-1-: "جارات أبي موسى" والحق في الاعتكاف. جريا على عادتها، قامت السلطات المغربية بمنع مجموعة من المواطنين من القيام بالاعتكاف في بعض مساجد البلاد خلال شهر رمضان المبارك. وينتمي أغلب هؤلاء المواطنين إلى جماعة العدل والاحسان. الجديد في سلوك السلطة هذه السنة، هو أنها لم تعد تمارس المنع العاري من كل تسويغ، بل التجأت هذا العام إلى تسويغ قمعها برداء ديني. لقد قال وزير الاوقاف إن الاعتكاف مسموح به لكل المغاربة شريطة الادلاء ب"شهادة حسن السلوك الديني" تقوم بتقديمها، الانتباه من فضلكم، السلطات الأمنية، نعم السلطات الأمنية أي "لاسورطيا" بلغة عامية. عرفنا السيد أحمد توفيق أستاذا جامعيا (التاريخ) وروائيا ذا عمق أمازيغي صوفي. له روايات رائعة، من بينها "جارات أبي موسى" ذات النفس الصوفي.( له كذلك روايات أخرى أجملها "شجيرة حناء وقمر" التي هي انتصار للأمازيغي عزيز النفس، وتبخيس ل"العروبي"، الحاكم الكريه) أهم درس في هذه رواية "جارات أبي موسى" (وهو درس صوفي) هو أن الله وحده من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. فالمؤمن لا يعلم بحقيقة إيمانه الا الله. لقد كان لأبي موسى جارات أجبرتهن الظروف على بيع أجسادهنّ، و كنّ يمتلكن يقينا في الله، جعل أبا موسى، لما التجأ الناس والسلطات إليه للقيام بصلاة الاستسقاء، يشترط ألا يخرج معه في الصلاة ممثل السلطان والفقيه الرسمي، بل سيخرج هو وجاراته السبع فقط...وأكرم اللهُ المدينةَ بأمطار الخير لما خرج أبو موسى والجارات "العاهرات"...المؤمنات ذوات اليقين الرباني... في هذه الرواية، لم يأتي "فرمان" من الباشا يحدد من يجب أن يشارك في صلاة الاستسقاء ومن يُمنع من ذلك. وحده "بّاموسى"، الشخصية الصوفية التي تعيش على الكفاف و لا تتأفف من الناس أو تتقرب منهم تبعا لمظهرهم، وحده "بّاموسى" كان قادرا، بفراسة المؤمن العارف بالله، أن يعرف من قد يكرمنا الله بسببه ومن لن تسقط قطرة من السماء إن خرج، إلا إذا استحالت القطرة بصقة من طير تنقض الوضوء. يبدو إن "بّاموسى" قد يخرج من رواية الروائي، ليصحح الخطأ الوزير. 2: أيها العلمانيون...هنا خرق لحرية المعتقد لدينا في المغرب نخبة من مشارب حقوقية وسياسية وصحافية وفكرية، تشارك في النقاشات العمومية حول قضايا تتعلق بتطور المجتمع المغربي. ضمن هذه النخبة هناك جزء يعتبر نفسه علمانيا. من الطبيعي إذن أن تدافع هذه الفئة عن الحقوق التي يبدو لها أنها تنتمي إلى المنظومة العلمانية ببعدها الحداثي وبعدها الديمقراطي. لكن هذه الفئة ليست على موقف واحد حينما يتعرض أشخاص لا ينتمون إلى الصف العلماني للعسف السلطوي. فهناك طرف من العلمانيين، لا يمكن للمرء أن ينكر ما لهم من مواقف بيضاء ناصعة في الدفاع عن حقوق الضحايا، لا يهمهم طبيعةانتماء هؤلاء الضحايا. كما هناك طرف ضمن العلمانيين جعلوا الدعوة للحداثة وللعلمانية معولا لخوض حروب بالوكالة لفائدة حامي التخلف، المخزن. سأركز كلامي على حق محدّد يتفق كل العلمانيين، مستقلين أو مخزنيين، على الدفاع عنه، ألا وهو حرية المعتقد. ترتبط حرية المعتقد، بالنسبة لهذا التيار العلماني، بحرية اعتناق دين جديد (المسيحية مثلا) أو بحرية اعتناق مذهب إسلامي آخر (المذهب الشيعي مثلا) أو بحرية اعتناق ملة أخرى (البهائية) أو الحق في عدم اعتناق أي دين بالمرة (الإلحاد). أين يمكن إذن أن نضع مطلب الحق في الاعتكاف خلال شهر رمضان؟ إن الاعتكاف شعيرة من الشعائر الاسلامية النافلة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقوم بها ويوصي بها المسلمين. وتُقام خلال شهر رمضان داخل المساجد، حيث يعتكف المؤمن للصلاة والعبادة والذكر. لهذا فالاعتكاف يرتبط بالحق في ممارسة الشعائر الدينية. ولا معنى لحرية المعتقد إذا كان الحق في ممارسة الشعائر المرتبطة بمعتقد ما (الاعتكاف في حالتنا هذه) غير ممكن. إن الدولة مُطالَبَةٌ، ليس فقط بضمان حرية المعتقد، بل مطالبة بضمان ممارسة الشعائر الدينية لكل المؤمنين والمؤمنات، مع ما يتطلبه ضمان ممارسة هذه الشعائر من مقتضيات. أليس هذا ما يقوله دستور المخزن؟ 3 – أيها العلمانيون...صمتكم يقتلنا. الآن، كيف تصرف حراس العلمانية عندنا أمام اعتداء الدولة المغربية على حق مواطنين في ممارسة شعائر تعبدية دينية، مشمولة بالحق في التدين المشمول بدوره بحرية المعتقد؟ انتظرتُ أن تمر أيام كفيلة بان يتحرك العلمانيون، لكن لا حياة لمن تنادي. تساءلت أين ذلكم "المثقف" الذي يحق القول فيه "أكَثَر أبو علمانية"، إذ لا يمر أسبوع وأحيانا أقل إلا وأمطرنا بمقال أو إثنين، يعطي الدروس في الحرية وفي المساواة، بل ويحدد "معالم في الطريق" نحو الديمقراطية، فلا يختزلها، وهذا بعض من الحق، في العدد، بل في المبادئ ومن بينها العلمانية التي لا تعادي الدين. وويل لأي شخص محسوب على التيار المسمى إعلاميا بالتيار الإسلامي، ويل له إن صرح بما يمس "العقيدة العلمانية"؛ فصاحبنا بالمرصاد لا يكّل له قلم، ولا ينام له حاسوب، ولا يفرغ له "طونير". لا أقول أن معارك صاحبنا هذه كلها خطأ في خطأ، لكن استغرب لفورة قلمه هناك، وخموله هنا. لماذا هذا الكيل بمكيالين؟ أمام هذا الصمت عن خرق حق مواطنين في التدين، أملك الحق في الشك. نعم أشك في القناعة العلمانية لهذا "المثقف". تسقط المصداقية عن كل خطاب حول حرية المعتقد لدى صاحبنا. تساءلت كذلك أين هو ذلكم السياسي الذي أعلن مرة، في ندوة حدَّدَ فيها المحطة السياسية التي من أجل الوصول إليها ركب قطار حركة 20 فبراير، أقول الذي أعلن في تلك الندوة الموثقة بالصوت والصورة والذاكرة، أن قبيلته السياسية قد حرمت على نفسها التحاور مع "العدل والإحسان" لكنه – هذا السياسي - لن يسكت إذا تعرضت الجماعة إلى خرق حق من حقوق الإنسان. فهل المنعُ من الاعتكاف، سيدي، ليس خرقا للحق في ممارسة الشعائر الدينية، أي لحق من حقوق الإنسان؟ تساءلت كذلك أين هي تلك المناضلة التي تعتبر، ونعم تصورها ذاك، أن المغرب في حاجة إلى ثورة ثقافية. أهمية هذه الثورة الثقافية تكمن في إخراجنا من( هنا تصف خصمها السياسي بطريقة لا تحمل أي لباقة وأي لياقة تليق بمقامها كمناضلة ذات وضع اعتباري) التخلف والبهيمية التي ينفصل بموجبها النساء عن الرجال في المسيرات . أليس الدفاع المبدئي عن الحق في التدين التزاما بأوليات الثورة الثقافية التي يجب أن تتجسد فينا نحن قبل الغير؟ تساءلت أيضا، أين هي تلك الجمعية التي جعلت من حرية المعتقد مطلبا مركزيا لها، وأنعم به من موقف نبيل يحسب لها، أين هي من حالة منع مواطنين من ممارسة معتقدهم الديني؟ تساءلت كذلك أين هي تلكم السيدة الحكيمة ، التي ورثت النضال أختا عن أخ، والتي عرفناها صلبة في الدفاع بكل حكمة عن الحريات الفردية، والتي لا تتنازل حينما يكون هناك ما يهدد "الثوابت" والأمن العام الذي تضمنه هذه "الثوابت". سيدتي أليس من الحكمة أن تقولي لا لمنع مواطنين من ممارسة شعائرهم التي هي دينية خالصة لا علاقة لها بالسياسة ولا تهدد "الثوابت"؟ تساءلت و تساءلت...أين هي تلك الصحافية التي تُظهر صلابةَ العاج حينما تدافع، و أتفق معها في ذلك، عن حرية الاعتقاد وحرية عدم الاعتقاد... أيها العلمانيون...صمتكم يقتلنا...بل يرعبنا ويبث فينا الخوف. هل هذه هي العلمانية التي تبشروننا بها؟ يا ما قلتم لنا إن العلمانية تضمن الحق في التدين...لكن أرى الآن أن هذه العلمانية تدافع عن هذا الحق لكل المؤمنين، إلا المؤمنين الذي ينتمون إلى التيار المسمى إعلاميا بالتيار الإسلامي. صحيح أن فيكم من دافع عن الحقوق السياسية لبعض الإسلاميين، لكن أن تدافعوا عن حقهم في التدين، فهذا لم يحصل بعد. أيها العلمانيون...ماذا يُضيركم لو شكلتم هذه اللوحة: مسيرة تضامنية يكون فيها المذكورون أعلاه، "المثقف" والسياسي والمناضلة والحكيمة والصحافية...تحت يافطة تلكم الجمعية...تنطلق هذه المسيرة من ساحة بني مكادة بطنجة (ساحة من ساحات 20 فبراير. ولكم حق اختيار ساحة أخرى إن كان قطاركم لا يصل إلى طنجة) نحو مسجد ما أو ساحة ما، للقيام باعتكاف ( وليكن اعتكافا مدنيا) تضامنا مع الممنوعين...تصوروا أثر ذلك علينا، نحن الذين لا نزال نتهيب هذه العلمانية الانتقائية، ولا نزال نتذكر تلكم العلمانية (أو بعض المحسوبين عليها)التي نصبت المشانق إبان "الحرب الدولية على الإرهاب"، فما احترمت قرينة البراءة وما احترمت الحق في الحاكمة العادلة، بل استغلت الفرصة مثل المفترسات القَمَّاَمة(les charognards) فأرادت تصفية حساب سياسي مع خصومها بأدوات أمنية غير سياسية. ليس الغرض من هذا المقال هو استدرار عون ما أو تعاطف ما لفائدة جماعة "العدل والاحسان". فلا أنا ناطق باسمها ولا هذا الخرق بجديد عليها؛ فقد اكتسبت الجماعة، حسب زعمي، مناعة حيال هذا الهجوم المخزني. غرضي هو كشف المدى الذي تردى إليه العلمانيون بمناسبة هذه النازلة/النموذج.(cas typique) إن صمت العلمانيين هنا قد بعث برسالة خطيرة مفادها أن التيار العلماني في المغرب تيار انتقائي ومستعد للسكوت عن أخطر خروقات حقوق الإنسان،(أتحدث هنا خاصة عن الحق في التدين) إذا تعلق الأمر بالتيار المسمى بالتيار الاسلامي. أيها العلمانيون هل تقبلون الشرط الذي وضعه وزير الأوقاف لممارسة حق الاعتكاف؟ أليست "شهادة مصالح الأمن" التي اشترطها معالي الوزير، الذي تنكر لأبي موسى، محاكمة للضمير؟ أليس هذا الشرط تفتيشا للقلوب وللإيمان؟ ما قولكم لو أن خطيب جمعة اشترط شهادة مماثلة لكي يلج شخص ما مؤسسة ما أو يتمتع بحق ما؟ إن هذا "الشرط" أخطر من قانون "كل ما من شأنه". بصمتكم أنتم تساهمون في تسليم قضايا "الضمير" والإيمان وعدم الإيمان للسلطة السياسية. بصمتكم أنتم شركاء، أخلاقيا وحقوقيا وسياسيا، في جريمة وضع الأسس لدولة "التفتيش والمحاكمة"، بدل إرساء أسس دولة الحق والقانون. انتهى عبدالكريم كريبي