لقد ذكرني تدنيس قبور الصالحين وتحطيم أضرحتهم في تمبكتو وكاوا بتحطيم تماثيل بوذا في أفغانستان، غير أن تحطيم التماثيل هز أرواح العالم البوذي والمسيحي الإسلامي، فشكلت وفود المساعي الحميدة من علماء المسلمين لإقناع طالبان بالكف عن إيذاء بوذا، ونددت منظمات الأممالمتحدة بالتحطيم البشع وانهالت التعازي على الدلايلاما، وبقية رؤساء الطوائف البوذية. و عندما اقترفت المنظمات الوهابية" أنصار الدين، السلفية الجهادية، القاعدة في الغرب الإسلامي،بوكوحرام"ما اقترفت من تدنيس للقبور في تمبكتو وكاوا نددت المملكة المغربية وحدها على استحياء، وسكت بقية العالم الإسلامي سكوت أصحاب الأضرحة المهشمة، وإذا كانت الروابط بين الأفعال تستدعي انتظار النتائج فالخوف وارد : إن جمهورية مالي من أعرق دول السهل الإفريقي حضارة وتاريخا فهي وريثة إمبراطورية غانا التي سبقت دولة شرلمان بأربعة قرون وهي التي استلهم منها المرابطون بنيان إمارة المسلمين في مراكش ونظام حكم في الغرب الإسلامي ، وها هي جمهورية مالي الحديثة تنهار على يد الازواديين ، فكيدال وتمبكتو وأكداز وبقية المجابات الكبرى لم تخضع يوما لأية سلطة كانت فهي التي قاومت المستعمر بشراسة ورفضت الحكم المركزي بجمهورية مالي علما أن سكان هذه المناطق هم قبائل من الطوارق والعرب تربطهم بدول المغرب العربي علاقات وطيدة فهم الذين شكلوا الدرع الواقي للثورة الجزائرية ، وهم الذين تربطهم علائق قوية بإمارة المؤمنين بالمغرب الأقصى ، فتمبكتو مدينة مغربية بامتياز ، وكيدال ذات ولاء تاريخي للمغرب ، وليس بإمكاننا أن ننسى أن أمير هذه المنطقة الطارقي محمد أعلي الانصاري اختار المغرب وبقي فيه إلى أن لقي ربه بضواحي تمارة، ولا يزال أبناؤه وحفدته وأتباعه يعيشون في المغرب كبقية المغاربة . هل يمكن أن يقف المغرب متفرجا على ما يجري في مالي ونار الفتنة زاحفة تجاهه من الجنوب ؟ وهل باستطاعة الجزائر منع المجتمع الدولي من توحيد أرض مالي بالقوة؟ وما سيناريو إجهاض دولة أزواد؟ إننا نكاد نجزم أن التدخل العسكري قادم لا محيد عنه مما سيجعل من الحوضين الموريتانيين الشرقي والغربي وزيرستان جديدة . كما نتصور أن جنرالات الجزائر التي تتحكم في بعض عصابات التهريب في المنطقة ستغير موقفها تحت الضغط الدولي ووقع تهديد المجتمع الدولي مما سينتج عنه في الأخير تدخل إفريقي مدعوم دوليا قوامه جيش نيجيري شرس وعتاد فرنسي متطور ، لكن يجب أن لا ننس أن ما ينقص الأزواديين وتنظيم القاعدة وبقية الحركات السلفية ليس السلاح ، فلديهم رصيد هائل من السلاح الروسي الذي عاد به مقاتلوهم من ليبيا ، منه بكل تأكيد أنواع متطورة من صواريخ سام ، ومدافع مضادة للطائرات وأطنان هائلة من الذخيرة، وكلما كان ينقصهم هو السيارات الرباعية الدفع وقد غنموا ثمانين في المائة من سيارات الجيش المالي في كيدال وتمبكتو وكاوا، ويبقى فقط لديهم عجز في الحصول على الوقود الذي تعودوا تهريبه من الجزائر بواسطة مخيمات الانفصال في الحمادة ... --- باحث متخصص في الشؤون الصحراوية والموريتانية