عشية الإعلان عن انطلاق حوار وطني حول السجون في المغرب، أثار صدور تقرير برلماني عن أوضاع السجون بالمملكة جدلا سياسيا، فيما جدد الحقوقيون مطلبهم بإبعاد المندوب العام للسجون لتوليه مسؤوليات أمنية خلال سنوات الرصاص. أياما قليلة بعد "الهروب الكبير" لتسعة معتقلين إسلاميين من سجن القنيطرة سنة 2008، فاجأت السلطات المغربية الحقوقيين بتعيين حفيظ بنهاشم على رأس المندوبية العامة للسجون، وفصلها عن وزارة العدل لتلحق بالوزارة الأولى. تطور اعتبر في حينه مؤشرا على التراجع عن بعض المكاسب الحقوقية. فبنهاشم كما تذكر بذلك الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في تقريرها للنصف الأول من سنة 2012 "مسؤول سابق في الأجهزة الأمنية التي اقترفت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان إبان سنوات الرصاص"، وتعيينه على رأس المندوبية "يؤكد إرادة الدولة في تسييد المقاربة الأمنية في تدبير السجون". أربع سنوات بعد ذلك، يواجه بنهاشم اليوم تقريرا "أسودا" كما وصفته الصحافة المغربية، أعدته لجنة برلمانية حول أوضاع سجن عكاشة بالدار البيضاء. الأضواء أصبحت مسلطة أيضا على أوضاع سجناء الحق العام، بعدما تركزت مرارا على أوضاع المعتقلين السياسيين. جدل سياسي بقي حافظ بنهاشم في منصبه على رأس المندوبية العامة للسجون، رغم أن حزب العدالة والتنمية ظل يقف إلى جانب المعتقلين الإسلاميين في احتجاجاتهم عليه، حينما كان الحزب في المعارضة. بل إن المعارضة اليوم هي التي أضحت تتهم نواب العدالة والتنمية وحلفائهم في الأغلبية الحكومية بالسعي لإقبار التقرير البرلماني حول سجن عكاشة. في حواره مع DW يرد عبد الصمد الإدريسي، النائب عن فريق العدالة والتنمية عن هاته الاتهامات قائلا "المهمة الاستطلاعية جاءت أصلا بمبادرة من الأغلبية، وأنجزت بتعاون تام مع المعارضة. بصفتي مقررا للجنة أؤكد أنه ليس هناك أي تراجع عن مضامين التقرير. نحن مع أن يذهب إلى أبعد مداه القانوني والسياسي، ونطالب النيابة العامة (سلطة قضائية) بالتحقيق في ما تضمنه من اتهامات. كما أن ردود بنهاشم لم تكن مقنعة". بصفته مسؤولا في منتدى الكرامة لحقوق الإنسان (جمعية حقوقية مقربة من الإسلاميين)، يضيف عبد الصمد الإدريسي "بصفتي الحقوقية، أؤكد أن ما جاء في التقرير مجرد غيض من فيض. يجب الكف عن التعامل مع السجون بمنطق أمني". تصريحات الإدريسي لا تختلف عن تقييم الحقوقيين وبعض نواب المعارضة،غير أن هؤلاء غير راضين على تعامل الحكومة مع الموضوع. وفي نفس السياق تقول خديجة الرويسي، النائبة عن فريق الأصالة والمعاصرة المعارض، "لا نفهم لماذا لا يأمر وزير العدل النيابة العامة بالتحقيق في الاتهامات التي تضمنها التقرير، رغم أن القانون يفرض المراقبة القضائية للسجون". وتضيف بالقول: "وزير العدل يصر على التهرب من مسؤوليته ويقول لنا إنه يركز فقط على إصلاح القضاء. لدينا شهادات تؤكد تعرض سجناء للتعذيب، فهل ننتظر حتى ينتهي إصلاح القضاء، ليأمر وزير العدل النيابة العامة بفتح تحقيق حولها؟". جناح أبو ظبي حفيظ بنهاشم لم ينكر بدوره بعض ما تضمنه التقرير البرلماني حول أوضاع سجن عكاشة، غير أنه اتهم جهات لم يسمها ب"استهدافه شخصيا"، مؤكدا في تصريحات صحافية أنه هو من دعا اللجنة البرلمانية لزيارة سجن عكاشة. هذه اللجنة "لم تكن محايدة واستمعت فقط للسجناء" يقول بنهاشم. في حين تؤكد الرويسي أنها استمعت أيضا للموظفين. في انتظار مآل الجدل السياسي حول هذا الموضوع، ينبه عبد الله مسداد، عن المرصد المغربي للسجون (جمعية مستقلة)، إلى أن "الصدى الإعلامي الكبير الذي كان للتقرير البرلماني حول سجن عكاشة، لا يجب أن ينسينا أن إمكانية ولوج المؤسسات السجنية للتحري والمعاينة تظل غير متاحة أمامنا، خاصة بعد فصل المندوبية العامة للسجون عن وزارة العدل. كما أن اللجان الإقليمية لمراقبة السجون غير فعالة ولا أثر لها". أما أبرز الظواهر، التي كان لها صدى إعلامي كبير، فتتمثل في ما أورده التقرير البرلماني عن انتشار تجارة المخدرات في سجن عكاشة، و"الاعتداءات الجنسية على السجينات والسجناء"، وما سمي ب"جناح أبو ظبي". "بسبب الاكتضاض والمحسوبية يلقى بالسجناء في جناح يصطلح عليه "المزبلة"، لكي يفرض عليهم أداء رشاوى لنقلهم إلى أجنحة أحسن. قمة المحسوبية يمكن أن تصل بالمحظوظين إلى ما يمسى بجناح أبو ظبي في سجن عكاشة أو حي "أ" في سجن سلا، مثلا" توضح خديجة الرويسي. عقوبات بديلة مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات المغربي، كشف في مجلس النواب يوم الاثنين 23 يوليو/ تموز الجاري، أن عدد السجناء يفوق الطاقة الاستيعابية للسجون بنسبة أكثر من مائة في المائة. "عدد السجناء يفوق اليوم 65 ألف سجين بينما السجون ليست مهيأة إلا ل30 ألفا" كما قال الرميد. خديجة الرويسي ترى أن إصلاح نظام العدالة في المغرب من شأنه تخفيف الاكتضاض في السجون. "من أسباب الاكتضاض داخل السجون كثرة المعتقلين الاحتياطيين وطول مدة الاعتقال الاحتياطي، لذلك لا بد من احترام قرينة البراءة ومتابعة المتهمين الذين تتوفر لديهم ضمانات معينة في حالة سراح إلى حين الحكم النهائي بسجنهم". كما تنبه الرويسي إلى أهمية العقوبات البديلة. "لا يعقل أيضا أن لا تعمل العدالة بنظام العقوبات البديلة مثل الأشغال ذات النفع العام خاصة بالنسبة للمدانين بارتكاب جنح بسيطة. هذه الإصلاحات من شأنها أن تساهم في تحويل السجون من مكان للإيذاء إلى فضاء لإعادة الإدماج". مثل هذه الاقتراحات ينتظر أن تكون موضوعا للدراسة في الحوار الوطني حول السجون. حوار كلف رئيس الحكومة وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني بمباشرته، بعدما رفض وزير العدل والحريات إدراج موضوع السجون ضمن جدول أعمال حوار وطني آخر حول إصلاح القضاء. هذا الحوار ترى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن نجاحه مشروط ب "إبعاد المندوب العام الحالي للسجون". أما المرصد المغربي للسجون فيلح على "إلحاق إدارة السجون بوزارة العدل ووضعها تحت سلطتها". مراجعة: طارق أنكاي ينشر باتفاق شراكة وتعاون مع موقع DW Arabic (دويتشه فيله)