ضعف مهول في معارف ومهارات التلاميذ الأساسية ينتهي بفشل دراسي وانقطاع مبكر يرفع نسبة الهدر المدرسي عبد الكريم مفضال :خلصت مختلف الدراسات والتقارير، سواء قبل الميثاق الوطني للتربية والتكوين أو أثناء أجرأة دعاماته خلال عشرية الإصلاح، إلى أن الوسط القروي يكاد يختزل عمق أزمة التعليم الوطني. آخر هذه الخلاصات تقرير المجلس الأعلى للتعليم، الذي كشف ضعف المردودية الداخلية للمدرسة الابتدائية بالوسط القروي، وخلص إلى ضعف فظيع في ما يتعلق بتحكم المتعلمين في المعارف والمهارات الأساسية، وتحديدا القراءة والكتابة والحساب، ما يفضي مباشرة إلى الفشل الدراسي فالانقطاع المبكر عن الدراسة. وخلصت هذه التقارير أيضا إلى أن نسبة مهمة من متمدرسي القرى يغادرون المدرسة الابتدائية دون مستوى معرفي يذكر مما يساهم في رفع نسبة الهدر المدرسي. ويعزى هذا الوضع التعليمي المأساوي، حسب الدراسات نفسها إلى الظروف والعوامل التي تحيط بالعملية التعليمية في الوسط القروي، والتي تحاصر المدرس والمتمدرس على حد سواء. أولى الصعوبات التي تعترض التلاميذ تتجسد في البعد عن المدرسة، إذ تضم كل جماعة قروية عددا من المدارس المركزية، وتدور في فلك كل منها عدة مدارس فرعية حسب القروى والدواوير، وقد تبعد المدرسة الفرعية أحيانا عن المركزية بعشرات الكيلومترات، وقد يقطع التلاميذ يوميا ما يفوق عشرة كيلومترات. يضاف إلى ذلك صعوبة التضاريس والمناخ΅ فأغلب الفرعيات تحدث في دواوير معزولة تفتقر إلى الطرق المعبدة أو المسالك الموصلة، وتزداد الصعوبة أمام غياب تام لوسائل النقل، والمناخ المتقلب، المتميز بالحرارة صيفا والأمطار والرياح والعواصف والثلوج شتاء، ما يسبب للتلاميذ إرهاقا جسديا وأزمات نفسية، يضاف إلى ذلك افتقاد هذه المدارس إلى قنوات المياه الصالح للشرب والربط الكهربائي΅ فيما لا تتوفر الإعداديات على داخليات تضمن التغذية والإيواء للمتمدرسين، سيما القاطنين بالقرية، أما الفضاءات فعبارة عن بنايات مهجورة أقرب إلى الاصطبلات من أن تجسد فضاءات تليق بممارسة التربية والتعليم. وتكاد الإكراهات والصعوبات الجغرافية والمناخية والتجهيزية نفسها تواجه المدرسين والمديرين على حد سواء، إذ يقطع هؤلاء يوميا مسافات طويلة بين مقار سكناهم ومقرات عملهم بالمركزيات أو الفرعيات باعتماد وسائل النقل المتاحة، إذا ما توفرت، وتتراوح بين العمومي والسري المحظور والدواب المختلفة، مع ما يرافق هذا التنقل من مخاطر، وقد تستغرق الرحلة أحيانا يوما كاملا، إضافة إلى التقلبات المناخية التي تتخذ، حسب المناطق، شكل عواصف مطرية أو رملية أو رياح عاتية أو فيضانات مباغته. إنها معاناة حقيقية "تتوج" بتحويل إحدى قاعات الدرس إلى غرفة للنوم والطهو والطعام ضمن منظر يثير التقزز، وفي إطار أثاث يستدعي الشفقة. وأمام هذا الوضع، يتساءل عدد من الممارسين، والمهتمين عموما، حول كيف يمكن لمدرسين، في ظل هذه الشروط، أن يهتموا بالمستجدات التربوية وبالتكوين الذاتي؟ ومن أين لهم بالكتب والمراجع والمتابعة الإعلامية؟ بل إن حتى زيارة المفتشين التربويين تستعصي، والنتيجة الحتمية لذلك تتلخص في انعدام التأطير التربوي الحقيقي والمستمر، وتبخر حقوق المدرسين في ترقياتهم، سواء بالنسبة الى الرتبة أو في السلم. وعلى سبيل الاستخلاص، فإنه لا مجال للحديث عن تكافؤ الفرص التعليمية بين تلاميذ الوسط الحضري ونظرائهم بالوسط القروي، إذ توجد فوارق شاسعة كما وكيفا بين العينتين بشهادة أغلب المدرسين، وحسب ما اثبتته الدراسات الميدانية، فإن الحيف نفسه القائم بين تلاميذ الحواضر وزملائهم في القرى، ينسحب في شكل انعدام تكافؤ الفرص بين الذكور والاناث داخل الوسط القروي نفسه، فالفتاة القروية، لا تكاد تلج المدرسة في عدة مناطق من المملكة لعدة أسباب، في مقدمتها وعورة المنطقة وبعد المدرسة عن محل السكن، وتخوفات الآباء والأمهات، فضلا عن ما يؤطر ذلك من ثقافة سائدة محليا. وإذا كتب للفتاة أن تتمدرس، فإنها لا تلبث أن تغادر المدرسة في سن مبكرة من أجل مساعدة الأسرة في أعمال البيت والحقل والرعي والحطب والسقي...