قال حزب "الاستقلال" إن مشروع قانون المالية المعدل لا يرقى لمعالجة الوضعية الاستثنائية التي تعيشها البلاد، سواء من حيث طبيعة التدابير المتخذة، أو من حيث التدبير الحكومي للمرحلة المطبوع بالارتباك والارتجالية، وغياب التنسيق وضعف التواصل وتعدد البلاغات، نتيجة الخلافات وعدم الانسجام بين مكونات الأغلبية الحكومية. وأوضح نور الدين مضيان رئيس فريق الحزب، في مداخلة له في جلسة مناقشة والتصويت على الجزء الأول من مشروع قانون المالية المعدل، اليوم الاثنين، بمجلس النواب، أن هذا الارتباك الحكومي القائم بين مكونات الحكومة، وتعدد البلاغات المضادة بينها، والتراشقات، انعكس سلبا على مشروع قانون المالية المعدل.
وأكد مضيان أن ما أفرزته هذه الجائحة من تحديات لا يمكن تجاوزه بحلول ظرفية محدودة الآثار، ووصفات جاهزة ترقيعية، أو بإجراءات مسكنة، بل بانتهاج استراتيجيات طموحة للقطاعات الحيوية التي تشكل الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني، وبلورة مخططات وقائية واستباقية ، وذلك من خلال اعتماد مخطط استعجالي للاستثمار، في إطار ميثاق جديد، وإصلاح جبائي يستجيب لمتطلبات هذا المخطط، وترسيخ حكامة تنموية متوازنة ، بأبعادها الاجتماعية والمجالية، تستهدف إحداث أقطاب جهوية للتنمية المتوازنة، قادرة على خلق الثروة وفرص الشغل. وسجل مضيان غياب رؤية واضحة المعالم لدى الحكومة، قادرة على تحقيق التغيير المنشود، وإحداث القطائع الضرورية مع مظاهر الأزمة، وتحقيق شروط إقلاع اقتصادي حقيقي ببعده الاجتماعي القوي، بدل تكريس إجراءات ظرفية ذات طابع ترقيعي، واستهداف القدرة الشرائية للمواطنين، وضرب الطبقة الوسطى، في غياب تدابير من شأنها تحسين المداخيل، والنهوض بالوضعية الاقتصادية والمادية للأسر. وشدد على أن هذه التدابير الترقيعية ستؤدي إلى تنامي حدة الفقر، وتعميق الفوارق الاجتماعية والمجالية، بعدما أصبح حوالي 10 ملايين مواطن مهددا بالعيش تحت عتبة الفقر، أمام توقيف أو تأجيل الاستثمارات العمومية، ليساهم بذلك المشروع في تكريس الأزمة وارتفاع نسبة البطالة إلى مستويات قياسية. وأشار أن الجميع كان ينتظر أن تأتي الحكومة بمشروع قانون تعديلي بديل، يستجيب لمتطلبات المرحلة، بما عرفته من تحولات وتحديات ورهانات جديدة ويضمن التوازن المالي للدولة، كما يحرص على تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي، ويعيد النظر في الاختيارات والاستراتجيات المبنية على نموذج تنموي ليبرالي متغول، أبانت الجائحة عن آثاره، ونتائجه السلبية، بما فيها أساسا تمركز الثروة لدى الأقلية القليلة من المغاربة، وتوسيع قاعدة الفقر والفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية. وأضاف "كنا ننتظر من هذا المشروع إصلاح جبائي جديد، يستجيب لمتطلبات المرحلة، بما فيها التخفيف من الثقل الضريبي الذي يشكو منه الجميع، أشخاصا ذاتيين كانوا أو طبيعيين، مع مراجعة الامتيازات الضريبية التي تستفيد منها بعض القطاعات، بعدما استنفذت أغراضها حتى لا تتحول هذه الامتيازات الجبائية إلى اقتصاد الريع والإثراء غير المشروع". وأبرز مضيان أن كل الانتظارات لم تحقق، بحيث تعاملت الحكومة مع كل المقترحات، بما فيها تلك التي قدمها حزب "الاستقلال"، بمنطق الرفض، عندما جعلت من هاجس التوازن المالي الضيق أولوية مشروع القانون المالي المعدل، ولو على حساب التوازن الاجتماعي، والبعد التنموي، عندما قلصت الاعتمادات المرصودة للتنمية القروية والجبلية، وعائدات الجماعات من الضريبة على القيمة المضافة بأكثر من 7 مليار درهم. ولفت إلى أن هذا الوضع يطرح تساؤلا بشأن مدى اهتمام الحكومة بالتنمية المحلية، وتبخيس دور الجماعات في القيام بالمهام المنوطة بها في تدبير الشأن المحلي، بالنظر للدور الهام الذي اضطلعت به في تدبير هذه الجائحة والتصدي لمخاطرها، هذا في الوقت الذي تعاني فيه ساكنة العالم القروي والمناطق الحدودية من مخلفات الجفاف، وتداعيات جائحة كورونا. وأكد أنه لكل هذه الأسباب سيصوت حزب "الاستقلال" ضد هذا المشروع، الذي يبقى مشروعا ترقيعيا بامتياز، ولا يرقى إلى تطلعات وانتظارات المواطنين، واستشراف المستقبل، وبناء مغرب ما بعد كورونا، مغرب الأمل، والثقة والديمقراطية الحقة، في الوقت الذي تبقى فيه بلادنا مقبلة على تمرين ديمقراطي خلال السنة المقبلة، وما يقتضي ذلك من ترسيخ الثقة لدى الشباب، والحد من ظاهرة العزوف، التي من شأنها أن تضرب في الصميم المسار الديمقراطي.