في سابقة خطيرة من نوعها، انقلبت فرق الاغلبية بمجلس النواب، التي دعت الى إجراء مهمة استطلاعية بسجن عكاشة، الى التشكيك في مضامين التقرير المنجز من طرف أعضاء هذه اللجنة، اذ تبادلت التهم مساء يوم الاربعاء في اجتماع لجنة العدل والتشريع في سابقة خطيرة من نوعها، انقلبت فرق الاغلبية بمجلس النواب، التي دعت الى إجراء مهمة استطلاعية بسجن عكاشة، الى التشكيك في مضامين التقرير المنجز من طرف أعضاء هذه اللجنة، اذ تبادلت التهم مساء يوم الاربعاء في اجتماع لجنة العدل والتشريع، حيث اعتبرت بعض الفرق النيابية من الاغلبية الحكومية ، أن هذا التقرير لا يعكس وجهة نظرها، رغم أن أحد مقرري هذه اللجنة ينتمى الى العدالة والتنمية، في حين رأى زميل له ان هذا التقرير لم تصادق عليه لجنة العدل والتشريع! وهي لحظات عرفت تشنجا كبيرا، الشيء الذي دعا علي اليازغي ، باسم الفريق الاشتراكي قبل ذلك، بعدما لاحظ ان النقاش يذهب في اتجاه معاكس، ويدخل في الشكليات، إلى التأكيد على أنه لا يمكن لنا أن «نغطي الشمس بالغربال»، متهما الأغلبية الحكومية بتغيير موقفها بخصوص التقرير المنجز مباشرة بعد رفع الجلسة الاولى التي تمت فيها تلاوة التقرير. وأضاف اليازغي« اننا اليوم أمام تقريرين، تقرير اللجنة وآخر للمندوبية العامة للسجون»، مشددا على أن الاصل هو تقرير اللجنة النيابية الذي يجب مناقشته، متسائلا: ماذا جرى حتى تم تغيير موقف الأغلبية، لتتمسك بالشكليات؟ داعيا الى مساءلة الحكومة في هذا الباب، على اعتبار مسؤوليتها عن واقع السجون المغربية. ملاحظات علي اليازغي المباشرة جعلت مقرر هذه المهمة الاستطلاعية عبد الصمد الادريسي من العدالة والتنمية، يصفه ب«البلطجي»! وهو السلوك الذي احتج عليه اعضاء الفريق الاشتراكي، مما دعا رئيس اللجنة محمد حنين الى رفعها، قبل أن يتم استئناف الاشغال، ويقدم عبد الله بوانو باسم فريقه، اعتذارا لعلي اليازغي. وفي مناقشته، قدم اليازغي ملاحظاته بخصوص التقريرين معا، حيث يقول ، إن ما جاء في هذا الباب يطرح مساءلة الحكومة حول ما يجري في السجون، وليس ان يتحول الأمر الى محاكمة اللجنة الاستطلاعية، ويبدو أن هناك توافقا سياسيا لبعض الأطراف، من أجل ضرب مؤسسة دستورية ، وهي البرلمان، وهو ما يشكل خطرا حقيقيا. متسائلا : هل يمكن الاستعانة بالكاميرات مستقبلا من أجل الاشتغال في مثل هذه المهام الاستطلاعية، بعد التشكيكات المتبادلة بين أطراف الأغلبية الحكومية بخصوص هذا التقرير. وردا على بعض التصريحات لفرق الأغلبية التي ذهبت الى القول بأن ما جاء في تقرير المهمة الاستطلاعية من أرقام صادمة ومعطيات مأساوية يسيء إلى صورة المغرب في الخارج، يرى اليازغي عكس ذلك، متهكما «أنه علينا مستقبلا ان نحرر تقاريرنا بلغة الخشب وفي جملة واحدة « المغرب أجمل بلد في العالم» ! وعلى المستوى العاطفي، يقول علي اليازغي، أن التقرير الاستطلاعي ذكره بطفولته، حينما كان يزور افراد عائلته الصغيرة والسياسية بسجن لعلو لزيارة المناضلين المعتقلين وعلى رأسهم الفقيد عبد الرحيم بوعبيد. كما ذكر بأن تقرير المندوبية العامة للسجون يقر بالاكتظاظ وبالفساد، وانتشار المخدرات، في حين لاحظ ان بعض النواب البرلمانيين يشككون في ذلك، وأصبحوا «ملكيين أكثر من الملك» كما يقال. عائشة لخماس طرحت في مداخلتها سؤالا إشكاليا مرتبطا بوجود من يطعن في هذا التقرير. وحسب ما جاء على لسان بعض النواب من الاغلبية الحكومية، تقول ، أننا الآن امام مجموعة من التقارير الشخصية تضمنها التقرير التركيبي. متسائلة: هل هذا تقرير اللجنة أم لا؟ مشددة على أن لا أحد له مصلحة لكي يتحدث عن اشياء غير حقيقية وواقعية. مضيفة أن اول خطوة للاصلاح هي الاعتراف بالاختلالات. وقدمت العديد من الامثلة التي وقفت عليها اللجنة الاستطلاعية، منها وضعية المستشفى والروض بعكاشة ، حيث صرح السجناء أنهم جيء بهم في آخر لحظة. واضافت البرلمانية الاتحادية «أننا كحكومة وبرلمان ومندوبية عامة، ملزمون بمتابعة كل نقطة أثيرت في التقرير ومعالجتها، ولا نتحجج بغياب الامكانيات المالية. كما نبهت الى أن زيارة واحدة غير كافية، مطالبة بزيارات أخرى للوقوف على الوضعية التي تعيشها السجون المغربية بالتفصيل، حتى لا نعيد إنتاج المآسي التي عرفتها سجوننا في الماضي. وقدمت شهادة كمحامية حينما تزور موكليها هناك، بأنهم يعانون من أمراض معدية ك«الجربة» مثلا. كما لاحظت أن بعض الأجنحة مهددة بالانهيار. وجوابا عن إحدى النقاط التي جاء بها تقرير المندوبية العامة للسجون، أكدت عائشة لخماس أنه حينما سألنا الادارة، هل هناك اختلاط بين الفتيات القاصرات والنساء، أكدت أن القاصرات في عنبر خاص بهن، لكن لدى الزيارة وقفنا على العكس، ملاحظة أن الوضع مُزر بكل المقاييس ويتطلب تدخلا مستعجلا واعتماد إمكانيات أخرى، مثل فتح أيام تضامنية لإصلاح وضعية السجون مثلا وغيرها حتى يتم تحسين الأوضاع، واحترام مواطنينا. وردا على المشككين في التقرير، رأت لخماس أن هذه الوضعية سبق أن رصدتها العديد من الجمعيات الحقوقية، وهناك إجماع في الموضوع: «باراكا مانخبيو»! خديجة اليملاحي طرحت سؤالا منهجيا بخصوص تمكين نواب الأمة من الوثائق قبل المناقشة، وذلك ردا على توزيع المندوبية العامة للسجون لتقريرها الجوابي داخل الجلسة، ورأت أن ما جاء في تقرير المهمة الاستطلاعية لا يشكل إلا جزءا يسيرا من واقع الحال، مشددة على أن الاختلالات التي رصدتها اللجنة النيابية عديدة، وعلى رأسها غياب الحكامة الجيدة وسوء التدبير، وكان من المفروض في جواب المندوبية أن يأتي بالحلول والاجراءات الكفيلة بتجاوز هذه الاختلالات، كما هو الشأن بالنسبة للاكتظاظ الذي أقر به تقرير المندوبية، وغياب الرعاية الصحية وانتشار المخدرات، ورأت أن الممارسات الشاذة هي طبيعية وتعود إلى قضية الاكتظاظ، وانتشار الأمراض المعدية. وبخصوص انتشار ظاهرة الرشوة طالبت خديجة اليملاحي باسم الفريق الاشتراكي، بأن تتقدم المندوبية بإجراءات ملموسة لمحاربة هذه الظاهرة، مشددة في مداخلتها على أن السجن هو مرحلة يمر منها السجين ويجب تهييئه لإدماجه فيما بعد في المجتمع. في حين نلاحظ أن السجن ينتج مجرمين محترفين عوض ان يكون فضاء للتهذيب والاصلاح. كما لاحظت عدم توزيع السجناء حسب مدد العقوبات والجرائم المرتكبة ، ووضع السجناء الاحتياطيين مع المدانين، كما هو الحال بالنسبة لعبد الحنين بنعلو الذي وقفت اللجنة على وضعيته. كما طرحت إشكالية السجينات الأمهات بمعية أطفالهن، داعية إلى الاهتمام بهذه الشريحة، راصدة في ذات الوقت معاناة الأسر الفقيرة مع أبنائهم المسجونين، حيث تضطر إلى توفير «القفة» لهم في غياب تغذية في المستوى ومتوازنة، مشددة على ضرورة إصلاح أوضاع سجون المغرب وأنسنتها والاهتمام بالحقوق الأساسية للسجناء، خاصة في ظل الدستور الجديد الذي يدعو إلى صون الكرامة، كما اعتبرت أن الاصلاح يتم أيضا عبر توفير الموارد المالية والبشرية ولا يمكن الاكتفاء بترديد «الله غالب»، تقول خديجة اليملاحي، بل هناك موارد مالية يمكن جلبها من صناديق موجودة وغيرها. كما اعتبرت أن إصلاح القانون الخاص بالسجون مرتبط أساسا بإصلاح منظومة العدالة بصفة عامة، وهو الاصلاح الذي تتحمل مسؤوليته الحكومة والبرلمان والمجتمع المدني، هذا الأخير الذي يجب منحه الدعم اللازم للمساهمة في هذا الاصلاح، وكذلك نهج سياسة وقائية من خلال التربية والثقافة والرياضة. تقرير المندوبية العامة الذي تلاه بشكل مشترك عبد الحفيظ بنهاشم وأحد المسؤولين بالادارة مصطفى حلمي، اعترف بوجود سجناء يعانون من الأمراض العقلية، كما أن العديد من الحالات المماثلة توجد بعدد من السجون بالرغم من صدور أحكام قضائية بانعدام مسؤوليتهم، وبضرورة إيداعهم بالمستشفيات الخاصة، لكن أمام ضعف الطاقة الإيوائية لهاته المستشفيات، فإن السجون تحتفظ بهم مجبرة، إلى حين وجود مكان لهم بالمستشفى. واعترف بنهاشم أن ما يقارب 42% من الساكنة السجنية بعكاشة هم احتياطيون، وأن 88% من السجناء يقل مستواهم الدراسي عن المستوى الإعدادي. وبخصوص الموارد البشرية، أكد التقرير أن عدد الموظفين انتقل من 6069 سنة 2008 إلى 9642، حيث أصبح كل موظف يؤطر 10 سجناء عوض موظف لكل 14 سجيناً، في حين أن المعدل المعمول به في بعض الدول هو موظف لكل 3 سجناء. ورصد بنهاشم الاعتداءات التي يتعرض لها الموظفون التي وصلت إلى حد القتل، وإحداث عاهات مستديمة. إذ سُجل منذ سنة 2007، ما مجموعه 378 حالة اعتداء، منها حالتا قتل بالسجن المركزي بالقنيطرة والسجن المحلي بآسفي. وأكد تقرير المندوبية أنه تم اتخاذ عدة اجراءات تأديبية في حق الموظفين المرتشين، والذين يتعاملون بشكل غير قانوني مع السجناء، وترويج الممنوعات. إذ بلغت هذه الحالات 274 حالة خلال 4 سنوات الأخيرة، منها 24 حالة تهم موظفي عكاشة، ومتابعة 22 موظفاً أمام القضاء منهم 4 موظفين بعكاشة الذين ضبطوا في حالة تلبس.