منذ انتشار الهوس العالمي المؤمرك بمحاربة ما سمي بالإرهاب, بعد أحداث 11 شتنبر خاصة , و الأنظمة الثالثية تسارع لإصدار قوانين تحد من الحريات العامة و من حقوق الإنسان مع الإبقاء على الشرعية الدولية ,باعتبار أن القطب الأحادي العالمي هو المنظر الأول لقانون الإرهاب, وبالمغرب و كما هو الشأن بالنسبة لأغلب دول العالم الثالث اصدر قانون الإرهاب و وافق عليه البرلمان المغربي رغم المعارضة القوية التي لقيها من هيئات حقوقية و مدنية و من شخصيات خبيرة في القانون الجنائي المغربي و العالمي . ضمن هذا السياق العالمي والخطة الأمنية الجديدة أعدت الحكومة في ذلك الوقت مشروع قانون مكافحة الإرهاب بشكل فاجأ الجميع لسرعة انجازه و استصداره، وقدمته للبرلمان للتصديق عليه دون أن تأخذ بعين الاعتبار مواقف المنظمات والجمعيات الحقوقية والأحزاب السياسية ، كونه ليس قانونا عاديا في ظروف عادية، خاصة وأن هناك قوانين أكثر أهمية لم تقدم للمصادقة عليها و ظلت لعقود في رفوف دواوين الحكومات المتعاقبة. ويعرف القانون الجريمة الإرهابية بأنها تلك التي تهدف "إلى المس بالأمن العام بواسطة التخويف أو القوة أو العنف أو الترهيب أو الترويع"، وحدد تلك الجرائم في: المس بأمن وسلامة الدولة الداخلي والخارجي، المس بحياة الأشخاص، التخريب والإتلاف، تحويل الطائرات أو السفن أو أية وسيلة من وسائل النقل، السرقة وانتزاع الأموال، صنع أو إستعمال أو ترويج أو نقل الأسلحة والمتفجرات، تكوين عصابة، تقديم وسائل الإعانة لهذه الأفعال، والإشادة أو الدعاية"لأفعال تكون جريمة إرهابية بصفة علنية" بل و هناك من زاد في تفسير القانون انه يعاقب حتى على التعاطف مع الارهابيين. و هكذا و لملابسات متعددة تضرر العديد من المواطنين بل العديد من المنطلقات الفكرية و الإيديولوجية بفعل سياسة الإقصاء التي طالتهم و التي أودت بالعديدين للسجون و المعتقلات و ما رافق ذلك من انتهاك واضح لأبسط الحقوق سواء في المحاكمة العادلة او في الاعتقال الإنساني و الكل بطبيعة الحال يعرف ما سببه هذا القانون اللاإنساني من كوارث على أفراد و اسر بل و على أفكار و إيديولوجيات معتدلة. تنادت أصوات متعددة بإلغاء هذا القانون و خاصة بعد الربيع العربي المغربي مع حركة العشرين من فبراير ووعدت حكومة بن كيران بالنظر في الأمر قبل ان تنصب, ولكن بدل ان تحقق وعودها تفاجئنا بنسخة مطابقة لهذا القانون بصيغة أخرى و الذي قد يحدث ضررا أقوى بكثير مما أحدثه و سيحدثه قانون الإرهاب, هذا القانون هو قانون حصانة العسكر. اذا كان السياق العالمي المتمثل في الضغط الأمريكي و السياقي الوطني المتمثل في تفجيرات الدارالبيضاء و ما رافقها, قد أديا الى إصدار قانون الإرهاب فان الظرف الحالي المتمثل في الترويج للحكامة الجديدة و الربيع العربي و الحكومة الجديدة الشعبية لا يبرر أبدا إصدار قانون الحصانة للعسكر, هذا الأخير الذي يميز فئة من المواطنين عن فئات أخرى حتى تلك التي تمارس مهاما مشابهة(في اشارة لتشابه مهمة الدرك بالشرطة) و يجعلهم أشخاص ببساطة فوق القانون و فوق العقاب و المحاكمة مما يزيد في تكريس فكرة غياب المحاسبة و هشاشة القضاء المغربي. يأتي هذا القانون في إطار الفكر الأمني الذي زادت الحكومة الجدية من انتهاجه او في إطار تمرير قوانين في ظل حكومة إنقاذ ستنهار بانتهاء دورها المتمثل أساسا في التخفيف من الربيع العربي و إفقاد الثقة في الإسلاميين, هذا القانون الذي يعتبر مثيرا الى حد كبير حيث يرفع فئة فوق القانون خاصة في البنود 6/7/8 منه, نأخذ للمثال المادة السابعة من القانون رقم 12.01 "لا يسأل جنائيا العسكريون بالقوات المسلحة الملكية الذين يقومون، تنفيذا للأوامر التي تلقوها من رؤسائهم التسلسليين في إطار عملية عسكرية تجرى داخل التراب الوطني بمهمتهم بطريقة عادية. في هذا الإطار وطبقا للأحكام التشريعية الجاري بها العمل، يتمتع العسكريون بحماية الدولة مما قد يتعرضون إليه، من تهديدات أو متابعات أو تهجمات أو ضرب أو سب أو قذف أو إهانة، بمناسبة مزاولة مهامهم أو أثناء القيام بها أو بعدها. ويستفيد أزواج وأولاد وآباء وأمهات العسكريين من نفس حماية الدولة، عندما يتعرضون بحكم مهام هؤلاء إلى التهديدات أو التهجمات أو الضرب أو السب أو القذف أو الإهانة. لا يسأل كذلك جنائيا، العسكريون الذين يقومون بطريقة عادية ومع احترام قواعد القانون الدولي الإنساني، في إطار عملية عسكرية تجري خارج التراب الوطني، بالمأمورية التي انتدبوا من أجلها." هذه المادة التي تخالف ابسط حقوق الإنسان لما تمتع به العسكر من شرعية القمع بل حتى القتل دون متابعة كما تنتهك مجموعة كبيرة من بنود حقوق الإنسان الدولية و المتعلقة بالحريات أساسا و بالحقوق المدنية المتعارف عليها دوليا كما تخالف المادة السابعة من القانون رقم 12.01 وبشكل صريح الفصل 22 و 23 من الدستور، فالفصل 22 يقر بأنه: " لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت،خاصة,أوعامة. لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية. و ينص في الفصل 23 في بنده الثاني على أن "الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري، من أخطر الجرائم، وتعرض مقترفيها لأقسى العقوبات". وعليه فمن خلال هذه الفصول الدستورية يتضح بصريح النص أن المادة السابعة من مشروع القانون رقم 12.01، غير دستورية وبالتالي وجب إلغائها أو تعديلها حتى تتوافق مع أحكام الدستور. هذا و قد تعرض مجموعة من الخبراء و الفقهاء القانونيين و الدستوريين الى هذا القانون بالتفصيل و أوضحوا مخالفته البينة لحقوق الإنسان و المواطنة مما يستدعي وقفة صارمة أمام حكومة يمكن ان نصفها بكل جرأة انها حكومة التراجعات الحقوقية و الحريات الفردية و الجماعية, في الوقت الذي وصف به الدستور انه دستور الحريات, ونخاف إن يصبح العسكر قريبا سيفا على رقاب المواطنين قمعا و قتلا و اغتصابا بدل إن يكون في ثكناته مستعدا لأي خطر خارجي في الوقت الذي تتكفل الشرطة على علاتها بالأمن الداخلي ,هذا و الحذر كل الحذر للحكومة التي تمرر قوانين لاشك أنها تحد من شعبيتها خدمة للوبي الفساد الذي يروم الرجوع الى السلطة ( وهو الذي لم يبارح الا واجهتها) و بالتالي فبدل ان تحارب الفساد فهي تخدمه دون ان تدري بإصدار قوانين كهذه و الفشل في إصدار قوانين أخرى كالضريبة على الثروة. للتواصل و ملاحظات القراء هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.