حقوقيون يطالبون بفتح تحقيق حول التعذيب في مقار الشرطة بآسفي محمد دهنون / صحافي مهني يعتبر التعذيب جريمة مستقلة يعاقب عليها القانون وقد كان المغرب سباقا على الكثير من الدول العربية والإفريقية بالتوقيع على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيرها من ظروف المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة .. واشتغل المغرب الرسمي مع باقي المكونات الحقوقية والسياسية لوضع تدابير قانونية ومؤسساتية تدعم ثقافة حقوق الإنسان وتنبذ التعذيب بجميع أشكاله وصوره .. نجد هذا في المتن القانوني الوطني ويبرز ذلك بقوة في الخلاصات والتوصيات الصادرة عن هيئة الإنصاف والمصالحة والرامية إلى وضع إستراتيجية وطنية لمناهضة الإفلات من العقاب عبر مقاربة إصلاحية .. يحضر فيها التأطير القانوني والتوعية .. لكن إلى أي حد استطاع المغرب التصدي للتعذيب خصوصا وأن الدستور الأخير يجرم صراحة في الفصل 22 ممارسة التعذيب .. ؟؟ أولا .. في التعريف.. إذا عدنا إلى تعريف التعذيب نجد المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تؤكد على عدم جواز تعريض أي أحد للتعذيب أو المعاملة القاسية .. وتماهيا مع التشريعات الدولية والأممية عمد المشرع الوطني إلى وضع نص صريح يعرف التعذيب بما ينسجم مع التعريف الوارد في المادة الأولى من الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب .. " كل فعل نتج عنه ألم أو عذاب شديد أو نفسي يرتكبه عمدا موظف عمومي يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه، في حق شخص لتخويفه أو إرغامه أو إرغام شخص آخر على الإدلاء بالمعلومات أو بيانات أو اعتراف بهدف معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه بأنه ارتكبه..........." ثانيا.. الضمانات والجزاءات لمنع التعذيب.. لتعزيز الإجراءات القضائية لضمان عدم تعرض الأشخاص للتعذيب انتبه القانون المغربي لمجموعة من المقتضيات التي نص عليها في التشريعات الوطنية ، منها مراقبة أعمال الشرطة القضائية وزيارة مخافر الشرطة من طرف النيابة العامة إضافة لزيارة السجون من طرف القضاة المكلفين .. وأيضا تمكين وكيل الملك من القيام بذلك تلقائيا إذا عاين آثار تبرر ذلك سواء في البحث التمهيدي أو في مرحلة تمديد الحراسة النظرية وذلك تكريسا لمبدأ المراقبة القضائية على أعمال الضابطة القضائية أتناء فترة اعتقال المشتبه فيه ، مع الحق في طلب إنجاز خبرة طبية. كما اعتبر المشرع المغربي أن التعذيب جريمة مستقلة متميزة في تنظيمها عن غيرها من الأحكام العامة المعاقبة على أعمال الإيذاء أو العنف التي قد يرتكبها الأشخاص المكلفون بإنفاذ القانون .. وحدد العقوبات بالنسبة لموظف عمومي مارس التعذيب من 5 سنوات إلى 15 سنة ، أما إذا ارتكب مجموعة من الأشخاص كفاعلين وممارسين هاته الجريمة فإن العقوبة قد تصل إلى 20 سنة . أسباب النزول.. كان لابد من هذه التعاريف القانونية الخاصة بالتعذيب .. للحديث عما يقع اليوم في آسفي منذ انطلاق الحراك المجتمعي وتواصل الاحتجاجات ذات الطبيعة السلمية ( لا نتحدث هنا عن العنف والشغب وإحراق المؤسسات) .. توصلنا ونتوصل بشكايات وإفادات ومعطيات تفيد تعرض مجموعة من المواطنين للاختطاف والتعذيب في الخلاء وفي مخافر الشرطة .. خصوصا مصلحة الشرطة القضائية بمقر الأمن الإقليمي .. شهادات من ناشطي حركة 20 فبراير توجد تفاصيلها في تقرير الوسيط للديمقراطية وحقوق الإنسان وتقرير لجنة تقصي المجلس الوطني لحقوق الإنسان .. شكايات شخصية لمواطنين بسطاء يتهمون فيها عناصر من الشرطة بإساءة معاملتهم وإهانتهم والحط من كرامتهم .. ثم أخيرا المراسلات التي توصل بها الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان من حقوقيين ومحامين يطالبون فيها بفتح تحقيق حول التعذيب الذي مورس أثناء الحراسة النظرية لمعتقلي أحداث فاتح غشت بآسفي ( حالة عمر مرتاب وياسين المهيلي من تنسيقية خريجي المعاهد بالمدينة) .. ومطالبة هيئة الدفاع بإجراء خبرة طبية على بعض معتقلي أحداث اليوسفية ..الشكايات التي رفعت للمجلس الوطني لحقوق الإنسان تتحدث عن التعذيب في مصلحة الشرطة القضائية بآسفي .. - استعمال البانضة- الضرب المبرح - التجريد من الملابس خصوصا في حالة قاصرين - التجويع رغم الصيام - ربط الأيدي بالكراسي بتقنية أقرب إلى أسلوب الطيارة - استعمال الهروات أثناء التحقيق- التهديد بالاغتصاب بإدخال أربعة عناصر على كل معتقل والإكراه على التوقيع في المحاضر والاعتراف عنوة بما كتب. - عدم السماح للمعتقل في التزام الصمت وطلب محام كل هذه النقط وردت في الشكايات التي توصلت بها أيضا الجمعيات الحقوقية الوطنية الرصينة وما زال الجميع من فاعلين محليين ينتظرون فتح تحقيق جدي وصارم للوقوف عما يمارس في مقر الأمن الإقليمي منذ أربعة أشهر وما يزيد .. وعلى العموم المعركة ضد التعذيب ستكون طويلة ولابد لكل الديمقراطيين المؤمنين بالقيم النبيلة لحقوق الإنسان أن يستعدوا لمواصلة النضال ضد هذه الأساليب التي تحاول الانتصار لقراءة أمنية ضيقة تدوس روح وفلسفة الدستور باسم الحفاظ على الأمن العام .. ملاحظة.. هل مثلا إذا توصلت النيابة العامة أو وقفت على تقرير مشفوع بصور أو مشاهدة عينية لمعتقلين "مخلية دار أبيهم" ستفتح تحقيقا بناء على ذلك .. سؤال وجيه.