رغم التأثيرات السلبية لانتشار وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) على نشاطهم، يواصل سائقو الشاحنات السير عبر مدن أشباح، وعبر طرقات مهجورة، ليوصلوا، بشجاعة، البضائع إلى وجهتها النهائية. فبعد إغلاق المقاهي والمطاعم والمساجد، حتى بباحات الاستراحة، استجابة لحالة الطوارئ الصحية المعلنة من قبل الحكومة، ليس من خيار أمام هؤلاء السائقين إلا التأقلم مع هذا الوضع الاستثنائي، والتكيف مع ظروف عمل أقل ما يمكن أن قال عنها إنها قاسية أكثر من أي وقت مضى، والتخلي عن كل عاداتهم الصغيرة.
التوقف بعد ساعات من السياقة على الطريق لطلب كأس شاي أو قهوة أو وجبة طعام، كلها عادات صارت من الماضي، لاشيء متاح في “زمن الكورونا”، ليجد السائقون أنفسهم مجبرين على أن يأخذوا معهم ما يحتاجونه، وسرقة بضع دقائق لتحضير طعامهم. ولمواجهة هذه الوضعية الخاصة، قاموا بتجهيز شاحناتهم بالمعدات الضرورية، وبعضهم فكر في إعداد مكان للنوم داخل الشاحنة، وآخر للطبخ، في احترام تام لكل شروط الأمن والسلامة الصحية. يقول (محمد.ه)، سائق شاحنة قادم من مدينة أكادير، “بذلنا كل الجهد للتأقلم مع هذه الوضعية الجديدة، لنستطيع مواصلة نشاطنا بشكل طبيعي، والاستجابة لطلبات زبنائنا بنقل بضائعهم نحو مدن أخرى”. فهذا السائق الأربعيني، الذي أبان عن وعي كبير بالمخاطر التي تتهدده بالخروج من المنزل خلال فترة الحجر الصحي، مقتنع أنه، مع ذلك، ما من خيار سوى الخروج ومواصلة العمل ليعول أسرته. وأضاف أنه ” منذ إعلان حالة الطوارئ الصحية، يوم الجمعة 20 مارس الجاري، وقع تغيير كبير في ظروف العمل، بداية،أصبحت أخصص حيزا كبيرا من الوقت لتحضير الوجبات التي سآخذها معي، ولا أتوقف عن تعقيم الشاحنة عند كل توقف”. ليتابع ” المشكلة الوحيدة التي نعاني منها حاليا هي إغلاق محلات تصليح السيارات، مادام أن الشاحنة تحتاج للصيانة على الدوام”. ورغم أن سائقي الشاحنات، أحسنوا تدبير هذه الأزمة الصحية، وتعاملوا معها بروح من التفاؤل، غير أن تداعياتها أثقلت كاهلهم بفعل تراجع المداخيل، وبالتالي فقد كان لها تأثيرها على قدرتهم الشرائية، مادام أن غالبية السائقين تمتح من جرابها. وهو الأمر الذي يعانيه أيضا (مولود. ب)، سائق آخر من مدينة أكادير، الذي أقر أن المداخيل في هذه الفترة بالكاد تكفي لتغطية مصاريف الوقود، مؤكدا أن “هذه الظرفية صعبة شيئا ما، فقد أصبحت أنقل البضائع بمعدل رحلة واحدة في الأسبوع”. وأردف، بنبرة استسلام، “أحيانا أمكث حتى خمسة أيام، ويمكن أكثر، بالدارالبيضاء، في انتظار زبون لرحلة العودة، يومياتي تغيرت بالكامل، سواء على المستوى المهني أو الشخصي”. وفي ما يتعلق بالمراقبة على الطرق، أعرب عن اطمئنانه لما يلحظه من تعبئة قوية في صفوف القوات العمومية لتأمين السير الجيد لحالة الطوارئ الصحية، بالنسبة إليه، فهو لم يصادف أية مشكلة على الحواجز، مادام أنه يتوفر على الرخصة الاستثنائية للتنقل التي قام بإلصاقها على الزجاج الأمامي للشاحنة. وأمام هذه الوضعية، يجد السائقون أنفسهم يعيشون معاناة مزدوجة، تتمثل في عزل عائلاتهم بسبب الخوف على صحتهم، وفي ركود النشاط الاقتصادي. وهو ما يؤكده (محمد.إ)، ناقل بضائع من الدارالبيضاء، بقوله ” المداخيل ضعيفة مقارنة مع الفترة العادية، فعوض القيام برحلتين أو ثلاث في الأسبوع كما في السابق، أنا مجبر اليوم على الانتظار عشرة أيام، بل أكثر، ونحن مكتوفي الأيدي”. واستطرد محمد أن ” هذه المهنة تتطلب الخروج من البيت، وإن أصبح الزبناء عملة نادرة هذه الأيام، مادام أن العديد من الشركات لا تتوفر على وسائل نقل خاصة بها، وبائعو الجملة بدرب عمر أغلقوا محلاتهم إلى غاية نهاية الحجر الصحي”. وفي انتظار الأفضل في الأيام القادمة، سيغير هذا السائق نشاطه للقيام بتوزيع صناديق الخضر والفواكه المقتناة من سوق الجملة من قبل تجار التقسيط بأحياء بنجدية ولاجيروند. والشيء الأكيد، أنه لمواجهة هذه الإكراهات والتحديات التي ما تنفك تتزايد بسبب ارتفاع عدد المصابين بفيروس كورونا المستجد بالمغرب، لا يدخر سائقو الشاحنات أي جهد لمواصلة نشاطهم خدمة للمواطن، هي تضحية أخرى تنضاف لسجل تضحياتهم.