منذ اعتلائه رئاسة الحكومة بعد سياق احتجاجي يعرفه الجميع، ما فتئ بنكيران يوزع نواياه الحسنة في كل اتجاه، فبدءا بتأكيده على حسن نيته تجاه المؤسسة الملكية مرورا عبر نوايا الحكومة الحسنة تجاه تحسين الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للمغاربة، وصولا إلى التعبير عن نواياه الحسنة تجاه المفسدين بطمأنته لهم بأن ما كان من فساد قد كتب الله على أصحابه الفوز بما غنموه من أموال الفقراء، وما ارتكبوه من جرائم اقتصادية سوف يتجرع الاقتصاد المغربي مرارتها لسنوات طويلة، لكن السؤال المطروح إلى أي حد أعطت هذه النوايا الحسنة ثمارها ؟ وإلى أي سوف تفيد المغرب والمغاربة بعد أن خرجت البلاد نسبيا من عنق زجاجة الربيع العربي التي أقفلت بإحكام غطاءها على من نصبوا أنفسهم زعماء مدى الحياة؟ في الوقت الذي اعتبر فيه المغاربة النوايا الحسنة لعبد الإله بنكيران بالشكل الذي طرحه بها، تكتيكا يريد به إعطاء نفسه وقتا كافيا لتثبيت أركان حكومته حتى لا يبعثر الاعداء أوراقها من البداية، فقد أصبح الاستمرار في تأكيد هذه النوايا بعد اقتراب مرور سنة على تنصيب حكومة العدالة والتنمية، يدل ربما على ضعف واضح في الأخذ بزمام الأمور وتنزيل دستور هلل الجميع لفرادته. لقد خسر وزراء العدالة والتنمية بعض المعارك، فيما شاب التردد أسلوبها في التعاطي مع ملفات كان مأمولا أن تتخذ فيها إجراءات صارمة، لقد خسر الخلفي وزير الاتصال معركة دفاتر التحملات بشكل تأسف له المغاربة وصدم البعض لما رأوه من ضعف من طرفه في مواجهة مرؤوسيه، والأدهى من ذلك أن الدوائر العليا التي يتشبث بنكيران بكونه على ود معها، هي التي تدخلت وأعادت الاعتبار لأصنام الإعلام الرسمي الذين يقفون جامدين في وجه التغيير، مقالع الرباح الرملية ورخص الصيد البحري لا زالت تأبى الانفلات من أدراج مكتبه، بعد أن تبين أن رخصا يمتلكها من لا يعيرون ربيعا ولا خريفا ديمقراطيا أي اهتمام، وغير ذلك من الخرجات الإعلامية التي يستشف منها أن دار لقمان لا زالت على حالها، وأن الجديد دائما هو النوايا الحسنة التي أصبحت الحكومة تبرر بها كل تراجع أو نكوص على ما تم الالتزام به. النوايا الحسنة أصبحت عنصرا أساسيا في خطابات بنكيران وحكومته، فعند كل محطة خطابية، يؤكد بنكيران على نواياه الحسنة، فنواياه حسنة تجاه المعطلين، ونواياه حسنة تجاه مطالب الحقوقيين وتجاه الجمهور الرياضي وتجاه الطبقة العاملة وتجاه المؤسسة الملكية وتجاه القانونيين ... وغير ذلك ممن يواجهون بنكيران بشكل يومي بمطالبهم، لكن العمل الذي ينبغي أن يقترن بالنوايا تبقى حصيلته ضعيفة، بل والأنكى من ذلك ان النوايا الحسنة في هذه الحالة تنقلب إلى وعود انتخابية هلامية تذروها الرياح مع مرور الوقت. في كل البلدان التي تعرف التغيير بعد أي حراك احتجاجي قوي، يعمد المسؤولون الجدد الذين وصلوا إلى السلطة بسند شعبي، إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي يكون لها وقع قوي يعطي جرعة الاطمئنان التي ينتظرها الشعب، وبعد ذلك تصبح للنوايا مصداقيتها، أما في حالة حكومة بنكيران فالنوايا هي سيدة الموقف، في حين لا يوجد لحد الآن أي إجراء يوقف ( البيضة فالطاس ) على حد التعبير المغربي الدارج، ويبين إلى أي حد للحكومة الجديدة الشجاعة في بلورة انتظارات من أوصلوها إلى سدة المسؤولية. النية أبلغ من العمل، حكمة دأب المغاربة على الاعتقاد بها منذ أزمان غابرة ،وهي تعتبر عربونا على الإرادة والرغبة الصادقة في فعل الشيء، يمكن أن يعتمد هذا الاعتقاد في المعاملات اليومية بين الناس، لكن في السياسة وتسيير الشأن العام، فالنية ليست دائما أبلغ من العمل.