عمال النظافة بتطوان ينضمون للإضراب العام    الارتفاع يستهل تداولات بورصة الدار البيضاء    الريفي يستعرض بباريس الأهمية الاستراتيجية للفلاحة بالمغرب ودورها الاقتصادي والاجتماعي    فورد تعلن عن عودتها إلى الفئة الملكية لسباقات التحمل    الداخلية الفرنسية تكشف ازدياد عمليات ترحيل المهاجرين المغاربة    البرلمان يمرر قانون الإضراب بموافقة 84 نائبا خلال قراءة ثانية بمجلس النواب    طنجة.. تفاصيل توقيف شخص بحوزته 942 وثيقة مزورة وجوازات سفر    حريق يأتي على محرك حافلة لنقل المسافرين إلى تطوان    البريد بنك يحصد 3 ألقاب في Les Impériales 2025    الجيش الملكي ونهضة بركان يتعرفان عن منافسيهما في ربع نهائي دوري أبطال إفريقيا وكأس الكونفدرالية في 20 فبراير    النصب على ضحايا زلزال الحوز يُورّط مقاول ونائب رئيس جماعة وموظف    نقطة نظام.. المغرب إلى أين؟    أسعار الذهب ترتفع إلى مستوى تاريخي جديد    الغلوسي يستغرب من تأخر تنفيذ قرار القضاء في ملف "كازينو السعدي"    كيوسك الأربعاء | إطلاق الدعم لفائدة المقاولات المستفيدة من "صندوق التحدي 2"    حرب الطرق تواصل حصد أرواح المغاربة    الرباط.. العرض ما قبل الأول لفيلم "الوصايا" لسناء عكرود    الولايات المتحدة.. مجلس الشيوخ يؤكد تعيين بام بوندي في منصب وزيرة العدل    بلغ عددهم 67.. فرق الإنقاذ تعثر على جثث جميع ضحايا تحطم طائرة واشنطن    حزب "التقدم والاشتراكية" ينتقد سياسات الحكومة ويؤيد الإضراب الوطني العام    باحثون ومهتمون يناقشون "القضية الفلسطينية" عند رواد في الفكر المغربي المعاصر    أجواء باردة في توقعات طقس الأربعاء    جامعة عبد المالك السعدي تعزز البحث العلمي في مجال القنب الهندي باتفاقية جديدة مع الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المرتبطة بالنبتة    سياسات ترامب الحمائية هل ستؤدي إلى حرب تجارية جديدة؟    الحكومة حريصة على توفير المواد الاستهلاكية بوفرة خلال شهر رمضان المبارك    لجنة القطاعات الاجتماعية تصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    ترامب يوقع على أمر تنفيذي بانسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان    لقجع يكشف ارتفاع مداخيل الضريبة    ترامب: "أمريكا ستسيطر على غزة"    وصلة إشهارية تضع "وفاكاش" في مرمى انتقادات التجار والمهنيين    بحضور وهبي وبنسعيد.. "وصايا عكرود" تخوض في تعديلات مدونة الأسرة    خلال جلسة مساءلة أخنوش في المستشارين... حزب الاستقلال يؤكد على وفائه لحلفائه في الحكومة    إصابة تبعد نجم الوداد عن الملاعب أسبوعين    لسعد الشابي يصل إلى الدار البيضاء لتوقيع عقده مع الرجاء    10 قتلى في هجوم على مدرسة بالسويد    مدينة مدينة المضيق تنظم السباق الدولي 10 كلم في نسخته الخامسة تحت شعار " الرياضة رافعة للتنمية البشرية" .    تهجير الفلسطينيين من أرضهم.. خط أحمر لا يقبل التفاوض أو المساومة    أخبار الساحة    اعتقال البطل المغربي بدر هاري في أمستردام    خبراء يؤكدون أن جرعة واحدة من لقاح "بوحمرون" لا تكفي للحماية    بعد غياب لسنوات.. "الشرقي والغربي" يعيد حنان الابراهيمي إلى التلفزيون    محامي بلجيكي: إصلاح مدونة الأسرة متوازن يثبت قدرة المغرب على التحديث دون التنازل عن قيمه    الإصابة تحرم ريال مدريد من خدمات مدافعه النمساوي ألابا    الصحة العالمية : إطلاق أول تجربة لقاح ضد إيبولا في أوغندا    الصناعة السينمائية المغربية تحقق أرقامًا قياسية في 2024    بنسعيد يعلن عن تقييد مآثر جديدة    جولييت بينوش تترأس لجنة التحكيم في "مهرجان كان"    متى ‬ستسحب ‬سوريا ‬الجديدة ‬اعترافها ‬بالجمهورية ‬الوهمية ‬؟    آيت بودلال يلتحق بفريق "أميان"    التقلبات الجوية الحادة تؤثر على الصحة العقلية للمراهقين    تنظيف الأسنان بالخيط الطبي يقلل خطر السكتات الدماغية    عقاقير تخفيض الوزن .. منافع مرغوبة ومخاطر مرصودة    الرباط: تنصيب الأعضاء السبعة الجدد بأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورات والطفيليات
نشر في لكم يوم 03 - 02 - 2011

حاولنا التجمع قبل يوم الغضب في باريس تضامنا مع الداعين له، فلم يحضر سوى أقل من عشرين وبعضنا أخطأ العنوان. بعد يوم الغضب تداعينا لتشكيل لجنة التضامن مع نضال الشعب المصري، فاستجابت أكثر من 40 جمعية ونقابة وحزب من العالم العربي وأوربة للنداء، وبعد أن انتُزعتْ رخصة للتظاهر، إذا بنا يوم 28 بعد جمعة الغضب تنطبق علينا الآية القرآنية الكريمة "إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها".. المصريون يهرولون بين مقر السفارة المصرية وساحة حقوق الإنسان وساحة الهال يبحثون عن مكان التظاهر. لقد نقلتنا جمعة الغضب من مرحلة الثورة التونسية إلى حالة ثورية عربية يصعب وضع سقف أو حدود لها، فقد دشنت ولايات القصرين وسيدي بوزيد والكاف وجندوبة والجنوب التونسي عودة العرب للتاريخ، ولا شك بأن الكثير من أصنام الحقبة التسلطية ستنهار ومعها كل الطحالب التي تعيشت من حالة البؤس العربي.
اقتربتُ بعد جهد جهيد من أحد المتظاهرين الذين يحرقون الغاز في الهواء لأقول له بأن هذا ممنوع وأخشى أن يمنعوا مظاهرة السبت بدعوى الفوضى، فقال لي: "اسمع يا مناع، عمري ثلاثين سنة دي أول مرة بحياتي فيها بصرخ، ولدنا ساكتين وعشنا مبارك وجوع وطوارئ مش حنموت ومصر لمبارك، خلاص حنعيش حقيقي أو نروح بستين داهية". علمت فيما بعد أن محدثي بدون أوراق ويعمل في قطاع البناء في المنطقة الباريسية لمساعدة أهله في مصر، وقد أنهى الدراسة الجامعية في القاهرة ولم يجد أي عمل. مثله عشرات المصريين الذين قام البوليس الفرنسي باعتقالهم مساء السبت بحجة الاستمرار في التظاهر بعد الزمن المرخص به ونجحت منظمات حقوق الإنسان في إطلاق سراحهم.
لا بد من استعادة الحقبة البائسة، لكي نتحرر من كل عقابيلها ورموزها ومصطلحاتها، فعندما تشتعل الكلمات في الحناجر المكشوفة الصدر أمام آخر ضربات الخيار الأمني لمواجهة العصيان، يصبح تدوين الوقائع العربية دون أساطير ودون أكاذيب جزء من بناء الغد الجديد.
علينا اليوم قبل الغد أن نذكر كيف روت أقبية الأمن جذور التطرف وسقى الاستبداد كل أشكال التعصب، وكيف صرنا لعقود ندور في حلقة مفرغة لا تشكل فيها الخيارات المطروحة على الشبيبة حلا بل استمرارا لبؤس التسلط. تعلمنا الشبيبة العربية التي قيل بها ما لم يقل مالك في الخمر، بأنها لم تعد تقبل بأن تكون مجرد كائنات تريد زيادة حصتها من الخبز واللبن كما تحاول مراكز "أبحاث" الغرب وعرابيها تقديم الشبيبة الثائرة: علم فلسطين يرافق العلم التونسي والمصري وتمزيق صورة خادم الغربين (في أجمل تسمية سمعتها للملك السعودي من شاب من سيدي بوزيد)، في تونس يربط الشبيبة بين بن علي واغتيال أبو جهاد، وفي مصر يربط الشباب المصري بين ذل اللقمة وذل السفارة الإسرائيلية الجاثمة على كرامة شعب مصر. لقد قبرت الحالة الثورية الجديدة أنموذج احتلال العراق في القلوب وفي العقول. وبعد أن شكل هذا الأنموذج حالة رهاب وخوف من التغيير، صار رمزا لكل ما يجب قبره في ثورات الشعوب: الاحتلال الجديد، الإستقواء بالأعداء، الطائفية المقيتة، الشركات الأمنية والمناطق اليابسة المسماة بالخضراء، أكثر من مليوني مهجر ومليون فقيد..). وقبرت معهم المرتزقة والسماسرة الجدد من رواد السفارات. المؤسسات الإعلامية التي ضخمت طاقمها بأموال فيلتمان والحوانيت التي عاشت من مساعدات الخارجية الأمريكية هي اليوم موضع ازدراء وقرف الشبيبة الصاعدة.. لم يعد أحد يتابع أكثر من 400 وسيلة إعلامية مسخرة للشحن الطائفي والمذهبي وفتاوى تخدير الناس. لقد كسرت الشبيبة وسائل تدنيس وعيها. وحين ذهبت أموال الجراد الأسود لكل ما يحطم الأمة، لجأ الشباب إلى الشبكات الاجتماعية المجانية التي لا يحتاجون معها للمال النفطي أو التمويل الغربي. لكن هذه الثورة كانت حقيقية ولم تكن افتراضية، من دم ولحم لا من الكترونيات وتنظيمات. وظفت الشبكات الاجتماعية في التواصل الثوري عوضا عن أن تتركها للتواصل الطائفي والعصبيات القديمة المريضة والشوفينيات التي لم تجد من يقبرها.
لم يعد أمام خبراء الحفاظ على معاقل التبعية الأمريكية سوى إعلان حظر التجول وإنزال البلطجي والميليشية وقطع الانترنيت والجوال والحظر على وجود شهود على جرائم القتل العمد، والبحث عن أسماء من الظل لأشباه حكومات لا تلبث أن تتعدل وتتبدل، لأن كل بضاعتهم أصبحت فاسدة في عيون الجيل الجديد.
لقد انتهى عصر الأستذة على الشبيبة الثائرة، فهي التي تعلمنا كيف نقتل الطحالب التي مزقت لعقود وجودنا اليومي وجعلت من الصراعات المسطحة هدفا في ذاتها ومن أجل ذاتها.. الشبيبة اليوم تحمل نعش الهوس المذهبي والطاعون الطائفي والانغلاق الجهوي والعشائري لتحدثنا عن الشعب والمواطنة والأمة والثورة والحقوق والحريات، كلمات كدنا ننساها في زحمة الإعلام المشهدي الخليجي الذي أنفق مئات المليارات لإبعاد الشباب عن مستقبل حالم باسم.. كتب لي شاب سوري من دمشق: "لنتوقف عن ترداد قذارات الخطاب الطائفي، وتمجيد الأموي أو العلوي، والحديث في أموات نعيد قبرهم في كل مناسبة ونعيد بكل حسرة تقوية أحقادنا بهم وعبرهم فنشوه صورتنا وصورتهم. أنا مواطن، أنا عربي أنا حر وافتخر..".
لعلنا نعيش حالة ثورية دون سقف ودون حدود، نتحول لقبلة أملٍ للشعوب المقهورة بعد أن كنا محطة خجلٍ في خارطة البشرية.
لكن حذار، فالعداوات أكثر من الصداقات بكثير، وسيدافع عن عفن القديم كل ديناصورات النظام العالمي السائد، وكل مجموعات الضغط الأمريكية المتعيشة من الإذلال العربي ونهب الخيرات العربية، كذلك كل مراكز القوى الأوربية، الخائفة من تحول جذري في طبيعة العلاقة بين شمال المتوسط وجنوبه على أساس التكافؤ والاحترام المتبادل. وأخيرا تلك الترسانة المسلحة المزروعة في قلب أمة العرب وأرض فلسطين.. لكن، هل كان التغيير يوما باقة ورد تقدم على طبق من ذهب؟
ها نحن من جديد في حقبة الاحتمالات المفتوحة، وكل أنصار النهضة والنهوض في العالم العربي اليوم أمام التحدي الأكبر في وجودهم: كيف يمكن أن لا نترك هذا الحلم يتحول في الذاكرة الجماعية للشعوب إلى مثلٍ لثورة مغدورة؟
الأحد 30/1/2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.