كان المفترض أن يتم تقييم مائة يوم التي مرت من عمر الحكومة الجديدة بشكل مختلف عن التقييم الذي يحاول به البعض قراءة الإجراءات التي أطلقها بعض الوزراء في إطار تعزيز ثقافة الشفافية والحكامة الجيدة. البعض حاول أن يبخس من قيمة هذه الإجراءات، ويفرغها من مضمونها الديمقراطي، ويجعلها في المحصلة مجرد مؤشرات على توجه «أخلاقي» و «شعبوي» يراهن على كسب عطف الشعب دون أن يقدم شيئا له. والبعض الآخر، لم ير في أداء الحكومة طوال هذه المدة سوى عزم وزارة الاتصال على إيقاف إشهار وصلات القمار على قنوات القطب العمومي! في حين، حرص البعض الآخر على التقاط كل ما يمكن أن يخدم هدف إبراز وجود تصدع في التماسك الحكومي. في المحصلة، نحن أمام توجه يريد أن يفرغ أداء الحكومة من بعده الديمقراطي، ويضفي عليه البعد الأخلاقي تارة والبعد الشعبوي تارة أخرى، ويريد أن يبحث عن نقاط الخلاف داخل مكونات التحالف الحكومي ويعمقها، وأحيانا يمارس قدرا من التحريض لإثارة بعض القوى السياسية المشاركة في الحكومة للإعلان عن مواقف ضد قوى أخرى. والحقيقة أن ما تم الإعلان عنه، سواء فيما يخص الكشف عن رخص المأذونيات، أو الكشف عن الدعم المقدم للجمعيات، أو الدعم المقدم للصحافة، ودفاتر التحملات التي تم إعدادها بالنسبة إلى أداء لجنة الدعم السينمائي وقنوات القطب العمومي، أو التحقيق في قضية الإنسولين، أو إحالة ملف اللقاحات على المجلس الأعلى للحسابات، كل هذه الإجراءات، تعتبر من صميم الحكامة الجيدة وتعزيز ثقافة الشفافية، بل لم تكن هذه الإجراءات سوى تلبية لنداءات شعبية ومدنية وسياسية متكررة لم يتم التجاوب معها بنفس هذه الكثافة. صحيح، أن الشعب ينتظر أن يكون ما أعلن عنه مجرد خطوة في اتجاه الإصلاح الشامل لهذه القطاعات، لكن الدرجة العالية من الشعور بالارتياح الذي عبرت عنه شرائح واسعة من الشعب تؤشر على أن هذه الإجراءات كانت ضرورية ومفيدة، بل ربما ستشكل في المستقبل المؤيدات التي سيتم الاستناد إليها للإقدام على إجراءات مماثلة في قطاعات أخرى. ولعل الطلب الذي تم التعبير عنه، للكشف عن أسماء المستفيدين من مقالع الرمال، والصيد في أعالي البحار، والمستفيدين من أراضي صوديا وصوجيطا، كل ذلك يدل على البعد الحكامي في هذه الإجراءات، ذلك البعد الذي يفترض أن يشكل جزءا من الثقافة السياسية التي تتطلب هذه المرحلة الحاسمة المساهمة في بلورتها. إن الشفافية ليست هدفا في حد ذاتها، وإنما هي مدخل أساسي للعدالة الاجتماعية، ومظهر من مظاهر إثبات تفعيل مبدأ تكافؤ الفرص، ذلك المبدأ الذي يعتبر شرطا في العدالة الاجتماعية، ورافعا أساسيا من روافع الإنتاجية والتنمية. نخشى أن يكون التقييم الذي يحاول تغييب البعد الديمقراطي والحكامي من هذه الإجراءات، مجرد تعبير عن انزعاج جهات معينة من هذه التجربة، ومن أدائها، وتخوفها من أن تمس مصالحها. بكلمة، المفروض في عملية تقييم أداء الحكومة في مائة يوم التي مرت، أن يتم وضع ما أقدمت عليه في ضوء ما تتطلبه المرحلة من الحكامة الجيدة ومن تعزيز ثقافة الشفافية ومن العدالة الاجتماعية، لا في ضوء مشتهيات جهات تريد أن تحصن مصالحها ولو كان ذلك ضدا على مقتضيات الدستور وعناوينه الديمقراطية الكبيرة.