أثار مشروع القانون رقم 12.01 المتعلق بالضمانات الأساسية الممنوحة لعسكريي القوات المسلحة ولاسيما المادة السابعة منه الكثير من ردود الفعل المنتقدة ، مما دفع بالعديد من الهيئات الحقوقية للمطالبة بإلغاء المادة السابعة من المشروع، واعتبارها تراجعا عن نصوص الدستور المغربي والتزامات المغرب الدولية. وسنحاول في هذا المساهمة البسيطة تقديم دراسة قانونية لمدى مطابقة المادة السابعة من مشروع القانون رقم 12.01 لأحكام الدستور المغربي الجديد ولقواعد القانون الدولي. تنص المادة السابعة من مشروع القانون رقم 12.01 بأنه "لا يسأل جنائيا العسكريون بالقوات المسلحة الملكية الذين يقومون، تنفيذا للأوامر التي تلقوها من رؤسائهم التسلسليين في إطار عملية عسكرية تجرى داخل التراب الوطني بمهمتهم بطريقة عادية. في هذا الإطار وطبقا للأحكام التشريعية الجاري بها العمل، يتمتع العسكريون بحماية الدولة مما قد يتعرضون إليه، من تهديدات أو متابعات أو تهجمات أو ضرب أو سب أو قذف أو إهانة، بمناسبة مزاولة مهامهم أو أثناء القيام بها أو بعدها. ويستفيد أزواج وأولاد وآباء وأمهات العسكريين من نفس حماية الدولة، عندما يتعرضون بحكم مهام هؤلاء إلى التهديدات أو التهجمات أو الضرب أو السب أو القذف أو الإهانة. لا يسأل كذلك جنائيا، العسكريون الذين يقومون بطريقة عادية ومع احترام قواعد القانون الدولي الإنساني، في إطار عملية عسكرية تجري خارج التراب الوطني، بالمأمورية التي انتدبوا من أجلها." فالملاحظ من خلال هذه المادة أن العسكريين الذي ينفذون الأوامر الصادرة عن رؤسائهم، يتمتعون بحصانة تامة أمام المساءلة الجنائية، وبالتالي استحالة متابعتهم قضائيا عن أي مخالفة قد يرتكبونها أثناء تنفيذهم للأوامر الصادرة لهم. فإلى أي حد تخالف هذه المادة النصوص والقواعد الدستورية والدولية؟. أول تعارض للمادة السابعة من مشروع قانون ضمانات العسكريين مع الدستور المغربي، يتجلى في مخالفتها لأحكام الفصل السابع من الدستور والذي ينص على أن "القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين واعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له". فمن خلال منطوق هذا الفصل فإن من عدم المساواة أمام القانون أن يتم منح فئة من المواطنين حصانة أمام القانون ذاته. وهنا قد يعترض البعض بالقول بأن فئة العسكريين تباشر مهام لا يمارسها بقية المواطنين، وبالتالي يجب منحهم امتيازات عن بقية المواطنين بالنظر لطبيعة أعمالهم، وإذا صح هذا القول –فرضا- فإن من عدم المساواة أمام القانون أن يتم التمييز بين الفئات التي تملك حق ممارسة "القمع المشروع"، ذلك أن قوات الدرك الملكي والتي تملك الصفة العسكرية تمارس غالبية مهام قوات الأمن الوطني، فعلى أي أساس يتم محاكمة أفراد الفئة الثانية الذين قد يرتكبون مخالفات جنائية وبأوامر قد تكون صادرة عن رؤسائهم المباشرين، في حين يتمتع عناصر الفئة الأولى بالحصانة أمام المساءلة. ألا تنعدم هنا المساواة أمام القانون طبقا للفصل السابع من الدستور؟ كما تخالف المادة السابعة من المشروع رقم 12.01 وبشكل صريح الفصل 22 و 23 من الدستور، فالفصل 22 يقر بأنه: " لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة. لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية. وينص في الفصل 23 في بنده الثاني على أن "الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري، من أخطر الجرائم، وتعرض مقترفيها لأقسى العقوبات". وعليه فمن خلال هذه الفصول الدستورية يتضح بصريح النص أن المادة السابعة من مشروع القانون رقم 12.01، غير دستورية وبالتالي وجب إلغائها أو تعديلها حتى تتوافق مع أحكام الدستور. هذا بخصوص مخالفة المادة السابعة لأحكام الدستور، أما بالنسبة لمخالفتها للقانون الدولي فهذه المادة تتعارض مع أحكام القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، واللذين وقع المغرب على بعض اتفاقياتهما. ومخالفة أحكام الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها المغرب يعتبر مخالفة لأحكام الدستور ذاته، ذلك أن الاتفاقيات الدولية وبموجب الدستور نفسه تحتل مكانة أسمى من التشريعات الوطنية متى تمت المصادقة عليها، وهذا ما أقرته ديباجة الدستور والتي تعتبر جزءا لا يتجزأ منه. ونبدأ مع مخالفة المادة السابعة من القانون رقم 12.01 لمشروع القانون رقم 12.20 المقدم للبرلمان للمصادقة عليه والمتعلق بالاتفاقية الدولية "حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري"، والذي يقر بعدم جواز حصانة العسكريين أمام المسائلة الجنائية، حيث تنص المادة السادسة من الاتفاقية على: 1. تتخذ كل دولة طرف التدابير اللازمة لتحميل المسؤولية الجنائية على أقل تقدير: أ). لكل من يرتكب جريمة الاختفاء القسري، أو يأمر أو يوصي بارتكابها أو يحاول ارتكابها، أو يكون متواطئا أو يشترك في ارتكابها، ب). لا يجوز التذرع بأي أمر أو تعليمات صادرة عن سلطة عامة أو مدنية أو عسكرية أو غيرها لتبرير جريمة الاختفاء القسري". وتنص الاتفاقية كذلك في مادتها الثالثة والعشرين –البند الثاني- "تعمل كل دولة طرف على حظر إصدار أي أوامر أو تعليمات تفرض الاختفاء القسري أو تأذن به أو تشجع عليه، وتضمن كل دولة طرف عدم معاقبة شخص يرفض الانصياع لهذا الأمر". وعليه فإن الحكومة ملزمة أمام هذه المواد الصريحة التي ترفض منح أي شخص حصانة قانونية أمام المساءلة الجنائية سواء كان مأمورا أو آمرا، إما بإلغاء المادة السابعة من مشروع قانون الضمانات الأساسية الممنوحة لعسكريي القوات المسلحة، أو بالسحب النهائي لمشروع قانون اتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. وحتى وإن لجئت الحكومة للخيار الثاني فإن هناك اتفاقيات أخرى وقع عليها المغرب تلزمه بعدم منح أي شخص حصانة من المساءلة الجنائية. فاتفاقية "منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها" لسنة 1948 والتي انضم إليها المغرب بتاريخ 24 يناير 1958 أقرت رفض الدفع بالحصانة للإفلات من العقاب بنصها في مادتها الرابعة "يعاقب مرتكبو الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة من الاتفاقية سواء كانوا حكاما دستوريين أو موظفين عامين أو أفرادا". ونفس الأمر أشارت إليه اتفاقية "مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو أللإنسانية أو المهينة" لسنة 1986،والتي صادق عليها المغرب ودخلت حيز التنفيذ بتاريخ 21 يوليوز 1993، فنصت في مادتها الثانية على أنه "لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أيا كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديد بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب. و لا يجوز التذرع بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة أو عن سلطة عامة كمبرر للتعذيب". ونصت في مادتها الرابعة على أن "تضمن كل دولة طرف أن تكون جميع أعمال التعذيب جرائم بموجب قانونها الجنائي، وينطبق الأمر ذاته على قيام أي شخص بأية محاولة للممارسة التعذيب بأي عمل آخر يشكل تواطؤا ومشاركة في التعذيب. وتجعل كل دولة طرف هذه الجرائم مستوجبة للعقاب بعقوبات مناسبة تأخذ في الاعتبار طبيعتها الخطيرة". هذه بعض مواد الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وأصبحت ملزمة له، ومكانتها أسمى من مكانة التشريعات الوطنية، والتي تنص صراحة على عدم جواز منح الحصانة لأي فرد أمام المساءلة القضائية، حين مخالفته لأحكام هذه الاتفاقيات. وهناك اتفاقيات دولية سارت في نفس الأمر ولكن بشكل أكثر وضوحا وغير قابل للتأويل، وبعض هذه الاتفاقيات وقع عليها المغرب، مثل النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لسنة 1998. ولم يصادق أو ينضم إليها بعد، لكن مجرد التوقيع عليها يدل في الأعراف الدولية على القبول الأولي للمعاهدة، وبأنها –أي الدولة- ستقوم بالتصديق أو الانضمام إليها متى توفرت الشروط الداخلية لذلك، عبر تعديل التشريعات الوطنية لكي تتلاءم مع أحكام الاتفاقية، وهذا ما يروج في المغرب على قرب التصديق على النظام الأساسي لروما، وبالتالي فإقرار المادة السابعة من مشروع القانون رقم 12.01 سيؤخر كثيرا انضمام المغرب لهذا النظام الأساسي، فهذه المادة السابعة تتعارض بشكل غير قابل للتوفيق أو التأويل مع النظام الأساسي لروما، والذي ينص في مادته 25 على المسؤولية الجنائية الفردية، بحيث أن "الشخص الذي يرتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة – أي الجنائية الدولية- يكون مسؤولا عنها بصفته الفردية وعرضة للعقاب وفقا لهذا النظام الأساسي" ورفض النظام الأساسي في مادته 27 على الدفع بالصفة الرسمية للإفلات من العقاب، سواء كان رئيسا لدولة أو حكومة أو عضوا في حكومة أو برلمان أو ممثلا منتخبا أو موظفا حكوميا، كما أنه " لا تحول الحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص، سواء كانت في إطار القانون الوطني أو الدولي، دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص". وانطلاقا من كل ما سبق فإننا أمام أربع احتمالات للتعامل مع المادة السابعة من مشروع القانون رقم 12.01 : 1. أن يتم إلغاء المادة السابعة، أو تعديلها لتتوافق مع أحكام الدستور والقانون الدولي، وهذا هو الأمر الراجح، 2. أن يرفض البرلمان التصويت على المادة السابعة، وبالتالي إلغائها أو تعديلها حتى تتوافق مع أحكام الدستور، 3. أن يتم اللجوء للمحكمة الدستورية في حال إقرار المادة السابعة من طرف البرلمان، 4. وفي حال عدم تعديل، أو إلغاء، أو رفض المادة السابعة، إما من طرف الحكومة، أو البرلمان، أو المحكمة الدستورية، فإن الاحتمال الرابع هو أن يؤثر الأمر على سمعة المغرب وموقعه في المحافل الدولية المعنية بحقوق الإنسان. *باحث في الدراسات السياسية والدولية *الكاتب المحلي لشبيبة العدالة والتنمية- ابن أحمد