المغرب يتسلم رئاسة التحالف الإفريقي للعلوم والتكنولوجيا لتعزيز التنمية المستدامة    إدعمار يهيئ أعضاء حزبه بتطوان لانخراط قوي في المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية    إضراب عام في القطاعين العام والخاص احتجاجا على الأوضاع الاجتماعية والغلاء    دراسة: الجمع بين الرياضة والوزن الصحي يمكن من الحد من خطر الإصابة بالسرطان    الاتحاد الأوروبي يحذر من رسوم ترامب.. ستؤدي إلى التضخم وتضر بالاقتصاد العالمي    فتح تحقيق جنائي بحقّ زوجة نتانياهو    بعد انضمامه للأهلي.. بنشرقي: اخترت نادي القرن لحصد الألقاب    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    تعليق الدراسة ببعض مناطق اقليم الحسيمة تقلبات الاحوال الجوية    أخبار الساحة    الدوري الاحترافي يستأنف نشاطه    طنجة: انعقاد الاجتماع الثاني والستين للمجلس التنفيذي لمنظمة المدن العربية    "الجبهة المغربية" ترفض "تهريب" نصوص قوانين إلى البرلمان    ولي عهد السعودية يستقبل الرئيس الشرع    الشبكة المغربية لهيآت المتقاعدين تحتج ضد تجاهل الزيادة في المعاشات    أسعار المحروقات تشهد زيادة "طفيفة" للمرّة الثانية توالياً خلال شهر بالمغرب    المغاربة أكثر الجاليات اقتناء للمنازل في إسبانيا    اقتراب كأس إفريقيا يُسرّع وتيرة الأشغال بملعب طنجة الكبير    استثمارات كبرى لتعزيز التنمية في الناظور.. البنك الدولي يدعم مشاريع البنية التحتية بقيمة 250 مليون دولار    العثور على مهاجر مغربي مقتول داخل سيارته بإيطاليا    نشرة إنذارية (تحديث): تساقطات ثلجية وأمطار قوية مرتقبة من الأحد إلى الثلاثاء بعدد من أقاليم المملكة    درك شفشاون يطيح ب"ملثم" سطا على وكالة لتحويل الأموال    بعد أيام من الغموض .. الشرطة البريطانية تفك لغز اختفاء تلميذتين مغربيتين    تحولات "فن الحرب"    مصالح مديرية الضرائب تضع حسابات مقاولات "العجز المزمن" تحت المجهر    من طنجة.. تتويج رشيد البقالي بجائزة عبد الله كنون للفكر والأدب المغربيين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مكتب الصرف: تحويلات مغاربة العالم فاقت 117,7 مليار درهم سنة 2024    وهبي: العدالة الانتقالية تجربة وطنية رائدة أفضت إلى تعزيز المصالحة بين المجتمع المغربي وتاريخه    الزوبير بوحوت يكتب: السياحة في المغرب بين الأرقام القياسية والتحديات الإستراتيجية    توقيف ثلاثة مواطنين صينيين بتهمة قرصنة المكالمات الهاتفية    القيمة السوقية لدوري روشن السعودي تتخطى المليار يورو    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    القنيطرة... اختتام دوري أكاديميات كرة القدم    حكومة أخنوش تتعهد بضمان وفرة المواد الاستهلاكية خلال رمضان ومحاربة المضاربات    هكذا يخطط المغرب لتعزيز أمن منطقة الساحل والصحراء    الإعلام في خدمة الأجندات السياسية والعسكرية    الرجاء البيضاوي يتجه إلى إلغاء الجمع العام مع إناطة مهمة الرئاسة إلى بيرواين حتى نهاية الموسم    روبرتاج بالصور.. جبل الشويحات بإقليم شفشاون وجهة سياحة غنية بالمؤهلات تنتظر عطف مسؤولين للتأهيل    تجميد المساعدات الأميركية يهدد بتبعات خطيرة على الدول الفقيرة    دراسة: هكذا تحمي نفسك من الخَرَفْ!    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    الجمعية المغربية لدعم إعمار فلسطين تجهز مستشفى الرنتيسي ومستشفى العيون باسطوانات الأكسجين    استئناف المفاوضات بين حماس وإسرائيل الاثنين بعد رابع عملية تبادل للرهائن والمسجونين    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيق: خلفيات ما جرى في مؤتمر 'الاتحاديين' قبل محطته الثاني
نشر في لكم يوم 12 - 01 - 2013

يعقد الاتحايون يوم السبت 12 يناير الشوط الثاني من مؤتمرهم لانتخاب الهيئات التسييرية للحزب، أي المكتب السياسي (أعلى هيئة تنفيذية)، واللجنة الإدارية (بمثابة برلمان الحزب)، إلا أن هذا المؤتمر يعقد في ظل وجود انشقاقات حادة بين صفوف المؤتمرين ما بين مؤيدين للكاتب الأول الجديد إدريس لشكر، والمشككين في نزاهة انتخاباته في الشوط الأول من المؤتمر الذي عقد قبل شهر تقريبا، بعض هؤلاء انسحبوا من المؤتمر ولن يحضروا شوطه الثاني، والحاضرون منهم هم من صوتوا لصالح أحمد الزايدي الذي أتبثت نتائج انتخبات الكاتب الأول في دورتها الثانية أن من صوتوا عليه يمثلون القوة الثانية داخل صفوف الحزب.
تحقيق: علي أنوزلا
هذه القوة مازالت موجودة وستسعى خلال الشوط الثاني من المؤتمر إلى فرض شروطها على الكاتب الأول الجديد. فقد ظلت المشاورات جارية بينه وبين معارضيه حتى ساعة متأخرة من ليلة انعقاد الشوط الثاني من المؤتمر للبحث عن صيغة توافقية ترضي الطرفين. وبالتالي فإن ما سيحسم في نجاح الشوط الثاني من المؤتمر هو "التوافق" وليست "الديمقراطية" التي ظل الحزب يناضل من أجلها منذ أن تأسس في منتصف سبعينات القرن الماضي.
اتهامات متبادلة
جوهر الخلاف بين مؤيدي الكاتب الأول الجديد وخصومه يعود بالدرجة الأولى إلى التشكيك في نزاهة انتخابات الدورة الثانية لاختيار الكاتب الأول للحزب والتي جرت في نهاية الشوط الأول من المؤتمر المنعقد ببوزنيقة ما بين 14 و16 ديسمير الماضي. فبعد تلك الانتخابات خرج أحمد الزايدي المرشح الثاني للكتابة الأولى الذي واجه إدريس لشكر في الدورة الثانية، وصرح لوسائل الإعلام بأن "جهات خارجية" تدخلت في انتخابات الكاتب الأول للحزب، وعاد في تصريحات أخرى وأشار إلى وزارة الداخلية مباشرة بأنها الجهة التي تدخلت في تلك الانتخابات لصالح منافسه إدريس لشكر. لكن الزايدي لم يفصح عن طريقة تدخل وزارة الداخلية ولا عن الجهة المباشرة داخل أجهزتها الذي تدخلت مباشرة لصالح منافسه.
من المستفيد من ترجيح كفة لشكر؟
للبحث عن الجهة التي يفترض أنها تدخلت لصالح مرشح ضد آخر حاول موقع "لكم. كوم" تحري لمعرفة ماجرى قبيل وخلال انعقاد مؤتمر الاتحاديين. والبداية انطلقت من البحث عن الجهة المستفيدة من ترجيح كفة مرشح ضد آخر، وذلك من خلال استعراض مواقف المرشحين الأربعة الذين تقدموا أول الأمر للتنافس على الكتابة الأولى.
أرنب السباق
إذا ما بدأنا بالمرشحان اللذان خرجا من حلبة المنافسات منذ الدورة الأولى، سنجد أن الحبيب المالكي كان "مرشح نفسه"، وهو نفسه أعلن عن ذلك في أكثر من مناسبة، وطيلة حملته الانتخابية كان يصرح بأنه لم يقم بأية حملة لصالحه وإنما سيترك للاتحاديين حرية الاختيار بناء على البرنامج الذي تقدم به. ومنذ البداية كان المالكي يعتبر الحلقة الأضعف من بين المرشحين الأربعة، فهو قبل غيره يدرك أن ماضيه يسبقه، خاصة ما يحكى عن علاقاته مع إدريس البصري، وزير الداخلية القوي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني. وجاءت نتائج الدورة الأولى لتبين أن المالكي لم يكن في الحقيقة سوى "أرنب سباق" تطوعي. وقد برز هذا الدور خلال انعقاد آخر اجتماع للمكتب السياسي للحزب قبيل المؤتمر تحت رآسة الكاتب الأول السابق عبد الواحد الراضي، ونسبة إلى مصادر حضرت ذلك الاجتماع فقد تدخل المالكي بقوة للإعتراض على النظام الإلكتروني الذي كان سيتم بواسطته الإقتراع لاختيار الكاتب الأول المقبل، ووصل الأمر بالمالكي إلى التهديد بالكشف عما هو مستور وراء ذلك النظام إذا لم تتم الاستجابة إلى مطلبه. وبعد الحاح وتهديد، حضى المالكي بتأييد كل من لشكر والزايدي لمقترح إلغاء التصويت الإلكتروني الذي كان يقف ورائه فتح الله ولعلو الذي ظل صامتا طيلة ذلك الاجتماع أمام تهديدات المالكي بالكشف عما كان يرتب له وراء استعمال ذلك النظام الإلكتروني الذي الغي في نهاية المطاف.
الحصان الأسود
ظل فتح الله ولعلو، أحد المرشحين للكتابة الأولى للحزب الذي أقصي في الدورة الأولى، يتكتم على رغبته في الترشح للكتابة الأولى حتى قبيل انعقاد المؤتمر التاسع بأسابيع قليلة، بل إنه سبق له أن أسر إلى مقربين منه عدم رغبته الدخول إلى حلبة المنافسة. و حسب معلومات استقاها موقع "لكم. كوم" من مصادر موثوقة، فقد قال ولعلو لمخاطبيه إنه طيلة حياته الحزبية لم يرشح نفسه لأية مسؤولية وإنما كان "إخوانه" داخل الحزب هم يرشحونه. وهو ما فهم منه آنذاك وجود رغبة كامنة لديه للترشح تنتظر فقط من يعطيها الضوء الأخضر للإنطلاق. وسيأتي الضوء الأخضر أثناء اجتماع لولعلو بصفته عمدة للرباط، في مقر وزارة الداخلية لتقييم مؤتمر لعمداء المدن عقد بالعاصمة السينغالية دكار. فخلال ذلك الإجتماع، وحسب شهود عيان سيتم "طلب" ولعلو "على عجل"، لمقابلة مسؤول كبير بالوزارة التي كان يصفها الاتحاديون ب "أم الوزارات"، وبعد خروج ولعلو من ذلك الاجتماع "الطارئ" الذي لا يعرف ما دار فيه بين ولعلو والمسؤول الكبير في وزارة الداخلية، سيسر لأحد مرافقيه بقراره الترشح لمنافسات الكتابة الأولى، وسيبدأ "الإعداد التقني" للمعركة المقبلة من خلال اقتراحه التعاقد مع شركة معلوماتية حتى يكون التصويت في المؤتمر المقبل تصويتا :"إلكترونيا". فولعلو الذي ظل لعشر سنوات يشغل منصب وزير المالية، التي سبق أن قال عنها أحد وزارء حكومة عبد الرحمن اليوسفي بأنها هي "أم الوزارات الحقيقية"، سعى دائما إلى أن يقدم نفسه في صورة "القائد الاتحادي الحداثي"، ليس فقط من حيث المواقف والمبادي التي يدافع عنها، وإنما أيضا من خلال تبنيه لمفاهيم وتقنيات الحداثة بما فيها "التصويت الإلكتروتي". لكن خلف هذه الصورة تكمن شبكة معقدة من العلاقات نسجها ولعلو طيلة مساره داخل دهاليز السلطة مع ما يسمى ب "المخزن الاقتصادي"، الذي كان ولعلو يمثل أحد أوجهه داخل حزب عبد الرحيم بوعبيد، منذ توليه وزارة المالية في عهد حكومة التناوب. وحتى قبيل الإعلان عن نتائج الدورة الأولى من انتخابات الكاتب الأول للحزب في الدورة الأولى للمؤتمر كان ولعلو بمثابة "الحصان الأسود" الذي كان الجميع ينتظر مفاجئاته خاصة من راهنوا عليه في آخر لحظة ودفعوه إلى الترشيح، لذلك وقف ولعلو حتى داخل المؤتمر وطيلة اليوم الثاني من أشغاله معطلا أعماله عند تشبثه بالاقتراع الالكتروني وعندما فشل في فرض اختياره عرف قبل غيره أنه فقد حظه في الفوز لذلك انسحب قبيل الإعلان عن نتائج الدورة الأولى من انتخاب الكاتب الأول وأغلق هاتفه.
المرشح البديل
بالنسبة لأحمد الزايدي، المرشح الذي احتل المركز الثاني فترشيحه جاء بمحض الصدفة كما يقول المقربون منه، فخلال فترة الإعداد للمؤتمر سعى محمد اليازغي، الكاتب الأول الأسبق للحزب الذي مازال يشعر بالإهانة من خلال الطريقة التي أزيح بها من الكتابة الأولى للحزب قبل سنوات، إلى إعادة الاعتبار لماضيه كرجل ظل يعتبر بمثابة "عقل الحزب التنظيمي". وبحكم عامل التجربة بدأ اليازغي قبل عدة شهور إعداد العدة ل "معركة الكرامة"، كما سماها أحد أنصاره، والبداية انطلقت من اختياره لأحد "فرسان" المسابقة، وهكذا تم الترويج لاسم الوزير السابق أحمد الشامي كمرشح يحظى بدعم مجموعة من "الإخوان". وحتى قبل أن يحتدم وطيس الحملة الإنتخابية سيشتكي "الفارس" من سهام حملة الخصوم التي أصابته في مقتل، وفي منتصف الطريق سيترجل ليضع "الإخوان" في موقف حرج كان عليهم البحث عن بديل له في أسرع وقت، فوقع الاختيار على أحمد الزايدي باعتباره الأقرب إلى "البروفايل" الذي راهن عليه فريق اليازغي لخوض "معركة الكرامة". فالزايدي يبقى مدينا لليازغي بمساندته له في أول انتخابات سيخوضها بوصفه "اتحاديا" ببلدته بوزنيقة في تسعينيات القرن الماضي. ففي تلك الانتخابات تم تزوير انتخابات دائرة الزايدي، وقام السكان بتنظيم مسيرة نحو القصر الملكي بالبلدة احتجاجا على تزوير إرادتهم، وفي ظل احتدام الصراع بين القصر و"الكتلة الديمقراطية" آنذاك سينزل محمد اليازغي بصفته آنذاك كاتبا أولا بالنيابة، وامحمد بوستة بصفته أمينا عاما لحزب "الاستقلال" لمناصرة الزايدي كمرشح ل "الكتلة"، ضد تزوير إدريس البصري. كان اليازغي يأمل في أن يتكرر مشهد صورته هو و امحمد بوستة يرفعان يدي المرشح الشاب أمام سكان بلدة بوزنيقة، على أن يبدو هذه المرة في خلفية المشهد كمخرج ينأى بنفسه عن الأضواء الكشافة. لكن ما خطط له اليازغي و"إخوانه"، هو نفسه ما فكر فيه خصومه، وخصوم اليازغي كثر من داخل ومن خارج الحزب ومن وسط مربع السلطة ممن لا زالوا يرون في اليارزغي نزعة الاتحادي الذي لا يمكن الثقة فيه. هذه اللعنة هي التي ستصيب الزايدي، فالرجل لا يجر ورائه أي ماض يمكن أن يضعه موضع شك، لكن السلطة، حسب المعلومات التي استقاها الموقع من مصادر مطلعة لم تكن ترى فيه سوى مرشحا ل "اليازغي"، الذي سعت نفس السلطة إلى قتله فعليا ورمزيا، عدة مرات وكل مرة كان ينبثق من رماده مثل طائر فينق عصي عن كل قتل رمزي. وهكذا سيتلقى الزائدي، حسب مصادر مقربة منه، أكثر من إشارة من جهات وأجهزة تشتغل في الخفاء لتثنيه عن الانسحاب المبكر من المعركة التي كانت تريد أن تجنبه خسارتها المحسومة مسبقا.
وبالمقابل، كان خصم الزايدي في المنافسات النهائية يعي أن المعركة مع منافسه ستكون قوية، ففارق الأصوات بينهما في الدورة الأولى لم يكن يتجاوز 90 صوتا لصالح لشكر. وبعد اختفاء ولعلو المفاجئ وحتى قبيل الإعلان عن نتائج انتخابات الدورة الأولى ترك الذين منحوا أصواتهم له في مهب رياح ذلك اليوم البارد من أيام بوزنيقة، فبدأت الاستقطابات وأعمال "الكولسة" مستعملة ما هو مشروع وما غير مشروع منها. وتحركت الهواتف لإملاء التعليمات. ولعل هذا ما وصفه أحمد الزايدي فيما بعد بأنه تدخلا للإدارة الترابية في انتخابات الكاتب الأول للحزب. وحسب معلومات استقاها الموقع من مؤتمرين، فإن أكثر من عمالة وولاية كانت تتابع عن كثب من خلال المؤتمرين التابعين إلى سلطتها الترابية نتائج انتخابات الكاتب الأول، سواء عبر الهاتف أو الرسائل الهاتفية القصيرة التي كانت تستفسر المؤتمرين عن آخر التطورات، وفي بعض الحالات، حسب ما كشفت عن ذلك مصادر من المؤتمرين فإن الاتصالات فاقت أحيانا أكثر من إحدى عشر اتصالا من نفس الأرقام من مسؤولين في الإدارة الترابية في جهات من المملكة كانوا يتصلون بمؤتمرين ينتمون إلى مناطق سلطتهم الترابية للاستفسار عن آخر تطورات المؤتمر. وسيكشف الزايدي، بعد ذلك إلى بعض الصحافيين بأنه لما علم بالأمر اتصل برئيس المؤتمر عبد الواحد الراضي لإخباره بما يجري، فطلب منه هذا الأخير أن يحضر الأشخاص الذين تلقوا تعليمات بالتصويت من خارج المؤتمر أو يحضر شهودا على ما يقول، وهو ما اعتبره اليازغي، حسب المصادر التي تحدثت إليه على أنه تعجيزا وعجزا من قبل الكاتب الأول للحزب الذي كان على علم بكل ما جرى.
المرشح الضرورة
كان على إدريس لشكر، أن يعبر الشارع الذي يمر أمام مقر إقامته الفاخرة بين إقامات محظوظي "العهد الجديد"، ليكتشف أن جاره في سكنه الجديد ليس سوى عبد العزيز مزيان بلفقيه، المستشار الملكي الراحل الذي من بيته دخل لشكر إلى بيت "طاعة السلطة". فقد خرج لشكر من المؤتمر الثامن لحزب "الاتحاد الاشتراكي" رافعا لواء المطالبة بالملكية البرلمانية. ولممارسة الضغط على السلطة التي كان يعتقد أنها انتقمت منه في انتخابات 2007، سيعلن تحالفه مه مصطفى الرميد الذي كان آنذاك هو الآخر يرفع لواء "المزايدة" على أمين حزبه العام عبد الإله بنكيران. لكن السلطة التي كانت تراقب تحركات الرجلين عن كثب ستستدعي لشكر لتعينه وزيرا في الحكومة، وليس أي وزير، وإنما وزيرا للعلاقات مع البرلمان، لتؤكد للشكر ولغيره، أن إرادة السلطة أقوى من "الإرادة الشعبية"، التي أسقطته في انتخابات 2007، فأدخلته السلطة إلى قبة البرلمان وزيرا معززا مكرما. ومنذ ذلك "الحادث" سيخفض لشكر جناح معارضته للسطلة ليتحول إلى "الفرس" الذي يمكنها الرهان عليه عند الحاجة. وبعد وصول الإسلاميين إلى الحكومة، ستجد السلطة نفسها في حاجة إلى أشخاص مثل حميد شباط وإدريس لشكر للجم طموحات رجل مثل بنكيران، لذلك كان واضحا بالنسبة لكثير من المراقبين أن لشكر سيكون المرشح المفضل عند الجناح الأمني داخل السلطة. فمصالح هذا الجناح تلتقي مع طموحات لشكر الذي تسعفه براغماتيته في تبرير كل شئ من أجل بلوغ مصلحته وبعد ذلك فهو، كمحامي، يملك من قدرة كبيرة في المرافعة من أجل اقناع أنصاره بأن مصلحته هي مصلحة الحزب.
ولحسم "فوزه" المبكر سعى لشكر الذي عرف كيف يظهر في الصورة "كمرشح عضوي"، لا تقف ورائه سوى إرادته وقناعاته، فنزل إلى "الواقع" يحشد الأصوات لترشيحه. ومن بين من "أقنعهم" بصواب فكرة ترشحيه، "مناضلو" حزبه أو من هم محسوبين على حزبه بالأقليم الجنوبية، من مدينة كلميم حتى مدينة العيون، فبحكم انتماء لشكر إلى قرية "تاغجيجت"، الواقعة في جبال الأطلس الصغير، والمنتمية إلى الإدارة الترابية لولاية كلميم الكبرى، سعى لشكر مبكرا لإستقطاب مؤتمري تلك الجهة معتمدا عل "النعرة الإثنية" لبني عمومته من قبائل آيت باعمران التي ينتمي إليها ثري الصحراء حسن الدرهم، أحد أعيان الحزب في الصحراء الذي نجح بحكم علاقاته مع السلطة ووسائله المادية في استقطاب بني عمومته إلى حزب "الاتحاد الاشتراكي"، وتحويلهم إلى "كائنات انتخابية" تقع تحت تأثير السلطة في المنطقة مثل كل "الكائنات" الانتخابية التي تصنعها السلطة لتتحكم فيها. فوراء رجل مثل الدرهم كان يقف 90 مؤتمرا صوتوا كرجل واحد لصالح لشكر في الدورة الثانية، وعندما سأل الموقع أحد هؤلاء المؤتمرين لماذا منحوا صوتهم إلى لشكر، أجاب بكل بساطة لأن الدهم وعده بذلك عندما زاه لشكر في العيون قبل انعقاد المؤتمر بثلاثة شهور.
لقد نجح إدريس لشكر في الماضي في كسر شوكة "الإتحاد الوطني لطلبة المغرب"، في مؤتمره السابع عشر الذي ظل معلقا منذ ثمانينات القرن الماضي إلى يوم الناس هذا. فعل لشكر ذلك آنذاك بإيعاز من "التيار الإصلاحي" المتحالف مع الخزن، ضد "التيار الراديكالي"، الذي كان يصفه لشكر ورفاقه آنذاك بالتيار العدمي والبلانكي، فهل سعيد التاريخ اليوم نفسه؟ وإذا صحت المقولة المأثورة، فإن التاريخ عندما يعيد انفسه فإنه يفعل ذلك بطريقة مشوهة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.