في وقت ظهرت فيه ملامح الهيكلة الحكومية الجديدة بالمغرب، جاء انسحاب حزب “التقدم والاشتراكية” (يسار) من الائتلاف الحكومي، الجمعة، ليطرح تساؤلات بشأن مستقبل التعديل، الذي أمر الملك محمد السادس بإجرائه قبل الأسبوع الثاني من أكتوبر الجاري. واعتبر خبير مغربي أن انسحاب “التقدم والاشتراكية” لن يؤثر في مسار التعديل الحكومي، لكنه سيُضعف موقف حزب “العدالة والتنمية” ( قائد الائتلاف الحكومي)، فيما رأى آخر أن “التعديل الحكومي يبقى من دون مضمون سياسي، بانتظار الانتخابات البرلمانية عام 2021. وتضم الحكومة حاليًا أحزاب: “العدالة والتنمية” (125 نائبًا من أصل 395 بمجلس النواب الغرفة الأولى للبرلمان)، “التجمع الوطني للأحرار” (37)، “الحركة الشعبية” (27)، “الاتحاد الاشتراكي” (20) و”الاتحاد الدستوري” (23). بينما يمتلك “التقدم والاشتراكية” 12 نائبًا. وأرجع المكتب السياسي للحزب (أعلى هيئة تنفيذية)، في بيان، قرار عدم الاستمرار في الحكومة إلى “استمرار الصراع بين مكونات الأغلبية الحكومية”. وجاء انسحاب الحزب من حكومة سعد الدين العثماني في وقت راجت فيه أخبار عن منحه حقيبة وزارية واحدة في الهيكلة الحكومية الجديدة. ولا يترتب على خروج “التقدم والاشتراكية” أي تأثير على بنية الائتلاف الحكومي؛ فعدد مقاعد بقية أحزابه يتجاوز نصف عدد مقاعد مجلس النواب. حكومة العثماني عيّن الملك محمد السادس، في 17 مارس 2017، العثماني رئيسًا للحكومة، خلفًا لعبد الإله بنكيران، وضمت حكومة العثماني أحزابًا كان بنكيران يرفض دخولها للتشكيلة الوزارية، ويعتبرها سبب “إفشال” تشكيل الحكومة بقيادته. وخلال خطاب للشعب بمناسبة الذكرى العشرين لتوليه الحكم، أعلن الملك، نهاية يوليوز الماضي، أن الحكومة مقبلة على تعديل في تشكيلتها، قبل الجمعة الثانية من أكتوبر الجاري، تاريخ بداية السنة التشريعية في البرلمان. وكلّف الملك رئيس الحكومة بتقديم مقترحات ل”إغناء وتجديد مناصب المسؤولية، الحكومية والإدارية، بكفاءات وطنية عالية المستوى”. تقليص عدد الوزراء قال مسؤول في حزب “العدالة والتنمية”، طلب عدم نشر اسمه، للأناضول، إن الهيكلة الحكومية الجديدة “اعتمدت تقليصًا عدديًا في الحقائب (القطاعات) الوزارية”. وتضم حكومة العثماني حاليًا 39 وزيرًا وكاتب دولة، والأخير بمثابة وزير لكن صلاحياته أقل. وتوقع المصدر أن تضم التشكيلة أقل من 25 وزيرًا، مع حذف كامل لمنصب كاتب دولة، وتجميع قطاعات وزارية فيما بينها. وميلاد حكومة بهذا الشكل سيجعل منها الأقل عددًا من حيث الوزراء في تاريخ الحكومات المغربية في عهد الملك محمد السادس. غياب الانسجام الحكومي اعتبر سلمان بونعمان، رئيس مركز معارف للدراسات والأبحاث، أن “انسحاب التقدم والاشتراكية لن يؤثر في الأغلبية الحكومية وفي مسار التعديل الحكومي، لكن حزب العدالة والتنمية سيفقد أكبر حليف سياسي له”. وأضاف بونعمان للأناضول: “من شأن ذلك أن يُضعف موقفه (العدالة والتنمية) داخل الائتلاف الحكومي”. و”التقدم والاشتراكية” هو الحزب الوحيد الذي تحالف معه “العدالة والتنمية” قبل الانتخابات البرلمانية عام 2016. وبخصوص ملامح الهيكلة الجديدة، قال بونعمان إن “اعتماد سياسة تقليص المقاعد الوزارية وتجميعها مع مراعاة التقارب بين القطاعات والمجالات لن يحل مشكلة الانسجام الحكومي”. وتابع: “سيظل تحالف الأغلبية فارغًا وشكليًا ومن دون هوية أو حتى توافق من أجل مشروع للتحديث السياسي والإصلاح الديمقراطي والتنمية الشاملة”. وأردف: “السؤال الاستراتيجي المطروح ليس الكفاءة في حد ذاتها ومصدر شرعيتها ودرجة تسييسها، وإنما مضمون الكفاءة ومخرجاتها التدبيرية والسياسية وطبيعة خطابها وسياساتها القائمة على الإقناع السياسي والجرأة الإصلاحية والعدالة النسقية”. وشدد على أهمية “القدرة على المراجعة النقدية، وتصحيح اختلالات السياسات العمومية والتفاوت المجالي، وتكريس تكافؤ الفرص، لمجاوزة حالة الإحباط السياسي والاحتقان الاجتماعي والتعثر التنموي”. ومضى بونعمان قائلًا إن “فاعلية الحكومة رهين بقدرتها على الإنجاز التنموي، من خلال اختيار كفاءات ملتزمة حزبيًا، وقادرة على بناء موقف، ولها رأي في تنزيل (تطبيق) السياسات العمومية انطلاقًا من خبرتها وتجربتها”. واستطرد: “لا يمكن فصل شرعية الإنجاز المطلوبة في التعديل عن ضرورة بناء الثقة كأساس لشرعية حكومة تصارع للبقاء على قيد الحياة، وحتى لا تتحول إلى نموذج فاشل”. بانتظار انتخابات 2021 برأى محمد مصباح، رئيس المعهد المغربي لتحليل السياسات ، أن “التعديل الحكومي سيُفضي إلى مزيد من نفس الشيء، لأنه من دون مضمون سياسي”. وأضاف مصباح للأناضول: “يمكن أن يكون له (التعديل) تأثير لحظي، لكنه لن يحل الإشكالات السياسية على المستويين المتوسط والبعيد”. واعتبر أن “التعديل الحكومي بغض النظر عن تقليص عدد الحقائب الوزارية يبقى تغييرًا حكوميًا تقنيًا أكثر منه تغيير في مضمون سياسي، والدليل أنه لم يدخل حزب جديد، ولم يراجع البرنامج الحكومي، أو على الأقل ليس هناك مؤشرات على ذلك”. ورأى أن “ما يحصل هو عملية تدوير للنخب، وسيفضي إلى ميلاد حكومة تكنوقراط، سواء في طريقة تشكيلها أو تدبيرها للقضايا السياسية”. وذهب مصباح إلى أن “التغيير سيكون في أحسن الأحوال تحريك مؤقت للمشهد السياسي من دون عمق سياسي في انتظار محطة 2021 (الانتخابات البرلمانية المقبلة)”. وختم بأن “الدليل أنه لم يحصل نقاش سياسي حول التعديل الحكومي وجدواه وأهميته، بل جاء بناء على قرار من طرف أعلى سلطة في البلاد، وليس بضغط شعبي”.