يتبين للمتبع للمشهد السياسي المغربي ان الامور لا تسير فيه وفق منطق عقلاني او على الاقل بشكل منسحم. فإذا كانت مؤتمرات الأحزاب تشكل مناسبة لتجديد النخب كما انها فرصة للتخلص من اخرى التي ابانت طيلة تسيرها للحزب عن عدم كفاءتها، فن الامر بالمغرب يبدوا غير دلك فمؤتمري حزبا الاستقلال و الاتحاد الاشتراكي اوصلا الى قيادتهما اشخاصا لا تتوفر فيهما ادنى شروط القائد السياسي الذي تتطلبه اولا المرحلة المغربية و ثانيا السياق التاريخي الذي تمر منه منطقة شمال افريقيا. ان اختيار القيادات السياسية ليس عملا اعتباطيتا، بل هو يدخل في سياق استراتجية حزبية خاصة كما قد تتحكم فيه استراتجية عامة، يتحكم في مخرجاتها فاعلون خارج الهيئة الحزبية المعنية في المقام الاول. اذا كانت الذاكرة السياسة المغربية حافلة بتدخل الفاعل الرئيسي في اللعبة السياسية المغربية تحدثنا عن عدة اشكال التدخل طيلة الخمسين سنة الماضية، فقد يكون هذا التدخل بشكل مباشر عن طريق تأسيس كيانات سياسية بأجندة ظرفية و محددة مسبقا من طرف الجهة المنشئة لتحقيق التوازنات السياسية في ظرفية تاريخية معينة و تجسد "الفديك" و "الاصالة و المعاصرة" هذا النموذج بامتياز او بطريقة غير مباشرة او ما يطلق عليه التحكم عن بعد "Remote control" اما بمنع الاحزاب و الاطارات التي قد تشوش على مشروعات و برامج السلطة المتحكمة بتوظيف القضاء لإبعاد أي شبهة او عن طريق انزالات لصالح احد المرشحين في الاحزاب خصوصا تلك التي جربت وساهمت في ممارسة بعض مظاهر السلطة و ليس الحكم لمدة معينة كحال الاتحاد الاشتراكي باللجوء الى الاعيان لتعبئة كل الطاقات البشرية التي ستساق الى المؤتمر لانتخاب "الزعيم" المرضى عليه من قبل الحاكم او ما يصطلح عليه لذى الاحزاب بالسلطة العليا و لدى انصار البيجدي بالعفاريت تعتبر الطريقة الثانية اذكى من الاولى وقد فرضتها بالأساس التطور الاعلامي الذي بداء يمارس رقابة على الفاعلين السياسيين . فقد تحولت النقاشات داخل هذه الهيئات السياسية من النقاشات حول البرامج و الاستراتجيات و المشاريع السياسية المفيدة في هذه الظرفية الى البحث عن من له علاقات طيبة مع الفاعل الرئيسي واضع الاجندة السياسية، حتى اصبح معيار الاختيار هو مدى حصول المرشح عن رضى الشيخ، ليس التقليدي طبعا بل الشيخ العصري، الذي لا يتحدث إلا لغة الاشارات كما يطلق عليها الساسة المغاربة. لقد فقد المغرب في الخمسين سنة الماضية ثلة من الساسة من العيار الثقيل، اخرهم الاستاذ عبد السلام ياسين، الذين جمعوا بين اكراهات النضال اليومي و بين الفكر و الثقافة رغم اختلافنا معهم في بعض اختياراتهم ليحل زمن العبث، زمن دخلت فيه السياسة غرفة الانعاش يقول الاطباء عن حالتها انها في موت سريري ينتظرون الترخيص من اهلها او من يقوم مقامهم لنقل جثمانها الى مستودع الاموات. ان اوصول هذه القيادات الحزبية الجديد الى سدت هذه الاحزاب يشكل اهانة لمطالب عشرين فبراير من جهة و من جهة اخرى للزمن السياسي الذي لازالت فصوله تكتب في تونس و مصر و مناطق اخرى. ان انقسام المصريون و التونسيين حول مجموعة من القضايا الخلافية بدءا بطبيعة الحكم ما بعد الثورة لدرس لكل دول ألمنطقة، على اعتبار ان الصراعات ما بعد التغير ضرورية و هي جزء من العملية برمتها، فنجاح الحكام الجدد في تدبيرها هو الكفيل بقيام ديمقراطية حقيقية، اما زمننا السياسي الشاد فضل ان يرد على الغليان السياسي في كل من مصر و تونس خصوصا بالاستثناء المغربي حتى في اختيار قيادته الحزبية، فعوض ان يتم انتخاب كفاءات فضلت هذه الاحزاب وضع بيضها في سلة من يستطيع ان يشارك في السرك السياسي المغربي، هكذا تشبه السياسية في سياقها الذي نحياه مسرحية رديئة يختار لها المخرج، الذي يفرض ديكتاتورياته على الممثل، شخصيات تتناسب مع ادوار رسمها السيناريست بعناية، فمن يا ثرى سيلحق بالخشبة بعد بنكيران و شباط و لشكر؟ سؤال لا يملك الاجابة عنه طبعا إلا المخرج، الى مؤتمر اخر و شخصية اخرى.