لم يكن أشد المتشائمين يتوقع أن يخرج المنتخب الوطني أمام منتخب البنين، في ثمن نهائي كأس أمم إفريقيا، بعد الاحتكام إلى الضربات الترجيحية، والتي عكست بالملموس ضعف التحضير الذهني للعناصر الوطنية، كما عرت أيضا عن افتقاد المجموعة الوطنية لذلك النضج الكروي، بعدما بالغوا في استصغار المنتخب الخصم، وحجزوا لأنفسهم قعدا في ربع النهائي قبل إجراء المواجهة، التي شهدت سيطرة عقيمة للنخبة الوطنية، والتي افتقدت لمتمم عمليات يمكنه أن يستغل الكرات لوضعها داخل الشباك، ويحرر زملاءه من شد عصبي كبير، أثقل أرجلهم، وحاصرهم كثيرا مع توالي دقائق المواجهة. ويمكن تلخيص أسباب الخروج المخيب للمنتخب الوطني في ما يلي: اختيارات هيرفي رونار بإلقاء نظرة بسيطة على لائحة اللاعبين الذين اعتمدهم هيرفي رونار للمشاركة في نهائيات أمم إفريقيا المقامة حاليا بمصر، يتبين بالملموس أن غالبية المجموعة تتشكل من لاعبي خطي الدفاع ووسط الميدان، في حين سجل ضعف كبير على مستوى الخط الأمامي، الذي شهد تواجد لاعبين فقط هما خالد بوطيب، الذي يفتقد للجاهزية التامة، وعبد الرزاق حمد الله، قبل أن يترك المعسكر، ويوسف النصيري، الذي لا تتوفر فيه مقومات القناص، وصائد الفرص داخل منطقة العمليات، الأمر الذي شكل نقطة سلبية للمجموعة الوطنية في هذا الاستحقاق القاري وحد من الاختيارات التقنية الموضوعة بين يدي هيرفي رونار. واستغرب المتتبعون كيف أن الناخب الوطني أصر على إقصاء لاعب الرجاء البيضاوي، محسن ياجور، هداف الدوري الاحترافي، وأيضا وليد أزارو لاعب الأهلي المصري، بعدما تأكد له رسميا إصابة أيوب الكعبي. وشهدت لائحة المجموعة الوطنية أيضا، إصرارا من هيرفي رونار ، الاحتفاظ بنفس الأسماء التقليدية، رغم تقدمها في السن، وكأنه كان يريد ان يكافئها على حساب مواهب أخرى أكدت أحقيتها في حمل القميص الوطني، على غرار عميد الرجاء بدر بانون ومدافع الوداد أشرف داري وأيضا الخريبكي السابق جواد الياميق. «هروب» حمد الله رغم أن الكثيرين تعاطفوا مع المسفيوي عبد الرزاق حمد الله، بعدما غادر معسكر المنتخب الوطني، بداعي تهميشه واستفزازه من طرف بعض اللاعبين «النافذين» داخل المنتخب الوطني، إلا أنه أساء لنفسه وللمنتخب الوطني في ظرف حساس، لأنه مغادرته لمعسكر المنتخب الوطني كان في وقت جد متأخر، بعدما أرسلت لائحة 23 إلى الكاف، وبالتالي لم يعد ممكنا تعويضه بلاعب بديل، مما جعل المنتخب الوطني يرحل إلى القاهرة محروما من خدمات لاعب، رغم أن الجامعة بذلت جهدا كبيرا من أجل تأهيل عبد الكريم باعدي، لكنه لاعب بنزعة دفاعية، ما أثر على توازن خطوط المنتخب الوطني. لقد كان حمد الله مدعوا إلى تحمل مسؤوليته كاملة، وأن يحافظ على تواجده داخل المجموعة، وأن يناقش الأمر مع الناخب الوطني أو مسؤولي الجامعة، بدل الهروب والتنصل من المسؤولية. هروب حمد الله يجعلنا نعيد الشريط بعض الشيء إلى الوراء، ونتساءل عن سبب عدم اصطحاب مدرب المنتخب الوطني الأولمبي السابق بيم فيربيك له في أولمبياد لندن، وكذا عدم استدعائه من طرف مدربي المنتخب الوطني سابقا وآخرهم رونار، رغم أنه كان ضمن النخبة الوطنية بعد سنة 2013، الجواب ربما تأكد بعد واقعة الخميس 13 يونيو. زياش.. خارج التغطية يمكن اعتبار إصرار هيرفي رونار على المراهنة على حكيم زياش، نجم أجاكس أمستردام، مراهنة فاشلة بدليل العرض المتواضع في دورة مصر، حيث أصر على جعله محرك لعب المنتخب الوطني، رغم الأثر النفسي الكبير الذي بدا عليه خلال مباراة جنوب إفريقيا، وأيضا أمام البنين، حيث أضاع ضربة جزاء، تمنى كل عشاق الكرة المغربية لو تركها لمبارك بوصوفة، الذي كان أكثر هدوءا منه. لكن هيرفي رونار رفض بعد المباراة تحميل أي من لاعبيه المسؤولية، بمن فيهم زياش، إذ أشاد به، واعتبره في تصريحات سابقة أنه «المفتاح» الذي يعول عليه لإيقاد شرارة الاندفاع نحو اللقب. وقال عقب الخروج على يد البنين «حصلنا على ضربة جزاء أضاعها حكيم، هذا جزء من كرة القدم. كان جيدا جدا في المراحل التحضيرية، أقل في دور المجموعات، وأقل بشكل إضافي هذا المساء، لأنه أضاع ضربة الجزاء هذه، لكنني وثقت به دائما». وتابع «أظن أنه ساهم بشكل كبير في إيصالنا إلى المونديال (للمرة الأولى منذ 1998)، ولا يجب أن ننسى ذلك. كرة القدم هي هكذا». التأهل قبل يوم المباراة دخل المنتخب النسخة الثانية والثلاثين من البطولة مرشحا بقوة ليحرز لقبها للمرة الثانية في تاريخه، بعد انتظار يعود الى العام 1976. وكان الرهان على خبرة وتجربة المدرب هيرفي رونار، الذي سبق له أن أحرز اللقب مع منتخبين مختلفين (زامبيا 2012 وكوت ديفوار 2015)، وأيضا توفره على تشكيلة تمزج تمريرات حكيم زياش بسرعة أشرف حكيمي، وتضيف إليهما محورية مبارك بوصوفة، ابتكارية نور الدين أمرابط. لكن رياح ملعب السلام جرت بما لم تكن تشتهيه سفن المغاربة، لأن الأحلام تحطمت عند أول محطة في الأدوار الاقصائية. وبدا اللاعبون خلال هذه المواجهة كما لو أنهم حققوا التأهل، إذ افتقدوا النجاعة أمام خط المرمى، وبالغوا في اللعب الاستعراضي، الذي افتقد الجدية والفعالية في اللحظات الحاسمة، ما حرمنا من فرصة التأهل، ولعل إهدار زياش لضربة الجزاء في آخر ثواني المواجهة، وأيضا «تطويعه» لكرة ذهبية من بوصوفة على بعد أمتار من خط المرمى يعكس حالة الشرود الكبيرة التي كانت عليها المجموعة الوطنية في نزال الجمعة. الرهان على «الصناعة» الأوروبية يضم المنتخب الوطني لاعبين فقط من الدوري الاحترافي، هما حارس الوداد البيضاوي محمد رضى التكناوتي والمدافع الأكاديري عبد الكريم باعدي، وثالث احتاطي هو حارس مرمى الرجاء أنس الزنيتي، يضاف إليهم محترفان كانت انطلاقتهما من الدوري المغربي وهما يوسف النصيري وياسين بونو، مقابل حضور قوي لأبناء الجالية المغربية بكل من فرنسا وهولندا وبلجيكا. ورغم أن وطنية هؤلاء اللاعبين لاتناقش، وأظهروا غيرة كبيرة على القميص الوطني، إلا أن منطق الأشياء يفرض حضورا نوعيا للاعبي الدوري المغربي، حتى تكون البطولة الوطنية ذات معنى، وحتى يكون الحافز متاحا أمام اللاعبين قصد الاجتهاد لنيل ثقة الناخب الوطني، الذي فضل مواصلة الرهان على المنتوج الأجنبي عوض المحلي، الذي بات حلم اللعب الدولي صعب المنال أمام العديد من المواهب، التي أصبح رهانها الأول هو اللعب وانتظار فرصة للاحتراف بالخليج، طالما مقاعد المنتخب الوطني، التي يمكنها أن تفتح لهم طريق الاحتراف الأوروبي، محجوزة لغيرهم، رغم أن مستوى البعض منهم يقل عن مستوى كثير من لاعبي الدوري الاحترافي. لقد عرت مواجهتا غامبياوزامبيا عن الكثير من عيوب المنتخب الوطني، لكن هيرفي رونار تغاضى عنها، وأصر على اعتبار المحطات الإعدادية مناسبة لقياس القدرات، وأن اللاعبين غير مطالبين بتقديم كامل إمكانياتهم، وأن الأهم هو الظهور بالمستوى المطلوب في المواعيد الرسمية، وهو ما لم يتحقق بمصر، باستثناء مباراة كوت ديفوار، وكأن رونار ذهب إلى مصر فقط من أجل تجديد الفوز على منتخب الفيلة. وعموما فقد تبخر الحلم المغربي، وفشل لقجع في رهانه مع رونار، حيث كرر أكثر من مرة أن المنتخب الوطني سيذهب إلى مصر من أجل التتويج، رغم أن الناخب الوطني قلل الحظوظ وأكد قبل الذهاب إلى القاهرة أن المنتخب الوطني سيعمل على بلوغ المربع الذهبي، وهو ما لم يتحقق، لتكرر الإخفاق، وتتكرس عقدة الأدوار الأولى، ويتأجل الحلم إلى دورة 2021 بالكاميرون.