"..قادوا العالم وقرروا مصير الملايين من البشر في مراحل تاريخية معينة، وحيكت من حول شخصياتهم الفذّة قصص وروايات وبعض الأساطير: انهم قادة العالم في الحروب والمواقف الصعبة، أظهروا سلطة وعنفاً وأيضاً وحشية واضطهاداً وظلماً، ومع هذا كانوا في حياتهم الخاصة وفي منازلهم الزوجية يتحول فيهم الوحش الى نعجة... كلهم يخضعون أمام زوجاتهم أو عشيقاتهم ويضعفون إزاء نوبات غضبهن أو غيرتهن ويفعلون أي شيء لامتصاص نقمتهن واسترضائهن بأي وسيلة ممكنة". هذا جزء من مقدمة البحث الذي أجرته الفرنسية ديان دوكريه وصدر في كتاب بعنوان "زوجات ديكتاتوريين" والذي تصف فيه اللحظات التي كانت تشهد على تحول "طغاة الأمس" الذين هددوا العالم بقراراتهم الدامية وتسببوا بهلاك الملايين. كما انها تشير الى التأثير الذي كانت تتركه المرأة الزوجة أو العشيقة على قرارات مصيرية وتوجهات سياسية أو عسكرية: من العشيقة الوحيدة والدائمة الفرنسية لسالازار الى الألف حب في حياة ماوتسي تونغ، ومن موسوليني وبوكاسا الى لينين وأثر زوجته ناديا كروبسكايا وستالين وزوجته المنتحرة آليلوييفا وصولاً الى هتلر وأثر عشيقته ايفا براون... كلها علاقات عاطفية كانت ميزتها خضوع هؤلاء الديكتاتوريين أمام طغيان زوجاتهم وعشيقاتهم حين كانوا يحكمون التاريخ بقرارات دامية. استندت ديان دوكريه الى معطيات كثيرة ووثائق نادرة لتسرد أجزاء من حياة زعماء وبأسلوب مشوّق لا يخلو من الطرافة. ننقل من كتاب "زوجات ديكتاتوريين" بعض المقاطع المشوّقة: موسوليني تحت رحمة عشيقة اعتنقت الإسلام...خلال إلقائها خطاباً في آذار 1913، وجدت ليدا رافانيللي نفسها تحت تأثير التنظيمات الموسولينية. فنشرت مقالة لها وصفته فيها بالتالي: انه الاشتراكي لعصر بطولي... انه يشعر ويؤمن في مسيرته المليئة بالرجولة والقوة..." وفي نهاية المقالة كتبت: "انه رجل بكل معنى الكلمة!". أرسل اليها موسوليني في اليوم التالي كلمة شكر، فردت عليه بدعوة. لم يعارض فكرة الدعوة لكنه طلب ان تبقى سرية. وجد نفسه يقوم بزيارة لامرأة لا يعرفها، ومع هذا حرص على ان يكون في كامل اناقته العسكرية: المعطف الطويل، الحذاء الضخم والقبعة المعهودة التي كان يرتديها على الدوام. أما المستضيفة فقد وصفها هو في كلام أو تصريح لاحق له جاء فيه: "كانت مشيتها رائعة وفيها شيء من التحدي، أما جسدها فكان ممتلئاً ومُغرياً وشفتاها كبيرتين... وكانت امرأة جريئة ومتحررة في وسط تقاليد ايطاليا ما قبل الحرب. كانت قد اعتنقت الإسلام وبالتالي اعتمدت أسلوباً خاصاً في لباسها، فكانت تضع على رأسها منديلاً تربطه من حول شعرها وفي يديها مجموعة أساور فضية وفي أذنيها الحلى الضخمة، أما منزلها، فكانت قد حولته أيضاً الى مناخات شرقية وفيه بعض القطع والأثاث من مصر. ومن حول كل شيء كانت تفوح رائحة العطور والبخور، أما القهوة فكانت تقدمها تركية متأصلة في رائحتها الخاصة. شعر بينيتو انه متضايق الى حد ما، فما كان يعرف ماذا يختار من الكلمات ليحادثها واعتبر انه من الأفضل له ان ينسحب قبل ان يباشر بأي مبادرة. اعتذر منها بعد أيام عبر رسالة وجهها لها، كتب فيها ان تصرفه ذلك كان بسبب خجله "وحساسيته الزائدة حيال العطور المصنوعة في الشرق". ربما انه عاد وعاش في تلك اللحظات عندها تجربة "البخور الليثورجي" في صباحات الأحد من طفولته حين كان يحضر القداسات الصعبة ويشعر انه سيفقد الوعي بسبب الرائحة القوية. وهو عرف كيف يختار كلماته فكتب لها: "امضيت ثلاث ساعات طيبة. نحن نحب الوحدة. فأنت تعيشينها في أفريقيا، اما أنا فبين الحشود في مدينة صاخبة. أما الهدف فهو واحد ومتشابه، ويوم أشعر انني راغب بفسحة خاصة لي، سآتي لمقابلتك وسنقرأ نيتشيه والقرآن". قبلت الفتاة بالأمر ولم تحرجه بالسؤال عن تصرفه. ثم عادا والتقيا أكثر من مرة في مواعيد خاصة بهما لم يفشل موسوليني خلالها في تحطيم كل المقاومة التي أبدتها فريسته. وفي سبيل جعلها تخضع لسحره، عمد موسوليني الى إغرائها بالأساليب التي تقنعها فلبس ثياب البدوي الكاملة في الصحراء من البرنس الى الطربوش مروراً بالحلي الخاصة بالرجال، فوضع عقداً من العنبر. وقد كذب عليها بالتأكيد في البداية عن وضعه الاجتماعي فقال بأنه غير متزوج ولعب دور الدونجوان المتحجر القلب الذي تنتظره المرأة المثالية: "كل رجل، كما تعرفين، راغب في بناء حياة صعبة وغير عادية بحاجة الى ملهمة ومساعدة. هل تفهمينني؟" وهو عرف كيف يرضي لديها الحس الأنثوي، لذا صرّح لها بأنه بحاجة الى ملهمة وليس الى عشيقة: "أرغب في ان تفهمني حتى عمق أعماق روحي، أريد ان اعترف لها بكل شيء، فأقول لها كل أسراري وانتظر منها النصائح أو التحذيرات إذا أخطأت، هل تفهمينني؟". هي زيزن: نَمِرَة في منزل ماو إبن خنزير، بيضة سلحفاة، مجرد نكرة لا تفكر إلا بالعاهرات! سوف ألقنك درسا بنفسي لأرى كيف تأتي بنفسك هكذا لتعاشر هذه الفاسقة البورجوازية!" أيار 1937. انه جزء من غضب زوجته هي زيزن. وها هي تضرب الخائن أمامها بكل ما تجده أمامها. أما المرافق والحارس فيقف جانباً ويتفرج، فليست المرة الأولى التي يشاهد فيها عرضاً مماثلاً. أما ماو فكان يعترض فقط بالقول انه دخل فقد للثرثرة قليلاً مع ليلي. أما زيزن فلم تكن تصدق ما يقوله. وهي لم تعد تقوى على تحمّل خياناته. فهو كان قد تخلى عن يانغ كايهوي من أجلها وهذا ما جعلها تشعر بالفخر. ولكن ان يجرؤ على خيانتها، هي، ومع تلك الممثلة ذات الأزياء المغرية! وكانت قد صبت غضبها عليها، فأمسكت بشعرها وشدتها ومن ثم خدشتها في وجهها. يومها، لم يتدخل ماو. فالقتال ضد الامبرياليين السوفياتيين في غومندنغ أمر أكيد، أما ضد امرأتين تتقاتلان، فالأمر مستحيل: "يا للقذارة الامبريالية!" كانت تصرخ. ثم أضافت: "كل هذا بسببك، إرحل من هنا!" ثم صفعت زيزن الصحافية الأميركية آنياس سمدلي التي نظمت اللقاء بين ماو والممثلة. غير ان المراسلة القوية ردت لها الصفعة بقوة، فجعلت زيزن تفقد صوابها، ومن ثم تقع على ركبتيها. ثم عادت ووقفت وصرخت في وجه ماو قائلة: "في نهاية المطاف، أي صنف من الرجال انت، وأي صنف من الشيوعيين؟ تترك واحدة وسخة من الامبرياليين تضربني وانت تتفرج!". كان ماو ينظر اليها. ثم طلب من مرافقه وحارسه الخاص ان يساعدها لتقف. كانت زيزن في قمة غضبها، فركلته بقوة. واستلزم الأمر ثلاثة من المرافقين ليهدئوا من روعها. لحق بهم ماو، مطأطئ الرأس. إيفا براون الى هتلر: "كلبتك عجّل!" لم تكن ايفا تفعل سوى ما في رأسها: استمرت في تناول الكحول، واللحوم، وأيضاً في التبرج. كانت غاية في الأناقة، وكانت تصرّح بشغفها بالصرعات الجديدة في عالم الأحذية. كانت غرفتها المخصصة للأزياء هائلة وكانت تغيّر ملابسها بحدود ست مرات في اليوم الواحد، وكانت تحب السفر الى إيطاليا للتبضّع وشراء الفساتين والأحذية، خصوصاً من محال الخياط والمصمم فيرّاغامو. وكانت إيفا تمتلك كاتالوغاً بأزيائها لتتذكّر ما لديها. ولم تكن تقبل الظهور إلا بأبهى حلة. فكانت تقوم بتزيين وتمشيط شعرها في منزلها حيث تحضر المزينة وتبتدع لها كل يوم موديلاً جديداً لشعرها، حتى كان أدولف يقول لها: "لم أعرف أنكِ أنتِ في هذه التسريحة الجديدة!". أما أدولف فلم يكن يشبهها بهوس الأزياء وكان يفضل أن يراها طوال النهار بفستان واحد يحبه. لم يكن آلفي (أدولف) يحتمل التغيير كثيراً، كذلك الأمر في النساء! كانت إيفا تملي على أدولف ما يتوجب عليه أن يفعل! وحين انتقلت للعيش في بيرخوف، طُلب منها أن يرافقها الكلاب دوماً لحراستها، فاختارت كلبين صغيرين من نوع سكوتيش وكان اسمهما: "ستاسي" و"بيغوس"، غير أن الكلب الخاص بأدولف هتلر، من نوع "بيرجيه ألمان" وكانت كلبة وتدعى "بلوندي" لم تتوافق هذه الأخيرة مع كلبيّ إيفا، فكانت ردة فعل إيفا أنها طلبت منه احتجازها دائماً في غرفته مع رفض مطلق لها: "كلبتكَ عجل!" شعر هتلر بالإهانة ولم يرفض لها طلبها غير أنه رفض أن يتصور معها بحضور كلبيها. غضبت منه لكنه عاد وتصالح معها ككل مرة بأن اشترى لها مجوهرات رائعة وطلب منها بنعومة: "إيفي، هل تسمحين لكلبتي التعيسة بلوندي بأن تمضي معنا نصف ساعة لا غير؟". كان بعض الضيوف في بيرخوف يمضون فقط عيد رأس السنة، العيد الوحيد الذي أبقى عليه الفوهرر، الى جانب إيفا وهتلر. في كل الأعياد كان هتلر يشعر بالحرج، كالعادة. فهي تصرّ عليه بأن يهتم أكثر بأناقته: "أنظر الى موسوليني! لديه بذة عسكرية جديدة! وأنت، لا زلت تحتفظ بهذه القبعات الخاصة بساعي البريد!" كما كانت تشن حرباً على طريقته في اللباس، فترفض ربطات عنقه السوداء والمعتمة كما أحذيته السوداء، وتطلب من المساعدين في المنزل أن يتم كيّ كل ثيابه مراراً في اليوم الواحد. كما كانت تنتقد طريقته في تمشيط شعره خصوصاً الخصلة الأمامية لم تكن تحبها على الإطلاق، كما كانت تنزعج حين يجرح وجهه وهو يقوم بحلاقة ذقنه. فكان هتلر يرد عليها بالقول: "ثمة دم يُهدر حين تتم عملية الحلاقة عند الرجال أكثر من الدم المهدور في ساحات القتال في كل الحروب!". دلال إيلينا تشوشيسكو والعيش الرغيد حزيران 1975، خليج القبّة على البحر الأحمر. الثنائي تشوشيسكو في ضيافة الملك حسين في الأردن خلال فرصة سنوية. إنها المرة الأولى التي تركب فيها إيلينا اليخت. أعجبها هذا "اللوكس" المائي الذي لم يكن قد خطر في بالها. وبعد رحلة بحرية، قاموا بنزهة على الشاطئ فراحت تبكي وتقول: "أريد هذا اليخت! (...) لن أغادر من دونه!". أعجبت الفكرة نيكولاي تشوشيسكو: فلماذا لا يمتلك يخته الخاص فوق البحر الأسود؟ ما هذا البلد الشيوعي، رومانيا، إذا كانت هذه الأخيرة غير قادرة على منح رئيسها هذه الهدية؟ فأرسل سريعاً موفداً من قبله ليناقش الملك حسين بالموضوع وفي اليوم التالي اتصل الملك حسين موضحاً: "أعتذر ويجب أن تفهما أن هذا اليخت هو هدية شخصية لابنتي عليا، أميرة الأردن". ساد الصمت، وكانت الأوضاع توشك بالوصول الى حدّ القطيعة الديبلوماسية، فكان أن حصل بعض التوافق حين صرّح الملك حسين بالآتي: "سآمر فوراً بجلب يخت شبيه له في الولاياتالمتحدة الأميركية وسنطلق عليه اسم: "صداقة". كان زوج إيلينا حينها يحتل المركز الرقم واحد في بلاده منذ عشرة أعوام وكانت كل طلبات هذه المرأة لا تُردّ، حتى تلك التي توصف باللامعقولة، وذات يوم صرّحت: "اليوم، رومانيا معروفة في الغرب أكثر من برج إيفل، ومحترمة أكثر من ملكة إنكلترا. وكل هذا بفضل "الرفيق" (تشوشيسكو) وبفضلي!". بوكاسّا يمتنع عن الكحول بأمر من الإمبراطورة المستقبلية! حين التقى بوكاسّا كاترين في هاردريكور، بدا ليناً للغاية في تعامله معها على غير عادة وترك لها أن تدير شؤون القصر. فذاك الذي كان يصدر الأوامر بصوته الجارح كان في غاية النعومة أمامها حين يطلب منها أي شيء! كما كانت "الإمبراطورة" تراقب طعامه وتملي عليه كل ما يجب فعله. وقد صرّح أحد ضيوف القصر ذات مرة ما سمعها تقوله له: "بابا، اليوم سأجعلك تخضع لحمْية قاسية! ستشرب الماء فقط! غير أن بوكاسّا كان بمثابة ممثل محترف. كان يفعل كل الألاعيب ليحصل على نقطة نبيذ! وكان يلاطفها ويتكلم برقة وكأنه نعجة!". وذات مرة، وجدته مخموراً وعلى وشك أن يفقد وعيه، فأخذت منه قنينة الكحول وأفرغتها في المغلسة قائلة بحزم: "الإمبراطور المستقبلي، يجب ألا يكون سكيراً!".