* عندما نقتصر على المنظور التجاري في تحليل النزاعات الاقتصادية الدولية ، فإن شد الحبل ،مؤخرا ، بين الولاياتالمتحدةوالصين ، والذي كان يمكن أن يؤدي إما إلى تصعيد التوتر الاقتصادي بين البلدين أو الخروج بهدنة ، قد طغى نسبيا على جميع الموضوعات الأخرى التي شغلت أغلب اللقاءات الدولية ، وهذا مند بداية هذه السنة حتى منتصفها . فمرة اخرى ، رئيس امريكا ترامب ، أظهر تعجرفه متفوها أن مصالح امريكا لها كل الأولوية، لما ، مثلا ، هدد بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية ؛ مشهرا سحنة متفاوض متعنت ، ونافيا أمام العالم ، بشكل وقح و صلف ، الحاجة الملحة ، لمناقشة خطورة ظاهرة الاحتباس الحراري على توازن دورة الحياة فوق الكوكب ! . فلقد حاول ، في اخر قمة عالمية ، المناورة لفرض خارطة طريقه من خلال اللعب على حبل التحالفات ، مع محاولة استغلال ظروف التراخي ، التي غشت قضايا أساسية مثل المناخ والتجارة ، لفرض وجهات نظر تخدم مصالح أمريكا بالأساس . فكما ان الصين ، تبدو لبعض المهتمين الغربيين ، موضع إتهام ومؤاخذة ، لأنها خفضت من قيمة عملتها ، لتحفيز دينامية صادراتها إلى الخارج ، كذلك بالموازاة ، كان دوما مطلب امريكا شبه المستفز ، من الصين ، هو الوصول العادل إلى أسواقها الاسيوية ، مع مطالبتها باحترام تام للملكية الفكرية ، و عدم تدخلها كدولة سيادية ، بشكل سافر ومزاحم للتنافسية الأجنبية على أراضيها الاقتصادية . و للاشارة ، هذه هي نفسها المطالب ،التي كان تدعو لها المجموعة الأوروبية . لذا نجد أن الاتحاد الأوروبي ،كان من جانبه، يحاول لعب دور الميسر ، للوصول إلى اتفاق يسري في هذا الاتجاه ، ولقد قدم في الدورة السابقة لقمة العشرين سنة 2018 ، مقترحات لإصلاح منظمة التجارة العالمية ، بدءاً من هيئة الاستئناف التابعة لهيئة تسوية المنازعات العالمية ، التي عرقل سابقا ، العنيد دونالد ترامب عملها ، برفضه تعيين خبراء القضاة . فمن طبع ترامب أن يدير ، عنوة ، ظهره لأي شيء يشبه المناقشات متعددة الأطراف . فهو يذهب رئسا إلى هذه اللقاءات ، كما لو يصعد إلى الحلبة ، يشغله وسواس واحد : أن يجتمع بخصمه وجها لوجه. هذا في حالة اذا لم يقم بتغيير ، مزاجيا وبرعونة ، وجهة نظره . فهو الذي رغب ، كم مرة ، في مقابلة نظيره الرئيس الصيني، و خطط للاجتماع معه لمحاولة وقف تصاعد الأعمال الانتقامية الجمركية بين البلدين . الا ان الخطر بالنسبة للمنتظم الدولي ، يكمن أحيانا في مثل هذه التقاطبية التي تجمع في النقاش بين الصين و امريكا ؛ حيث تتجلى بوادر التطاحن و بالتالي شبح حرب تجارية مدمرة للنظام المالي العالمي ؛ و لأنها تجري ، بمعزل عن مشاركة أطراف من المنتظم الدولي ، التي ستشكل نقطة توازن في مفاوضات أي صراع اقتصادي بحكم انها معنية به مباشرة . يغفل الكثيرون أن مثل هذه الثنائيات والتقاطبات ، في حوار الفرقاء الكبار ، يطمس دور وجدوى عقد المنتديات متعددة الأطراف ( مثل مجموعة العشرين ) التي أنشئت لهذا الغرض بالضبط . فلقد صارت الانفرادية والمبادرات الأحادية هي التي تهيمن على بعض القرارات ذات السمة العدوانية ، كما يتضح مثلا في التدخل الأمريكي في حرب العراق عام 2003. هذه العودة إلى نهج أسلوب الثنائية في عقد الاتفاقيات أضحت قوية ، هاك مثالان: الولاياتالمتحدة تعقد اتفاقيات جانبية مع دول معينة لحماية نفسها من المحكمة الجنائية الدولية و تجلس في نفس الوقت لابرام عديد من الاتفاقيات الثنائية للتحايل على منظمة التجارة العالمية. فكأن السياق الدولي غير مواتٍ لاحتضان المداولات العادلة بقبول تعددية الأطراف التشاركية participatives ، فاضحى الوضع يتميز بعودة قوية إلى الأحادية أو الى الثنائية الضيقة في بلورة قرار الاتفاق او الشراكة ؛ فمع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو مع قرارات ترامب الأحادية أو مع شراهة الصين لفرض حضورها تجاريا على اقتصاديات عديدة ، بات المناخ الاقتصادي الدولي . لم يعد يسمح بمسألة تعددية الأطراف في الوصول إلى بناء عالم يأخذ في الاعتبار مصالح الكل . انها عودة للخطاب الايديولوجي الحمائي ، واستخدام القوة الاقتصادية الناعمة غير المستعدة بحكم غياب قوة القانون الدولي للتعاون مع الأطراف الأخرى .. إذا عدنا إلى الماضي القريب ، و سلطنا الضوء تاريخيا على علاقات امريكا التجارية ، سنجدها تنحو جهة هذه العلاقات الثنائية و تتفادى أكثر فأكثر الحوارات المتعددة الأطراف في بلورة نظام تجاري عالمي موحد . – تهدف الحوارات التجارية الثنائية التي تقيمها و ترعاها أمريكا لصالح اقتصادها الداخلي ، إلى إنشاء إطار دائم للتعاون ، بينها و بين الشركاء التجاريين ، التي تعتبرهم رئيسيين ، و الذين لهم أهمية بالنسبة لنظامها الاقتصادي فقط . وللنهوض بهذا وانجاحه، كانت تضع موسوعة من جداول الأعمال التجارية والمالية والأمنية والثقافية ، تحت تغطية ديبلوماسية مكوكية ؛ فتعقد لقاءات واجتماعات رفيعة المستوى وورشات عمل حول المبادرات الرئيسية والخطط الدولية البعيدة المدى . فلعقود متوالية ، الحوارات الرئيسية كانت مع أوروبا واليابان ، وخاصة ان أوروبا هي المنطقة التي تعزز فيها الولاياتالمتحدة علاقات التجارة الأكثر كثافة ، و أواصر التعاون و القرب السياسي الأكثر تطورا ، قبل أن تنقلب الأمور ، وتتولد خلافات جانبية مع بعض الدول الأعضاء داخل الاتحاد الأوروبي . لفترة طويلة أيضا ، كانت العلاقات الاقتصادية مع اليابان أكثر صعوبة وتوترا ، الآن أصبحت بكثير أكثر ودا . فالتعاون الاقتصادي بين البلدين ، يعتمد بشكل أساسي ، على الشراكة الاقتصادية من أجل تقوية النمو ، المبرمة سابقا في لقاء بين الرئيس بوش ورئيس الوزراء الياباني سنة 2007 ؛ تماما كما هو الحال مع أوروبا ، فتم إطلاق العديد من المبادرات لإيجاد حلول للقضايا الرئيسية التي كانت تشكل عثرة للتعاون : الإصلاح التنظيمي لسياسة المنافسة ، اقامة المنتدى التجاري للحوار الاستراتيجي ، واطلاق مبادرة الاستثمار المالي بشكل سلس ومنفتح . فاليابان كانت دوما حليف الولاياتالمتحدة في آسيا و على عدة اصعدة ، بما فيها الأمنية ، ومع ذلك علاقاتهما الثنائية عرفت كسوفا في العقد الأخير ، لصالح الصين. الصين ، التي هي الآن ، ثاني أكبر شريك تجاري لامريكا ، فلقد أصبحت هذه الأخيرة في وقت قصير قوة دولية تستعرض طموحاتها بدون خجل مع الحفاظ على علاقات تجارية ومالية وثيقة للغاية مع من يوملها بالمصادر الطبيعية . لكن من الجانب الأمريكي ، لا يبدو أن المسؤولين في واشنطن كانوا دوما مطمئنين لهكذا علاقة ، حتى حلول ولاية ترامب ، الذي لن يتوانى بخرم العلاقة ، معلنا الحرب التجارية ، و فارضا الضرائب الجزائية ومفاوضا بحذر شديد وعدم ثقة