"جعة حلال"، لحم "حلال"، ماكدونالد "حلال"، سلف "حلال".. اللفظ "حلال" أصبح ماركة وعلامة تجارية للتسويق والترويج للعديد من المنتوجات تدر الملايير للبعض دون أي وازع ديني،حيث اكتسحت جزءا من الوصلات والرسائل التي تروج لها الدعائم والوسائط الاشهارية للعديد من المنتوجات والمؤسسات في السنوات الاخيرة بشكل ملف للانتباه خاصة في العواصم الأوربية، للأمر ما يفسره طبعا فتشكل طبقات متوسطة من أبناء الجاليات المسلمة المهاجرة، خاصة الاجيال الحديثة والتي نمت وترعرعت في المجال الاوربي والغربي، والتي تمردت نوعا ما عن سلوكات الاجيال الأولى من المهاجرين والذين كانوا يفضلون العيش في اطار مجموعات وتجمعات غالبا ما كانت تعيش في هوامش المدن الكبرى، فنزوح الاجيال الجديدة نحو مراكز المدن والأحياء المتوسطة والراقية بها، وبشكل ملحوظ في العقد الأخير، خلق فئة اجتماعية عريضة ومهمة ذات قوة استهلاكية لا يستهان بها وتتميز باتجاهات استهلاكية مختلفة عن النمط الغربي خاصة في الاكل واللباس والخدمات...الخ ما فطنت له المؤسسات والمقاولات الكبرى وعمل على مجاراته وتوفير الخدمات وفق الاحتياجات المرصودة، فالربح هو المحرك والغاية التي يبرر الوسيلة. المنطق المقاولاتي له ما مبرراته، فكلمة HALAL مثلها مثل BIO و 0% SUCRE ... كلها تصنيفات وميزات label توظف بغرض استقطاب الزبناء لا غير، فحلال لا يعدو أن يكون أداة محفزة على الاستهلاك في البلدان التي تتواجد بها ساكنة مسلمة مهمة، فأن تصادفك عبارة "حلال" على واجهاتها وإعلاناتها بات أمرا عاديا، فالفكر المقاولاتي لا شيء يمنعه من اعتماد كل الطرق لرفع الإنتاج وعدد الزبناء، فالربح هو الموجه الأساس للتخطيط، إلى جانب عدم التقصير في جودة الخدمات ولا حتى على حساب باقي الرواد والزبناء، قد يبدو لنا هذا الامر مقبولا إلى حد ما في المجال التجاري والخدماتي. لكن أن يمتد إلى العمل السياسي والحكومي فهو أمر غير مستساغ ويبدو نشازا إذ يفرغ العمل السياسي من كل محتواه ويقذف به بعيدا فيدخله متاهات لانهاية لها، فنقل الخلاف والصراع من السياسي إلى ما هو ديني يفرغ الصراع يخلق خلطا وتداخلا بين ما هو سياسي وما هو ديني، وهو بالمناسبة خلط متعمد وممنهج، تلجأ إليه الحركات والتوجهات السياسية الشعبوية المتدينة لستر عورة فهمها للواقع الاجتماعي وفقر تصورها للمشروع المجتمعي المنشود، ما يلجم السياسي ويؤسس للاستبداد بالرأي السياسي بذريعة تملك الحق واحتكاره من طرف الساسة المحتمين بالدين أو حماة الملة والدين، فقراراتهم تخرج عن منطق الخطأ والصواب وتخضع لمنطق الحل والحرمة، فكل قراراتهم، خاطئة كانت ام صائبة، حلال ومقبولة شرعا، وكل رفض أو عمل معارض مناوئ للدين وحرام ومارق وجب ردعه. اليوم وبعد مرور أكثر من 100 يوم على تنصيب الحكومة المغربية، وللتذكير فهي كل ما حضي به المغاربة من الربيع الذي هز عروش انظمة عمرت لعقود، وكان قدرنا نحن المغاربة من دون كل شعوب المنطقة أن خرجنا بحكومة "حلال" حملتها إلينا مكرهين صناديق الاقتراع، حكومة لا تجيد إلا الخطاب الدعوي والعمل على التغطية على قصورها بلبوس من الممارسات الشعبوية التي تدغدغ مشاعر المواطنين(ات) البسطاء دون ان تكلف نفسها أن تقدم إجابات واقعية وملموسة لمشاكلهم المؤرقة(السكن، البطالة، الفقر، التمدرس، الحريات الفردية...) ما يفضح زيف الشعارات التي تم الترويج، فشتان بين الخطاب الدعوي العاطفي والممارسة السياسية الحقيقية والتي لا تقبل إلا بالحلول لا أنصافها. اليوم وبقوة الواقع، نجد أنفسنا ملزمين بالوقوف عند الحصيلة الأولية للحكومة "الحلال"، واضن أن المدة وعلى قصرها كافية لاستشراف ملامح المغرب في ما سيأتي من السنوات، فلى ضوء الإجراءات والتدابير التي اتخذتها وهي مدة كافية نسبيا لتظهر معالم السياسة الحكومية الجديدة، على الأقل على مستوى الموجهات الكبرى لعملها ونزوعاتها وكذا اختياراتها الكبرى والتي ستحكم إستراتجية تدخلها في كافة المجالات، وقراءة التصريح الحكومي يعطي الانطباع بأنك أمام إعلان نوايا عام وفضفاض، وليس أمام برنامج حكومي متكامل حيث وقف عند العموميات أو الشعارات الكبرى، لا شيء يميزه عن سابقيهن لا هوية له ولا استراتيجية واضحة يرسمها للمستقبل. بالنظر إلى مجموعة من المؤشرات الأولية والأوراش ذات الأولوية للحكومة الحالية، يمكن وفي قراءة سريعة لحصيلتها أن نقف عند فقر الإجراءات وافتقادها لرؤية استراتيجية لتدبير الشأن العام، كما أنها تفقتد إلى التناغم بين مختلف مكوناتها حيث لوحظ نوع من عدم التنسيق بين مكوناتها، حيث يعمل كل وزير على تدبير قطاعه كما لو كان يدبر ضيعته الخاصة، ويعتبر كل ما يرتبط بوزارته أمرا خاصا لا يحق لباقي وزراء باقي مكونات الحكومة التدخل فيه او حتى إبداء الرأي بشأنه من قريب أو من بعيد، فالحكومة تفتقد للحمة الناظمة بين مكوناتها مما سيفجر لا محالة مشروعها، هذا إن كان لها مشروع مشترك متوافق عليه أصلا. الى جانب ذلك فما شهده تدبير المجال الإعلامي العمومي، خاصة مشروع إعادة النظر في دفاتر تحملات القنوات الإعلامية، يفضح بعضا من ملامح المشروع الاستبدادي للحزب الحاكم، والتي لا تستجيب لمبدأ التعددية وتسعى الى فرض اختيارات إيديولوجية بحد ذاتها، دون الأخذ بعين الاعتبار كل شرائح المجتمع، كما أن الوزير المكلف بالقطاع سعى الى فرض توجهاته لتصبح كل القنوات العمومية قنوات "حلال" ولو شكليا ارضاءا ؛ حيث أن الإصلاح الذي يطبل له لم يتجاوز اصلاحات شكلية استهدفت بالأساس (زيادة الحصيص الزمني للمادة الدينية، فرض اذاعة الأذان، حضر الإعلانات الاشهارية لليناصيب...) كما أنه لم يعتمد مقاربة تشرك جميع المعنيين بالقطاع. كما ان الوزارة تجاهلت المادة 49 من قانون الاتصال والتي تعهد للحكومة بمهمة إنجاز دفاتر التحملات، بل إن الحكومة ذاتها لم تشرك في بلورة المشروع مما يدعو للتساؤل هل نحن امام مشروع حكومي ام حزبي؟ وإلا كيف يمكن ان نفسر تصريحات باقي الوزراء؟ ولم يكتف السيد الخلفي بتمرير مشروع دون الاخرين بل عمل على الدعاية له بتعبئة شباب الحزب لتوزيع عدد الخميس 19 ابريل 2012 من جريدة التجديد بالمجان بمدينة الدارالبيضاء، وتمادى الى تحريك ملفات التجاوزات والفساد المالي الذي ينخر مالية القناة بعد التصريحات المناوئة لدفاتر تحملاته من طرف مجموعة من مسؤولي القناة الثانية ، في مساومة رخيصة ومفضوحة لهم لإجبارهم على السكوت وترك الدفاتر تأخذ مجراها دون معارضة، أليس تصرف السيد الخلفي وهو يعلن عن الاختلالات تحت قبة البرلمان يعبث بعقول المغاربة، ما الذي كان يمنعه عن فعل ذلك من قبل، أم انه كان يبتغي هدنة مقابل السكوت وعدم فضح ما هو مفضوح أصلا؟ في مجال الحكامة وتدبير الشأن العام لم يتعدى مستوى اعلان النوايا بنشر لوائح المستفيدين من بعض الامتيازات في قطاعات معينة (لائحة رخص النقل، الجمعيات المستفيدة من الدعم، لائحة الجرائد المستفيدة من الدعم...) دون بلورة بدائل وتحديد الاجراءات المزمع اتخاذها من اجل حوكمة مجال الدعم وتعزيز شفافيته، وبسط الإستراتيجية المستقبلية لتدبيره.ما يثبت أن مواقف الحركات الاجتماعية على أن محاربة اقتصاد الريع ومحاربة الفساد يعتبر من سابع المستحيلات وأن لا طاقة للحزب والحكومة لإعلان الحرب عليه، لأنه بلغ مستوى من التماهي مع النظام القائم،يصعب الفصل بينهما إلا بزوالهما معا، رغم أنه إلى حدود الساعة لم تتخذ الحكومة أية اجراءات عملية للمعالجة والتصدي له، ماعدا بعض الإجراءات الطفيفة والتي لن يكون لها الاثر الكبير على ميزانية الدولة ولا على سياستها "الكافرة"، كالزيادة في الرسم الضريبي على المشروبات الكحولية، كإجراء بديل عن حضر استعمالها وتحريم تناولها من طرف المواطنين(ات) المغاربة، للتغطية عن العجز عن تصريف مواقفها المتطرفة وتطلعاتها، العلنية منها والمضمرة، الى تنزيل الشريعة الاسلامية والذي لا يخرج عن إطار خطابها الدعوي الشعبوي الذي ينأى عن التطرق للإشكالات الكبرى إلى تناول قضايا هامشية وثانوية (الخمر، القمار، العري، ...) بدل الخوض في القضايا الكبرى كهيمنة لوبيات الفساد على الاقتصاد، واحتكار السلطة السياسية من طرف القصر..الخ تتعدد الأساليب والإجراءات إلا أن الهدف يبقى واحدا وهو "أسلمة" الحياة العامة وتحريرها من أفول القوى العلمانية المارقة، وإضفاء نوع من الطابع الديني والقداسة على الأداء الحكومي عله يستمد بعضا من القدسية وينأى به عن النقاش والتداول العام، ما يفضي إلى حصر الخلاف مما يجهض اي نقاش حيث هناك سعي الى خلق ثنائية عير متكافئة دين/علمانية تعمل على دغدغة عواطف المواطنين(ات) البسطاء يتحكم فيها هل من إجراء إذن للوصول إلى الميزانية الحلال؟ مع العلم أن نسبة كبيرة من ميزانية الدولة، المخصصة لتنفيذ وتنزيل البرنامج الحكومي "الحلال"، يتم تحصيلها من الضرائب على المواد المحرمة والخدمات التي (خمور، يناصيب، سياحة، ابناك، بورصة، سندات الاعتماد، قروض من البنك الدولي والمؤسسات المانحة...) فهل يمكن الحديث عن الحكومة الحلال في ظل ميزانية متخمة بالمداخيل الحرام وبريع الربا، آم أن شعار "حكومة حلال"" لا يغدو أن يكون ورقة للترويج والماركوتينغ السياسي.