أجمع بعض محللي كرة القدم على أن الفريق المغربي في مبارياته الثلاث الأولى كان الأحسن تقنيا و احترافيا من حيث بناء اللعب انطلاقا من الدفاع إلى الهجوم. لكن، حلم الفوز بالكأس الأفريقية أفل بعد إقصائه في دور الثمن. قبل الإقصاء، فرح المغاربة حينما سجل النصيري هدف التعادل، وزاد فرحهم عندما جاءت ضربة الجزاء المؤهلة، لكنها كانت مخيبة و مقصية بعدما أهدرها زياش . حينئذ، تعمقت الجراح، و ذرفت الدموع، و لطمت الخدود، و ركلت الكراسي، و قلبت الطاولات؛ فبات المغارية يسألون عن المسؤول الأول عن الخسارة و الإقصاء، فجاءهم الجواب مباشرة على لسان رونار لما اعترف بتحمله مسؤولية الإقصاء. إذن، فأين تكمن مسؤولية رونار؟ أول شيء يقال عن رونار أنه نسج مع كثير من اللاعبين علاقة صداقة جعلته يراعي أواصرها عند اتخاد القرارات الحاسمة في اختيار اللاعبين الأساسيين دون مراعاة الجاهزية والطراوة البدنية و المشاركة الكروية. وهذا ما رأيناه عندما استدعى بوطيب الذي لم يكن مستعدا بدنيا و تقنيا، والدليل على ذلك أنه لم يفرض نفسه حتي في نادي الزمالك الذي ربط تمديد عقده بأدائه في كأس إفريقيا المقامة حاليا بمصر. فلا هو لعب و لا هو أدى، بل لزم دكة البدلاء في المباريات الثلاث. فاستدعاء بوطيب كان أكبر خطإ في ظل تواجد مهاجم صلب و مشاكس و هداف و مراوغ من طينة محسن ياجور، هداف البطولة الخبير في اللعب في أدغال إفريقيا. كان لابد من إنصاف اللاعب ياجور و المناداة عليه بعد شغور مكان عبد الرزاق حمد الله لأنه لا يعقل ان يكون فريق بدون هداف أساسي، و إلا لما صرفت الأندية العالمية الكبرى أموالا طائلة في جلب هدافين فعالين. و إذا عدنا إلى مباراة المغرب و بنين، فسنرى ان الفرص الكثيرة التي أهدرت كان أحد أسبابها غياب هداف فعال لأن كرات عديدة دخلت مربع العمليات و لم تجد من يحولها إلى أهداف. إذن، فما جدوى اللعب الجماعي المنظم و الاحترافي بدون أهداف؟ و ارتباطا باختيار لائحة اللاعبين، نذكر ان خطأ آخر ارتكبه رونار عندما استدعى حارس مرمى رابعا بينما ألفنا اختيار ثلاث حراس حتى تعطى الفرصة للاعب آخر قد يكون له دور فعال في الفريق. و قد يكون رونار هو المدرب الوحيد الذي ضم حارسا رابعا إلى لائحة لاعبيه. نحن مع إعطاء الفرص لحراس المرمي المنتمين للبطولة الوطنية الاحترافية، لكن إذا كان الحارس زنيتي معروفا بقدرته على صد ضربات الجزاء، فلماذا لم يفكر رونار في استبدال بونو بالزنيتي في الأشواط الإضافية؟ و هنا نذكر بما شاهدناه في مباراة تونس ضد غانا حينما أبان المدرب جيريس عن قوة شخصيته و شجاعته و سداد رأيه، فاستبدل حارس المرمى الأساسي بالحارس بن مصطفى الذي صد ضربة جزاء أسهمت في تأهل المنتخب التونسي إلى دور ربع النهاية. وزادت الطينة بلة عندما خاض رونار مباراة جنوب إفريقيا باللاعبين الأساسيين الذين أجهدوا أنفسهم في مباراة كوت ديفوار و بالذات بوصوفة وأمرابط، ناهيك عن لاعبين كانوا في حاجة إلى راحة كافية لاسترجاع طراوتهم البدنية. فعل رونار ذلك لأنه أراد كسب تسع نقاط لتفادي ملاقاة الفرق القوية في الدور الثاني، لكن تقديره لم يكن صائبا لأن الفريق الذي استصغره هو الذي أقصى المنتخب المغربي. و أظهر الدور الثاني ان الفرق التي استصغرت لما تأهلت بثلاث نقاط هي التي تسببت في تهاوي فرقا كانت مرشحة للفوز بكأس إفريقيا. ومن هنا نقول لرونار إن زمن الحسابات قد ولى لأن المستويات تقاربت، و خير دليل على ذلك بروز فرق كانت مغمورة، لكن كيفية تعاملها مع المباريات أكسيتها ثقة كبيرة ألهبت حماسة اللاعبين و توقهم إلى تحقيق نتائج مرضية جدا . كما غابت حنكة و نباهة و شجاعة رونار في تغاضيه عن إقحام اللاعب بوفال في مباراة بنين منذ البداية لأنه هو اللاعب الذي أبان عن قدرته على المراوغة واختراق الخصم و التوغل في مربع عملياته. و شاهدنا كيف كان دخوله مجديا في الشوط الثاني، لكنه لم يجد أمامه هدافا فعالا يوصل الكرة إلى شباك بنين. أما عن اللاعب زياش و إخفاقه في الظهور بنفس المستوى الذي ظهر به في السنة الماضية مع المنتخب المغربي أو مع نادي أجاكس امستردام في الأشهر القليلة السابقة، فلابد من الاعتراف أن اللاعب أتي إلى المغرب منهك القوى بعد موسم حافل بالإنجازات مع فريقه الهولندي. حاول زياش أن ينهج نفس أسلوب اللعب المعروف به، لكنه كلما كان يهم بفعل ذلك، كان يجد أمامه سدا منيعا، فتختطف منه الكرة، فيزيد ضجره و جزعه و قلقه. ففي ظروف نفسية و مزاجية و تقنية برز تيهان زياش، فكانت الطامة الكبرى حينما أهدر ضرية جزاء في الدقيقة الأخيرة من المباراة. في ظرف كهذا كان حري برونار أن يكون واقعبا في لحظة ضربة الجزاء و يكلف لاعبا اخر كبوصوفة أو الأحمدي بتسديدها لأن زياش كان منهارا من كل الجوانب. إن كان رونار أراد الرفع من معنويات زياش عبر تكليفه بتسديد ضربة الجزاء، فإننا نتفهم ذلك، لكن، في الواقع، كان الظرف صعبا و حاسما، فكان جديرا برونار أن يتخذ قرارا آخرا مثلما فعل مدربون كثر. كل ما ذكر سلفا ينم عن تيهان عاشه رونار حينما افتقد الشجاعة و الجرأة في اتخاذ القرارات الحاسمة سواء عند اختيار اللاعبين القادرين على مجابهة الفريق الخصم و فك شفراته أو عند التعامل مع المباريات و تدبيرها تقنيا خاصة مباراة البنين التي لم يحضر لها بعزم و صرامة و استماته.