لم ينتهي زمن "التعذيب" في المغرب، رغم صدور العديد من القوانين التي تمنعه بل وتجرمه، مثل قانون تجريم ممارسة التعذيب، الذي صادق عليه البرلمان المغربي عام 2006، وقيام المغرب برفع التحفظ على المادتين 20 و21 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب العقوبة أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي صادق عليها المغرب وأودع أدوات التصديق عليها منذ ما يزيد على 10 سنوات. وأخيرا أفرد الدستور المغربي الجديد فصلا كاملا، وصريحا يجرم التعذيب بمختلف أشكاله في الباب الثاني المخصص للحريات والحقوق الأساسية، والذي ينص على أنه "لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة؛ ولا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية؛ مؤكدا أن ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون". لكن هل تغير الوضع؟ عودوا إلى شهادة محمد صالح، وهو طالب وأحد نشطاء حركة 20 فبراير بمدينة صفرو الذي يوجد حاليا رهن الاعتقال بالسجن المدني عبن قادوس بفاس بدون محاكمة منذ يوم 13 يونيو الماضي، والتي يحكي فيها أنه تعرض لتعذيب جسدي ونفسي وصفه ب "الوحشي" داخل مخافر الشرطة القضائية بولاية أمن فاس. تقول الشهادة: "... انطلقت فصول الاستنطاق وأشواط التعذيب النفسي والجسدي... فقاموا بتعصيب عيناي (البانضة)، ثم نقلوني إلى أحد المكاتب، وبعد طرح مجموعة من الأسئلة الشكلية المتعلقة بهويتي... سينطلق أول شوط من الاستنطاق الحقيقي، فتمحورت الأسئلة حول... وغيرها من الأسئلة التي كان يوازيها ضرب مبرح في مختلف أنحاء الجسم... بعدها تم نقلي إلى مكان آخر حيث سأتعرض لشوط آخر من التعذيب بطرق فنية، لان أجوبتي لم تشف غليلهم، بدء بالخنق بدلو الماء، وتمديد الأطراف والضرب في المناطق الحساسة، بعد ذلك قاموا بنزع البانضة عني ونقلوني إلى المرحاض، وطليوا مني غسل وجهي وأطرافي لإزالة آثار التعذيب، فنقلت إلى مكتب آخر، بقيت فيه لما يقارب النصف ساعة، بعدها سمحوا لعائلتي بزيارتي لمدة حوالي نصف ساعة، ومباشرة بعد مغادرة العائلة سينطلق فصل آخر من التعذيب الجسدي والاستنطاق... واستمر التعذيب لمدة طويلة كل ذلك وأنا معصب العينين، بعدها تم إنزالي "لاكاب" وفي صباح يوم الخميس أخذوني مرة أخر للاستنطاق...". شهادة محمد صالح حديثة لم يمض عليها أكثر من شهرين، وهي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة التي تحكي عن استمرار ممارسات التعذيب بكل أشكاله النفسي والمادي داخل مخافر الشرطة والمقرات السرية للمخابرات المغربية. وهو ما سبق لتقارير منظمات حقوقية مغربية ودولية أن أثارته، ففي آخر تقرير لها صدر هذا العام انتقدت منظمة العفو الدولية "استمرار التعذيب وسوء معاملة المعتقلين"، في المغرب. ترى ما هو موقف الحكومة المغربية التي يقال إنها انبثقت من صناديق الاقتراع، وما هو موقف وزيرها في الحريات والعدل، الحقوقي السابق مصطفى الرميد، الذي سبق له أن صرح يوم 15 ماي الماضي، بأن "الحكومة لن تسمح بممارسة التعذيب أو سوء المعاملة في مراكز الشرطة"؟