قال للعدل والإحسان: من يشعل النار سيكون أول من يحترق بها قال عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، إن حزبه لم يأت ليحكم رغما عن الإرادة الملكية، بل جاء ليحكم معها، مشيرا إلى أن الملك محمد السادس هو رئيس الدولة المغربية "ولن نبني علاقتنا مع جلالته على التنازع.. فهذا غير وارد". وشدد بنكيران على القول، في حوار خص به جريدة "الشرق الأوسط" السعودية، "نحن جئنا لنعمل في إطار التوافق مع جلالة الملك وليس في إطار التنازع، فالتنازع أمرنا الله أن نتركه". وأشار بنكيران إلى دور رئيس الحكومة، وقال إنه أصبح مهما وكبيرا بعد الدستور الجديد، بيد أنه يظل قائما في إطار المرجعية الدستورية ثم رئاسة الدولة. ووجه بنكيران رسائل إلى جماعة العدل والإحسان، وقال "أقول للإخوان في الجماعة إنه لا يجوز اللعب بالنار، ومن سيشعل النار سيكون أول من سيحترق بها". وفي ما يلي مقتطفات لأهم ماجاء في الحوار: 90 في المائة من المواطنين يؤيدون الحكومة إن المواطنين يستوعبون حقيقة وضعية الحكومة، ويعرفون المجال الذي تتحرك فيه. وكما ترى فإن الثقة التي تحظى بها الحكومة تجاوزت بكثير نسبة الأصوات التي لديها في البرلمان، الناس يتحدثون الآن عن نسبة تتراوح بين 80 و90 في المائة من المواطنين عبروا عن ثقتهم في الحكومة وارتياحهم لها. (...) تعامل الحكومة مع الاحتجاجات نحن لدينا مقاربة تكمن في ما يلي: أولا، تفهم الأسباب الحقيقية التي تكون وراء التوترات الاجتماعية ومحاولة معالجتها، وهذه أشياء موجودة وأسبابها حقيقية غير مفتعلة. ثانيا، أن هذا التأجيج يجب عدم تجاوز القانون في التعامل معه، وهذه مسألة لا نقاش فيها، وبطبيعة الحال تقع في بعض الأحيان بعض التجاوزات. ولكن أصحاب الكاميرات لا يظهرون تعرض رجال الأمن للرشق بالحجارة، ولكن إذا تعرض مواطن لمعاملة عنيفة، وهذا يقع في العالم كله، ترتفع أصوات الاحتجاج كثيرا، ولكننا حريصون على عدم تجاوز القانون وعلى معالجة القضايا في إطار عدم الزيادة في توتر المجتمع. هذه مرحلة صعبة تتطلب معالجة حكيمة وهادئة ولكن في الوقت نفسه يجب أن تتضمن ما يكفي من الصرامة لأن المواطن يريد أن يشعر بالأمن على ممتلكاته وعلى نفسه، فهذه حاجة سابقة على كل شيء. فبعد الجوع هناك الأمن، والآية الكريمة تقول: "أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف"، والمواطن ينبغي له أن يعرف أن الدولة موجودة ولكنها موجودة بطريقة راعية وليس بطريقة عدائية، وهذا هو المهم عندنا. الوزراء التكنوقراط أكفاء المهم في الوزراء هو كفاءتهم، وماذا سيقدمون في مجال اختصاصاتهم.الحكومة معظم وزرائها ينتمون لأحزاب سياسية. فمن بين 31 عضوا في الحكومة هناك خمسة وزراء غير منتمين لأحزاب سياسية، وبالتالي فإن 5 من مجموع 31 لا يمثل رقما كبيرا، فالتكنوقراط فيهم أناس أكفاء. وسأعطي مثالا على ذلك بالسيد إدريس الضحاك، الأمين العام للحكومة، الذي احتفظنا به في الحكومة الحالية. في داخل حزبنا، كان الرأي السائد، أن هذا الرجل لا يوجد شخص، وربما نكون مخطئين، في مستواه لتحمل هذه المسؤولية، ولم يطلب مني أي أحد إبقاءه في الحكومة، ولم يكن موضوع نقاش إطلاقا لا داخل الحزب ولا داخل الأغلبية، ولم يطلب منصبه أحد، وهنا أعود للتنويه به من جديد فمن قبل كنت أعرفه معرفة شخصية ولكن لما اشتغلت معه عرفت والحمد لله أن موقفي كان صائبا، وأسأل الله أن يبارك في عمره ويمتعه بالصحة والعافية ليواصل دوره، ولذلك لماذا أغير شخصا مثل السيد الضحاك بشخص آخر. وإذا كان يتمتع بعطف جلالة الملك فهذا شيء إيجابي. ونحن لم نأت لنحكم رغما عن الإرادة الملكية. فهذا غير صحيح البتة، نحن جئنا لنحكم مع هذه الإرادة، حتى تكون الأمور واضحة في ذهن المغاربة، لما فيه المصلحة والخير والتشاور وكل من موقعه. فجلالة الملك هو رئيس الدولة المغربية، ونحن لن نبني علاقتنا مع جلالته على التنازع، هذا غير وارد وغير صحيح. وبالعودة إلى الوزراء غير المتحزبين، أود الإشارة أيضا إلى أن الوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني لم يطلبه مني أحد، فهو شخص يتمتع باحترام الأطراف كلها وناجح في عمله. وسأفشي لك سرا آخر يتعلق بعزيز اخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري (قيادي سابق في التجمع الوطني للأحرار)، أنا من اتصلت به بعد الانتخابات بيومين حتى أهنئه بفوزه في الاقتراع، وعبرت له عن رغبتي في بقائه في الحكومة قبل أن أعين على رأسها، فلا أعرف لماذا يتضايق البعض من ذلك. الملك غاية في اللطف لقد جرى اتصال مباشر ثلاث مرات (قبل انعقاد المجلس الوزاري الثلاثاء). ولكنني أتصل بجلالة الملك كلما كانت الحاجة إلى ذلك من جهته أو من جهتي. وهو غاية في اللطف. ولا أخفيك أنني أوقره كثيرا، والناس جميعا يعرفون هذا عني، فجلالة الملك لديه مرتبة خاصة في قلبي مثلي كباقي المواطنين المغاربة في ذلك. فأنا أتصل بجلالته عندما تكون هناك حاجة ملحة. فإما أن يستجاب لي فورا أو يتم جوابي بعد حين أو بعد لحظات. وإذا جاز لي أن أشكره على هذه المعاملة، أجدد القول إنه غاية في اللطف والعناية. فهمت أنه من المفيد أن تكون علاقتي مع مستشاري الملك جيدة قضية التنافر غير موجودة البتة. بالنسبة لفؤاد عالي الهمة، وأنا لا أعرف هل تعرفه أنت شخصيا أم لا؟ هو رجل لطيف، وفي وقت من الأوقات قرر أن ينزل إلى الساحة ليخوض السياسة معنا. فتصارع معنا، وتصارعنا معه، ويوم عينه جلالة الملك مستشارا له كنت من أوائل من اتصلوا به لتهنئته، كما أن وضعيته السياسية تغيرت، وبالنسبة لأن يكون عالي الهمة هو مخاطبي في القصر الملكي يمكن أن يكون شيئا إيجابيا في النهاية فهو لديه مرتبته ومكانته، وهو شخص متفهم، وما وقع بيننا في المرحلة السابقة طويت صفحته، لكن ما يمكن أن أقوله لك أن علاقتنا الشخصية كانت طيبة من قبل، وطيبة الآن. وأنا من جهتي حاولت أن تبقى العلاقة معه طيبة حتى أثناء المعارك السياسية. فهذه القضية لا تزعجني. وأود أن أشير إلى أن لدي علاقات ممتازة مع مستشاري جلالة الملك. وفي الحقيقة لمست أن جميعهم من معدن طيب. ولأكون واضحا معك، طبعا ليس دائما نتفق ولكن الحمد لله الأمور معهم جيدة، ربما كنت أتصور قبل تعييني رئيسا للحكومة أن العلاقات مع المستشارين قد لا تكون على ما يرام لكنني فهمت لاحقا أنه من المفيد أن تكون العلاقة مع المستشارين جيدة. أقول للعدل والإحسان: لا يجوز اللعب بالنار لما جاءت الرياح العربية ارتج الوضع، ولولا أن الله ألهم جلالة الملك بخطاب 9 مارس الماضي لكان من الممكن أن تكون أحوالنا اليوم ليست على ما يرام. لماذا؟ لأن هناك اختلالات في التسيير، واختلالات في الديمقراطية، واختلالات في مجالات الاستثمار، وهناك اختلالات في العناية بالمستضعفين والفقراء والمحتاجين، وهناك أيضا اختلالات في الحكامة والعدالة، فهذه أشياء أساسية بالنسبة للدولة. نحن لم نأت لنكتشف البترول ونحول التراب إلى ذهب، إلا إذا أراد الله، بل جئنا ببرنامج أساسي لتصحيح سير الدولة، بحيث يصبح كل من يستحق شيئا يأخذه، ويصبح المواطن حينما يذهب إلى الإدارة يشعر بأنه في بلده، وبأنه مرحب به، وبأن العاملين فيها هناك لخدمته والقيام على حاجياته، وبأن التعليم والخدمات الاجتماعية تعمل بطريقة معقولة، وبعد هذه المرحلة الحرجة نعود إلى التنافس الآيديولوجي. فالمرحلة الحالية هي مرحلة النوايا الحسنة. إن الإخوة في جماعة العدل والإحسان يقولون إن هذه الأشياء لا فائدة ترجى منها، وربما يذهب البعض منهم في اتجاه تأجيج الأوضاع، وأنا تألمت كثيرا لوفاة ذلك الشاب المنتمي للجماعة، الذي احترق رغم أنه لم يكن ينوي حرق نفسه، ذلك أن أحدهم اشتعلت فيه النار خطئا فحاول الشاب الذي لقي حتفه إنقاذه فاندلعت النار في جسده. فمنطق التأجيج ومحاولة الركوب على الإشكاليات الاجتماعية الموجودة في المجتمع والتي جئنا إلى الحكومة بسببها لكي نعالجها هي أشياء غير مقبولة. وأغتنم هذه المناسبة لأوجه للإخوان في جماعة العدل والإحسان رسالة مفادها أنه لا يجوز اللعب بالنار. الفرق بين تازةوسيدي بوزيد أحداث تازة ليست أحداث مدينة سيدي بوزيدالتونسية؛ فأحداث تازة تتعلق بمجموعة تتكون من ستة معتقلين متابعين من أجل أسباب واضحة، طبعا الأهالي يطالبون بإطلاق سراحهم، وما دامت مطالبهم تتم في إطار قانوني وسلمي فلا مشكلة في ذلك. هذه مرحلة تمر منها الأمة كاملة. فإذا كانت مصر الشقيقة يموت فيها العشرات بسبب مباراة كرة قدم، فإن المغرب والحمد لله لا يعرف هذه الظاهرة، وبالتالي على بعض الجهات السياسية أن تمضي قدما في اتجاه حفظ الأمن. فمن سيشعل النار سيكون أول من سيحترق بها. ولهذا يجب على البعض أن يعودوا إلى رشدهم قليلا. المغرب ليس تونس وياسين ليس هو الغنوشي الإخوان في الجماعة (العدل والإحسان) يتكلمون عنه منذ 30 سنة. وذكروا ذلك في رسالتهم. نحن لا نؤمن بهذه الطريقة في التغيير أي أن نظل ننتظر 30 سنة، ونضيف عشرية أخرى ثم تليها عشرية أخرى من الانتظار. نحن نؤمن بدخول المعترك والقيام تدريجيا بالإصلاح، فهل الانتظار سيزيل الاستبداد أم لا؟ الذي لا شك فيه أن الذين سبقونا وقاوموا وواجهوا قبل أن تكون العدل والإحسان، وقبل أن تكون حركة التوحيد والإصلاح، وقبل أن يكون حزب العدالة والتنمية نفسه، صححوا عددا من الاختلالات. المغرب إذا لم يشتعل في 20 فبراير فلأنه لم يكن مثل تونس، ولم يكن فيه حزب وحيد، ولم يكن يحكمه نظام عسكري، وكانت فيه ديمقراطية، وهامش من الحرية، وهامش من حرية الصحافة، والناس الذين قاموا بما قاموا به معروفون وأحييهم، وفي سياق ذلك نعتبر أنفسنا حلقة في سلسلة. فنحن لا نمثل قطيعة. إننا نبني على ما سبقنا ومن سبقنا. والسيد عبد الرحمن اليوسفي إذا جاز لي أن أذكره، قدم للوطن خدمة كبيرة يوم شارك في التناوب التوافقي. ورغم أن ذلك كلف حزبه ثمنا غاليا نسبيا فقد قدم للبلاد خدمة كبيرة جعلها تستمر حتى اليوم. وها نحن اليوم جئنا إلى الحكومة ونسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق في عملنا. إن المغرب يتحسن. فمغرب اليوم ليس هو مغرب عقد السبعينات من القرن الماضي. هل وضعية جماعة العدل والإحسان اليوم هي نفس الوضعية التي كان فيها السيد عبد السلام ياسين محاصرا في بيته؟ وفي سياق المقارنة بين المغرب وتونس، السيد عبد السلام ياسين لم يكن معتقلا أو كان منفيا في بريطانيا مثل السيد راشد الغنوشي. فياسين كان يعيش بطريقة محترمة في بيت لائق كبير، وجماعته تعقد جلساتها ولقاءاتها وعندها مصالحها، وهذه كلها أشياء مفهومة ومعروفة. ولهذا فالإخوان في العدل والإحسان لا يوجد بيني وبينهم سوى الخير والإحسان، ولكن عليهم أن يفهموا ويعرفوا أن هذه البلاد قائمة على أسس، وأن هذه الأسس إذا أرادوا أن يتحاوروا في إطارها ويتمتعوا بحقوقهم فإنهم مرحب بهم، ولكن إذا كانوا يتصورون أن الدولة ستترك أحدا يروم تقويضها بطريقة أو بأخرى فإنهم مخطئون، وذلك حتى تكون الأمور واضحة بالنسبة لهم ولغيرهم. --- تعليق الصورة: عبد الإله بنكيران