية وبوسكورة. ويعترف العديد ممن التقينا بهم بأنهم يشتغلون خارج أي ضوابط قانونية ويعترفون أيضا بأنهم يسببون الفوضى في الطريق الرئيسية و يتسببون في عدة مشاكل لمستعملي الطريق، إلا أنهم يؤكدون بالمقابل على أنهم يقدمون خدمات كثيرة لسكان الدواوير المجاورة للعاصمة الاقتصادية ويفكون العزلة عن المواطنين البسطاء بثمن رمزي في ظل انعدام وسائل النقل يمكنها سبر أغوار الدواوير العشوائية بكل من عين الحلوف بمديونة و بوسكورة باولاد حدو، لذلك فإن أملهم هو أن تلتفت إليهم الجهات المسؤولة و تعمل على تقنينهم ، خاصة وأنهم يعيلون أسرا كثيرة من مهنة النقل السري و يأملون في أن يتم فتح حوار جاد معهم بهدف إيجاد مخرج حقيقي لوضعيتهم، في ظل «علاقة التوتر» بينهم وبين الشرطة، والتي أصبحت مشاهد يومية بطريق مديونة قرب نهاية الخط 81 بسباتة! من جهتهم، عبر الركاب المعنيون عن رغبتهم في أن يتم وضع حد لعذابهم اليومي مع وسيلة النقل، محملين الجهات المعنية المسؤولية، جراء تقاعسها عن توفير وسائل للنقل بأثمنة معقولة باستطاعتها إيصالهم إلى وجهتهم المقصودة، حيث تتواجد دواويرهم، كما أكد مصدر مسؤول للجريدة ، بأن الحملات التمشيطية التي تقوم بها الشرطة، بين الفينة والأخرى، لا يمكنها أن تؤدي إلى حل جذري للأزمة، وبالتالي على الجميع البحث عن حل عملي يُنهي معاناة الركاب ويضمن احترام القانون، بعيدا عن أية أخطار محتملة.