أوردت يومية "أخبار اليوم" في عددها الصادر بتاريخ 22/03/2012 بعض الحقائق التي لم تنشر عن قضية أمينة الفيلالي، فحسب الجريدة فإن القضية تعود إلى تاريخ 29 من غشت 2011، حيث تقدمت والدة أمينة بشكاية إلى الشرطة ضد المدعو مصطفى فلاق، تتهمه فيها باختطاف واحتجاز ابنتها وافتضاض بكارتها، وهذه الرواية التي صرحت بها الأم لمصالح الشرطة بالعرائش جاءت متناقضة مع اعترافات أمينة، حسب محاضر الشرطة بحيث "كذّبت رواية والدتها"، والتي أكدت على أنها كانت على علاقة بالمشتكى به، وصرحت بأنها كانت تلتقي به حسب محضر الاستماع إليها: "التقيت بمصطفى بالغابة المجاورة للدوار وتبادلت معه القُبل... ومارس علي الجنس... وهناك قضينا الليل كاملة..." هناك تفاصيل أخرى لا يتسع المقام لعرضها، يمكن الرجوع إلى العدد المذكور من الجريدة للاطلاع عليها. وما يعزز رواية أمينة أمام الشرطة، هو التصريح الذي أدلى به العدْل الذي قام بتوثيق عقد زواج أمينة لنفس الجريدة، حيث أبدى استغرابه من إثارة القضية وتكييفها على أنها "اغتصاب" مع أنها تتعلق بافتضاض بكارة حسب المقرر القضائي، كما أنه أكد على أن أمينة لم تُجبَر على الزواج بل كان ذلك برضاها (والرّضى هو الركن الأساس في عقد الزواج)، وأضاف أنها عندما حضرت لتوثيق الزواج كانت مسرورة وتُمسك بيد زوجها مصطفى... وبالرجوع إلى قانون المسطرة الجنائية، فإن محاضر الشرطة القضائية ذات حجية إثباتية، كما أن شهادة العدل تعد قرينة قانونية تؤكد على أن الأمر لا يتعلق باغتصاب وإنما بافتضاض، ولأجل ذلك لم تؤاخذ المحكمة الزوج بجناية الاغتصاب. بعد كل هذا، نتساءل: لماذا كل هذه الضجة التي أُثيرت حول القضية؟ ومن هي الجهات التي تقف وراءها ؟ وما هي أهدافها؟ ولماذا استبعد مثيروا الضجة رواية الضحية نفسها وشهادة العدل واكتفوا برواية الأم؟ أليس في ذلك نية مبيّتة لتحريف مجرى القضية؟ إن المتابع لقضية أمينة من خلال طريقة تعامل وسائل الإعلام معها، يلاحظ أن القضية استُغلت من طرف بعض المنظمات والهيئات العلمانية، من أجل ضجة إعلامية وسياسية، الهدف منها ممارسة الضغط على الحكومة للرضوخ لمطالبها التي لا تقتصر على مراجعة بعض الأحكام القانونية المتعلقة بالمادة 475 من القانون الجنائي والمادة 20 من مدونة الأسرة، وإنما تشمل فصول ومواد أخرى. وما يؤكد على أن القضية وقع تسييسها، هو أن الإعلام لم يثرها إلا بعد حادث انتحار أمينة بسبب تعرضها للتعنيف من طرف زوجها، كما اعترفت بذلك للضابطة القضائية قبل وفاتها، وليس بسبب اغتصابها كما روّج لذلك البعض، مع العلم أن فصول القضية تعود إلى شهر غشت الماضي، وهو استغلال غير أخلاقي لقضية إنسانية لتحقيق أهداف سياسية، وهو ما أساء إلى الضحية وعائلتها من حيث يدّعي أصحاب الضجة المفتعلة الدفاع عنها. أما قضية تزويج المغتصبة من مغتصبها، فهي لا تحتاج لمزايدات سياسية، لأن العقل والمنطق يرفضها، لما فيها من الظلم البيِّن، بحيث لا يمكن مكافأة الجاني على جريمته بالزواج من ضحيته. وتأسيسا على ما ذكرناه آنفا، فإنّ من لديه اعتراض على بعض المقتضيات التشريعية المتعلقة بالأسرة، هناك آليات ومؤسسات للتعبير عن ذلك بشكل صريح ومسؤول، دون الركوب على مآسي الناس، للضغط على المجتمع للقبول ب "علْمَنَة" قانون الأسرة. وفي هذا السياق، هناك أسئلة تفرض نفسها في علاقة بموضوع زواج القاصرات دون سن 18: من المُخوَّل للتحدّث باسم القاصرات المغربيات؟ هل المنظمات النسائية والحقوقية ستكون أكثر حرصا على مصلحة القاصر من والديها؟؟؟!!! ولماذا نمنع الفتاة من حقها الشرعي والطبيعي في الزواج، خاصة في البوادي المغربية التي لديها تقاليد وأعراف عريقة لا يمكن لأحد أن يلغيها بجرّة قلم؟ هل يُدرك الذين يقفون وراء هذه الحملة أننا في مجتمع مسلم ودولة إسلامية؟ ثمّ أليس في حرمان الفتيات من حقهن في الزواج إلى أن غاية 18 فيه تغرير لهن في هذه السن الحرجة، خاصة في ظل الانفلات الأخلاقي الذي يعرفه المجتمع، بعد أن أصبحت العلاقات بين الجنسين لا تخضع لأية ضوابط دينية أو أخلاقية، بفضل "الجهود الجبارة" و"النضالات المشكورة" للمنظمات والقوى العلمانية، لتحرير المرأة المغربية من كل القيم الأخلاقية، والذي كان من تداعياته ظهور انحرافات مشينة، ليس أقلها الفساد (الممارسات الجنسية خارج إطار الزواج) والذي ارتفعت نسبته بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وأنتج كوارث أخلاقية تهدد بتفكك اجتماعي خطير حيث ارتفعت نسبة الإجهاض [ما بين 600 إلى 800 حالة يوميا] وكذا نسبة الولادات غير الشرعية [153 طفل غير شرعي يولود يوميا 49 ألف طفل غير شرعي ولد في سنة2009]). وتصوّروا في حالة منع القاضي من الإذن بزواج الفتاة دون 18 كم سترتفع نسب الحمل والولادات غير الشرعية... ومن ثانية، عندما نُطْلق لفظ "القاصر" على البنت دون 18 عاما فهو وصف نسبي، يتغيّر بحسب المكان والزمان، ويختلف من مجتمع لآخر وفقا لأعراف وتقاليد كل مجتمع، بحيث قد نجد بعض المجتمعات تحدد القصور في سن 16 وأخرى في سن 14 وهكذا، كما أن وصف القصور في حد ذاته فيه حَجْر على الفتاة ونظرة دونية لا تراعي درجة نضجها العقلي، فقد نجد مثلا في البادية الفتاة ذات 14 أو 16 أكثر نضجا ورشدا من فتاة في سنّها بالمدينة، نظرا لظروف التنشئة الاجتماعية المختلفة، وإذا عدنا إلى قليلا إلى الماضي، سنجد أن الفتاة القاصر كانت هي ما دون 14 عاما، واليوم مع التحولات التي حصلت في المجتمع، استقر قصور الفتاة فيما دون 18 عاما، وحتما سيرتفع في المستقبل إلى 20، لذلك يجب الأخذ في الاعتبار هذا المُتغيّر. وختاما، فإن إثارة موضوع الإذن بزواج القاصر من خلال الركوب على قضية أمينة، ينِمُّ عن قصور في المعالجة الحقوقية لقضية المرأة عند بعض المنظمات العلمانية، التي تتعامل مع الأحداث الاجتماعية بنوع من الانتهازية، لممارسة الابتزاز السياسي والضغط للاستجابة لمطالبها البعيدة عن الواقع، فعوض أن توجّه عملها لأجل رفع المعاناة عن المرأة القروية عموما، بسبب الظروف المعيشية القاسية، نجدها تُشغِل الرأي العام بقضايا خلافية، لم يحصل بشأنها توافق بين مكونات المجتمع المغربي.