طالعت في في أسفل صفحة داخلية من جريدة خبرا ، هو ليس خبرا، ولكنه إعلان صغير. إعلان عن مسابقة في القصة القصيرة جدا. لدي تحفظ حول هذه ال 'جدا". ما علينا. قرأت الخبر المهمل والمكتوب بأحرف صغيرة. لم تتم الإشارة إلى الجهة المنظمة. فكرت قد تكون الجهة المنظمة هي الجريدة نفسها صاحبة الخبر. ثم استبعدت ذلك. فهذه الجريدة لا تهتم بالثقافة وبالأدب، ولا تنشر قصصا. أكانت قصيرة أم قصيرة جدا. لم يشترط الإعلان شروطا. لكن الإعلان أكد على أن لا تكون القصة قد نشرت من قبل في أي شكل ورقي أو إلكتروني. وبما أني مقل في كتابة القصة، غزير في الشعر. بكسر الشين وفتحها أيضا. فقد قمت إلى مكتبي. جلست حافي القدمين. عادة عند الكتابة أخلع الحذاء والجوارب. أغسل رجلي قبل البدء في الكتابة. لقد تكلمت عن طقوسي في الكتابة لمجلة "القصة الجديدة" التي سيصدر عددها الأول قريبا. تعلمت الكتابة الحافية من غ. غ. م. أي غابرييل غارسيا ماركيز شافاه الله. رأيت صورة غ. غ. م. على ظهر غلاف أحد كتبه يجلس إلى طاولة. يكتب على آلة كاتبة وكان حافي القدمين. فألهمني إبداع نظرية جديدة. أعترف. أنا مدين لهذا الكولومبي بنظريتي عن "الكتابة الحافية". لمن يرغب في الاستفادة أن يقرأ حواري الصحفي. حيث أفضت في شرح أهمية القدمين في عملية الكتابة والرسم. بدأت بكتابة: ق. ق. ج. أي قصة قصيرة جدا. ثم كتبت عنوان القصة. في "الكتابة الحافية" ضروري كتابة العنوان أولا وعدم تأخيره إلى الانتهاء من كتابة النص. من العنوان تنهمر السطور التي تحمله. كتبت العنوان فجأة. وهذا أساسي أيضا في نظريتي. مفاجأة العنوان والقبض عليه ليعترف بأقواله. فالكاتب كالمحقق والعنوان متهم حتى تثبث براءته. وبراءته يمنحها القارئ. كتبت "النظر في الوجه العزيز". ثم توقفت. ظللت أنظر في الورقة المسطرة. فرأيت وجهي. تحولت الورقة إلى مرآة. والمرايا خلقت للكتابة وتصلح للرسم. تساءلت هل أنا المقصود بالوجه العزيز؟ . عدت إلى الجريدة. أعدت قراءة الإعلان. كيف لم يذكروا القيمة المالية للجائزة. ليست هناك مسابقة من دون جوائز. لا كتابة من غير حوافز. أحسست بعدم الرغبة في متابعة الكتابة. انتعلت حذائي. خرجت إلى الشارع. جلست في مقهى "السندباد". جاء النادل بفنجان قهوتي وكأس ماء وجريدة. يعرف النادل ابراهيم عادتي منذ عشرين سنة. لا يمكنني تبديلها. كأنه هو من فرضها علي أو قل إنه يفرضها علي. أمسكت بالجريدة. قرأت على صفحتها الأولى خبرا يقول: (صاحب "النظر في الوجه العزيز" يفوز بجائزة نوبل). التفت حوالي. لا مرآة في المقهى ولا زبونا غيري. ناديت على ابراهيم. جاءني النادل ابراهيم فرحا يهنئني. قال: فاز صديقك الكاتب أحمد بوزفور بنوبل. لقد فعلها. هنيئا لنا. إنه صديقنا. من رواد "السندباد". ثم سألني: تراه بعد نوبل سيبقى من زبناء " السندباد " أم سيصبح "الغابر الظاهر"؟. رفعت رأسي إلى شاشة التلفزيون. كانت مذيعة القناة الأولى تقرأ خبر فوز أول مغربي بجائزة نوبل. بعدها ملأ السي أحمد بوزفور الشاشة وأدلى بتصريح. لم يجب عن سؤال المذيعة حول وقع خبر حصوله على الجائزة. لم يتكلم الفائز عن الأدب. تعمد ذلك. بدأ بوزفور بالترحم على محمد زفزاف ومحمد شكري والبشير جمكار وأحمد جارك ومبارك الدريبي ومليكة مستظرف ومحمد البوعزيزي وكمال الحسيني وفدوى العروي. قال ابراهيم لقد اختلطت على السي أحمد أسماء الكتاب بأسماء شهداء حركة 20 فبراير.. أجبت: الجميع كتاب وشهداء في نفس الوقت. هذا ما تقوله الكتابة الحافية. إن أحمد بوزفور كاتب حاف. رد علي ماسح أحذية: اختصر وقل كاتب "طابي وخلاص". *اسمحوا لي. لم يتركني ذلك الرجل أن أكمل قصتي. فقد تدخلت الحكومة المغربية لدى السلطات العليا بالمملكة السويدية لأن تسحب الجائزة من كاتب حاف متمرد. وفوجئت لجنة جائزة نوبل برسالة من أحمد بوزفور يعلن فيها رفضه للجائزة. وفي ندوة صحفية صرح بوزفور بأن الكتابة الحافية لا تصبح كذلك إذا هي انتعلت الجوائز. ورمى فردتي حذائه على تمثال المفكر رودان. وذهب لموعده بمقهى السندباد حيث كنت أنتظره رفقة صديقه مولاي عبد العزيز وهب والآخرين. الأحد 23 يوليوز 2012 المعاريف، الدارالبيضاء *كاتب وإعلامي