دعا باحثون وإعلاميون وأمنيون إلى تظافر الجهود بين مختلف المتدخلين للحد من شغب الملاعب الرياضية المغربية. جاء ذلك في ندوة نظمها مساء الجمعة 13 دجنبر 2019، “المركز الإعلامي المتوسطي” بمدينة طنجة تحت عنوان “دور الصحافة الرياضية في الحد من شغب الملاعب”، شارك فيها كل من الباحث منصف اليازغي، وعالم الاجتماع فؤاد بلمير، والإعلامي بدر الدين الإدريسي، ويونس الولهاني عن الخلية الإعلامية لمديرية الأمن الوطني . العنف داخل الملاعب ليست وليد اليوم اعتبر فؤاد بلمير، أستاذ باحث في علم الاجتماع، ظاهرة العنف داخل الملاعب ليست وليدة السنوات الأخيرة، مشيرا إلى ما جرى سنة 1908 عندما أصدرت محكمة “مانشستر” قرارا يقضي بتجريم ممارسة كرة القدم نظرا لخطورة الشغب، وفي سنة 1960 وفي مباراة إنجلترا واسكتلندا وصل عدد القتلى إلى 40 قتيلا وعشرات الجرحى، وبعدها أيضا مباراة الأرجنتين والبيرو التي خلفت العديد من القتلى ضمن الألعاب الأولمبية بطوكيو، وفي مباراة بين هندوراس والسلفادور خلفت خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات. وأوضح المتحدث أن مسألة العنف داخل الملاعب إذا وضعناها في إطارها التاريخي سيتبين أن العنف قديم، مشيرا إلى أن “المغرب له مقومات ثقافية خاصة به ولديه تاريخ عريق وراسخ، مؤكدا أن الدراسات الأنثروبولوجية تشير إلى أن الإنسان المغربي وعبر التاريخ ليس ميالا إلى العنف، ولكن عندما نلاحظ ما يجري في السنوات الأخيرة في ملاعبنا هنا يطرح السؤال ويستنفر جميع المتدخلين”. ووجه الباحث، انتقادات شديدة للمثقف المغربي الذي قال عنه إنه لم يهتم بالرياضة، وأضاف مستهزئا، “لسان حال المثقف المغربي يقول، كل ما يتحدث عن الجسد وعن الرياضة لن أتحدث عليه أنا المثقف الذي يصوغ التصورات الإستراتيجية للمجتمع المغربي “، مبرزا أن كرة القدم حاضرة بقوة في السياسة، والاقتصاد، وفي الحياة اليومية، معتبرا أن ” كرة القدم شئنا أم أبينا، هي مادة يستهلكها الإنسان، لدرجة أن مفكرا برازيليا اعتبرها ديانة بالنظر لعدد المتتبعين لها”. سيكولوجية الجماهير من جهة أخرى قال فؤاد بلمير إن البحث السيكولوجي يظهر أن خطورة العنف داخل الملاعب تكمن عندما يصبح الإنسان العادي مع الحشد فهو يصير جسد بدون عقل، معتبرا أن الوجدان هو الطاغي داخل الملاعب، بحيث يصبح الإنسان جزء من ذلك الحشد ويصبح تابعا وفي غياب كامل للعقل. وزاد، بلمير قائلا إن العنف يبدأ بشعارات بسيطة ثم شعارات قوية ثم بكلام يخرج عن نطاقه الرياضي، وبحركة عمياء قبل أن يتحول إلى عنف مدمر. وفي ذات السياق اعتبر المتحدث أن الملعب فضاء ملائم لإخراج كل المكبوتات، ما دام الشاب لا يجد الفرصة المناسبة للحديث في البيت، وفي الشارع، وفي المدرسة، لذلك يكون العنف المتواجد في الملاعب مفاجئ يتطور بسرعة وينتقل عن طريق العدوى، وهو سريع وخطير وصعب التحكم فيه، لمميزاته وخصائصه، مؤكدا على أن الشباب يحتاج لمن يستمع وينصت إليه، خاصة وأن المقاربة الأمنية لوحدها غير كافية. دعوة لابتعاد السياسة عن المدرجات وانتقد الباحث مضامين “التفوات” التي رفعت مؤخرا، وأضاف “لو علمتم ما يخطط له على المستوى الدولي”، مشيرا إلى ما يقع في الدول المجاورة، داعيا لإيجاد الحلول للشباب، ومطالبا السياسيين بالابتعاد عن الرياضة. وقال فؤاد بلمير إن الملاعب الرياضية يجب أن تبقى للفرجة الرياضية، والسياسة لديها مجالاتها ومن أراد أن يمارسها يذهب إليها، لا أن يستغل الحشود في الملاعب لتمرير خطاباته السياسية. أما بدر الدين الإدريسي رئيس تحرير أسبوعية “المنتخب” الرياضية، فقد تناول الموضوع من زاويتين، زاوية أولى عاد بها بالحاضرين إلى الماضي الجميل، زمن قال عنه الإدريسي إن الملاعب كانت لصناعة الفرجة الرياضية مع كل الظروف الأمنية البسيطة المتواجدة فيها. وأشار الإعلامي، إلى أن المباراة لم تكن في الماضي تستوجب حضور أكثر من 10 أفراد من رجال الأمن، وغالبا ما يكونون ينظمون عملية الدخول للملعب، وكان لا يوجد أي رجل شرطة في محيط الملعب، مبرزا أن الجماهير كانت تتعايش في ما بينها وكان مشجع الفريق المضيف يجلس بجانب مشجع الفريق الضيف دون أدنى مشكلة، مشيرا إلى أن التسامح المغربي كان يظهر بشكل بارز في الملاعب الرياضية في إطار من الاحتفالية بالرغم من أن هناك في النهاية فريق منهزم وآخر منتصر. واعتبر الإدريسي أن “الملعب هو ظاهرة سيكولوجية تجد فيه الكثير من التعبيرات المجتمعية، وهذا كان يحدث في السابق من خلال الشعارات التي كانت ترفعها الجماهير الدالة على الانسان المغربي، وعلى تقاليده، في تشجيعه لفريقه وأيضا للضغط على الفريق الخصم، وكان كل شيء يجري في إطار نوع من الاحترام” على حد تعبير نفس المتحدث. مستجدات قلبت الأمور رأسا على عقب ومن جانب آخر، أكد المتحدث أن الأمور ستتغير رأسا على عقب عندما دخلت مجموعة من المستجدات إلى المجال الرياضي، خاصة المجالين المالي والاقتصادي، مبرزا أن الأموال أصبحت تضخ بشكل رهيب في الرياضة وفي كرة القدم على الخصوص، وهو ما جعل درجات التشنج تصل إلى مستويات عالية جدا، حسب تعبير الإدريسي الذي لاحظ أيضا أنه “لما بدأنا في الانفتاح الإعلامي أصبحت هناك جماهير رياضية توجد على بعد آلاف الكيلومترات، لتأخذ بعض الأندية بعدا كبيرا”. وبخصوص الشعارات المرفوعة في الملعب قال المتحدث إنها تغيرت، وأن الكل تسابق لاحتلال مدرجات الصدارة في الملعب حتى السياسيين، معتبرا أن هذا شكل منعطفا خطيرا، مؤكدا إلى أنه عندما أصبحنا نتسابق نحو امتلاك تلك الجماهير للتعبير أو لإطلاق مجموعة من الرسائل، لندخل إلى الأشياء المحرمة وبدأنا ننحاز تدريجيا عن القيم الرياضية . ومن جهة أخرى، أكد رئيس تحرير جريدة “المنتخب” أن الإعلام هو الجناح الحقيقي الذي تحلق به الرياضة، بدليل أن المباريات إذا كانت تستقطب الملايير فهي بفضل وسائل الإعلام، وبفضل القنوات التلفزية، مشيرا إلى أن الإعلام كانت دائما له وظائف أساسية. وتأسف الإدريسي من كون الإعلام لم يكن في الماضي مخاطبا مباشرا في صناعة الحلول والبدائل، ولم يكن أيضا جهازا مخاطبا في التعاطي مثل هاته الإشكاليات الكبرى، كنا كل واحد يضيف المتحدث يترك في مجاله يتكلم عن الظاهرة، لم نكن نجد أرضية مشتركة للنقاش، الذي يجب أن يحضر فيه السيسيولوجي والسيكولوجي، ورجل الاقتصاد، ويحضر الرجل الأمني بالمقاربة الأمنية، ويحضر أيضا الرجل التدبيري، ثم الإعلامي، مشيرا إلى أن هذه التناظرات كانت شبه مفقودة، وكان الإعلام يغيب لسبب من الأسباب عن هذا الحوار الذي يجب أن يكون مجتمعيا . الأدوار الكبيرة ل “الإتراس” في هذا الصدد، أبرز المتحدث الأدوار الكبيرة التي جاءت بها ظاهرة “الألتراس” بعد أن كان الجميع يشكو من العزوف الجماهيري عن الملاعب، مشيرا إلى أنها رفعت التشجيع إلى مرتبات عليا، مقدما مقابلة “الوداد” و”الرجاء” الأخيرة التي جرت ضمن كأس العرب كنموذج لهذا الرقي، داعيا إلى مغربتها وتخليقها والابتعاد بها عن التطرف في مناصرة الفريق. وأكد الإعلامي، على أن ظاهرة العنف عندها علاقة بالحالة التي يصل فيها المتفرج إلى الملعب لينضم إلى هذه الجماهير، مضيفا، إلى وقت قريب كانت حالة الملاعب في وضعية متردية، يجب على المتفرج أن يذهب صباحا وربما أن يشتري تذكرته أربعة أيام قبل يوم المباراة، والوقوف لساعات طويلة في طوابير ممدودة، وبالتالي عندما يأتي ليدخل الملعب يحضر قبل سبع ساعات من انطلاقة المباراة، وعندما يدخل إلى هذا الملعب لا يجد له مكانا وإن وجد له مكانا يشاهد المباراة في حالة مزرية جدا، ليخلص إلى أن كل عناصر الاحتقان زرعناها في هذا المتفرج، فبالتالي مع انفجار أي بؤرة من بؤر الاحتقان تجد هذا المتفرج وقد اشتعل، وللإعلام دور في رأب هذا الصدع وفي محاربة العنف داخل الملعب، حسب قول الإدريسي. المشكل في وسائط التواصل الإجتماعي منصف اليازغي، الباحث المتخصص في السياسة الرياضية، ثمن من جهته، انخراط رجال الأمن ووزارة الداخلية في نقاشات مع وسائل الإعلام، معتبرا أن الأمر كان غائبا في السابق، مشيرا إلى أن بعض الوجوه ظهرت في السنوات الأخيرة، وأصبح بالإمكان أن تتواجه مع الإعلام والجمهور مباشرة لإدلاء بدورها وتوضيح الأشياء التي قد لا ندركها وقد تغيب عنا. وأشار المتحدث إلى أن بعض الدول أخذت الرياضة والإعلام سبيلا للظهور الدولي، مقدما نموذج “دولة قطر” التي جعلت من استقطاب النجوم لبطولتها وتنظيم الدوريات الكبرى وأيضا من خلال قنوات إعلامية سبيلا للبروز الدولي. وبشأن دور وسائل الإعلام، قال اليازغي إن الأمور انفلتت من أيدينا، مشيرا إلى أنه في السابق كان الإعلام واضحا، معتبرا أن المشكلة في وسائل التواصل الاجتماعي، لأن هناك من ينشر أي شيء، ويبث أي شيء ويسيء لكل شيء. وأشار المتحدث إلى أنه إذا كانت صحافتنا ملتزمة ومنضبطة بإمكان وسائل التواصل الاجتماعي أن تغير كل شيء من خلال تدوينة أو تعبئة. وانتقد الباحث عدم تناول خطب الجمعة لظاهرة “شغب الملاعب، خاصة وأنها تصل إلى أكبر فئة مجتمعية، ولم يسبق لها أن تحدث عن الظاهرة، مشيرا إلى أن المناهج التعليمية بدورها لم تشر إلى العنف داخل الملاعب، منتقدا بشدة عدم تفاعل بعض الأجهزة العمومية مع الشغب الذي يتدحرج ككرة الثلج وقد تصيبنا جميعا. أوراش مديرية الأمن الوطني من جانبه قدم يونس الولهاني، عن الخلية الإعلامية التابعة لأمن طنجة، بتفصيل الأوراش التي فتحتها مديرية الأمن الوطني بخصوص هذا الجانب. وأول ورش قال الولهاني إن مديرية اهتمت به هو جانب تكوين الموظفين الأمنيين، وذلك في إطار التعامل مع العنف الرياضي، حيث أشار إلى فتح مجموعة من أوراش التكوين تماشيا مع القوانين المنظمة، لتأهيل الموظفين والأطر في المجال القانوني لا سيما في ما يتعلق بالتطبيق السليم لمقتضيات القانون 09،09. علاوة على هذا، يضيف المتحدث، تم تنظيم دورات تكوينية في المجال النفسي نشطها أساتذة متخصصون في علم الاجتماع، وعلم النفس، لتمكين الكفاءات الأمنية من الفهم الدقيق لسلوك المتفرج خاصة عندما ينصهر في جماعة، وأيضا معرفة الأسباب المتحكمة فيه لمحاولة إيجاد أساليب ناجعة ومرنة للتعامل بحكمة مع الحالات الجامحة والطائشة مهما كانت درجة حدتها . ثاني ملف اشتغلت عليه المديرية الأمنية، حسب الولهاني دائما، هو إحداث بنيات شرطية متخصصة في المجال الرياضي، حيث تعززت الممارسة الأمنية بالمغرب بإحداث بنيات شرطية مركزية غير ممركزة تتمثل في قسم الأمن الرياضي، وأيضا مجموعة من الخلايا الأمنية التابعة لها بعدد من المدن المغربية، مهمتها تتبع التظاهرات الرياضية وفق مقاربة علمية تتوخى الدقة وجمع الإحصائيات، وكذلك إنجاز الدراسات، وتحليل مختلف الظواهر المرتبطة بالفرق وبالمنافسات، بالإضافة إلى القيام بدراسات للبنيات التحتية الرياضية مع تحديث أساليب المعالجة والتتبع لسلوكات الجماهير، كل هذا يوضع في تقارير ترسل إلى قسم الأمن الرياضي، وبناء على تلك التقارير يتم إعداد ترتيبات أمنية خاصة بكل تظاهرة رياضية . أما النقطة الثالثة التي تشتغل عليها مديرية الأمن الوطني في تأمين التظاهرات الرياضية، يؤكد المسؤول الإعلامي الأمني، هي توفير الوسائل البشرية واللوجيستيكية، بحيث أن كل مباراة رياضية تحتاج إلى مخطط أمني استباقي وتحضيرات أمنية مكثفة واجتماعات تشاورية وتنسيقية مع مختلف المتدخلين في هذا العمل، فضلا عن تسخير مجموعة من الموارد المالية والبشرية واللوجيستيكية، مضيفا “لكم أن تتصورا عدد الآليات والأشخاص الذين يتم تسخيرهم”. 120 ألف شرطي لتأمين مباريات البطولة وقدم المسؤول الأمني بعض الأرقام بخصوص عدد رجال الأمن الذين يتم تسخيرهم لتامين المناسبات الرياضية، فطيلة منافسات البطولة الوطنية، عندنا 240 مباراة دون احتساب مباريات كأس العرش، هذا يتطلب تسخير ما يقارب 120 ألف شرطي لتأمين هذه المباريات بمعدل يصل إلى 3360 شرطي أمن لكل مباراة، علما أن مقابلات الكلاسيكو ومباريات القمة تستدعي تسخير ما لا يقل عن 2000 شرطي، مشيرا إلى أن كل هذا يتطلب أسطولا كبيرا ووسائل لوجيستيكية متنوعة كالسيارات، الحافلات، والوقود، ومصاريف الطريق والإيواء، والتعويضات، ما يرفع الكلفة الأمنية للتظاهرات الرياضية . النقطة الرابعة التي عرضها الولهاني بتفصيل، تتعلق بالانفتاح على الفاعلين والمتدخلين في تنظيم التظاهرات الرياضية، حيث تم فتح قنوات التواصل سواء أفقيا أو عموديا مع جميع الفاعلين الممارسين، مؤكدا على أن الممارسة الرياضية لا يمكن أن تنظم إلا بتظافر جهود جميع المتدخلين، معتبرا أن التعاطي الأمني الصرف مع الشغب الرياضي أو العنف داخل الملاعب لا يمكن لوحده أن يقضي على هذه الظاهرة . أما النقطة الخامسة التي ركزت عليها مديرية الأمن الوطني بحسب المتحدث وهي الانفتاح على وسائل الإعلام، معتبرا أن الفاعل الإعلامي لبنة أساسية في بنية الممارسة الرياضية من خلال مواكبتها للمنافسات وتحليلها وتقريب المنافسات للمشاهد، علاوة على دور التحسيس والتوعية التي يجب أن تقوم بها وسائل الإعلام وذلك لتكريس الأهداف الرياضية النبيلة ودورها في نبذ أساليب العنف والتعصب والشغب والتشجيع على مبادئ الروح الرياضية النبيلة السمحة، مؤكدا على أن كل هذه أدوار مهمة لوسائل الإعلام . وفي هذا الصدد أشار المتحدث إلى اللقاء الذي احتضنه المعهد الملكي للشرطة سنة 2013 حول العنف داخل الملاعب، وكذلك مشاركة مديرية الأمن في العديد من البرامج الإذاعية والتلفزية والصحفية للتعريف بالاستراتيجية المعتمدة في محاربة الشغب، علاوة على نشر ملفات صحفية أعدها خبراء أمنيين انطلاقا من تجاربهم وكتابة مقالات صحفية وتحليلات ومعطيات. النقطة الأخيرة التي أشار إليها الولهاني تتعلق بالتواصل المستمر لمديرية الأمن مع الجمهور من خلال الفصائل المشجعة والجمعيات الرياضية، ليخلص، إلى أن العمل الأمني كبير في تأمين التظاهرات الرياضية. يشار إلى أن الندوة نظمت في إطار “أيام الإعلام الرياضي” التي نظمها المركز طيلة 3 أيام، انطلقت يوم الخميس 12 دجنبر الجاري، بمعرض للصور الفوتوغرافية بعنوان “أمواج الفرجة والحماس”، احتضنته قاعة العروض التابع للمسرح البلدي محمد الحداد، واختتمت يوم الأحد 14 دجنبر 2019، بدورة تكوينية حول “أخلاقيات المهنة في الصحافة الرياضية”.