الفن الذي اختلف في وصفه كبار الفلاسفة وجهابذة أهل النظر هو اللسان الذي به تعبر الإنسانية عن نزعاتها الغير الواعية واعتقاداتها الإيجابية وهو المظهر الذي يمثل عن طوع عجيب وثبات فائق جميع المدنيات على اختلاف أنواعها ويبين كل حالات نفس الإنسان المتتابعة وإيثارا للفائدة العامة أورد بعض تعاريف الفن ،، قال إمرسن،،الفن خلق الجمال وهو الطبيعة التي تدخل في أنبيق الإنسان،،وقال جوتة،،هو الواسطة في كل مالم يستطيع اللسان أن ينطق به ؛؛ وقال لاكوردير ،،هو العنصر الثاني في حياة الشعب ،،وقال السير براون،،هو كمال الطبيعة ،وقالت جورج سند ،،هو طلب الحق الأسمى بدون أن يختص بدراية حقيقية إيجابية ،، وقال ستوفرد بروك،،هو شكل بديع يبرزه حس متهيج ،،وقال براونج ،،هو حب الوداد ونزوة المعرفة والنظر والحس فضلا عن أنه حقيقة الأشياء المطلقة لأجل الحق الكامل الأوحد ،،وهو تقليد الطبيعة،،وقال تولتسوي،،الفن لغة أخلاقية فاضلة للحياة الإنسانية غايته الاتحاد والمودة بين الناس،،وقال آخر،،هو المنهاج الذي يسلكه الخالق توصلا إلى عمله،،وفي المغرب تشكلت عدة عوامل تاريخية وحضارية وهبته فنا عريقا وتراثا زاخرا يتنوع ويتلون بتلوينات مختلفة من منطقة إلى أخرى فترسخت في الذاكرة فنون شعبية وفلكلورية جميلة ومعبرة عن الوجدان الجماعي في الصحراء الشرقية وخصوصا في منطقة الراشيدية التي ينتمي إليها الفنان الراحل ، محمد باعوث ويعتبر رمزا من رموز فن البلدي ،،
هذا الفن المستحدث كان نتيجة لعدة عوامل داخلية تمثلت في نهل المبدع محمد باعوت من فن الجريفي والملحون وعوامل خارجية تمثلت في تشبعه بفنون العيطة الحصباوية ومركزها نواحي آسفي وخصوصا دار القايد عيسى بن عمر الشهير في الروايات التاريخية والذاكرة الشفهية،والعيطة المرساوية التي تنتمي إلى الدارالبيضاء والبوادي المجاورة ،فكان نتيجة لذلك أن أسس محمد باعوت فنا غنائا مستحدثا يعرف باسم البلدي،،واشتهرت به منطقة الراشيدية والضواحي المجاورة ، تعامل الراحل مع رموز الفن في أربعينات وخمسينيات القرن الماضي كالمرحوم بوشعيب البيضاوي ،وربط علاقات وازنة مع أعلام الموسيقى والغناء إبان تلك المرحلة وكان عصاميا كون وثقف نفسه بالاطلاع على فنون أخرى حتى صار علما من أعلام البلدي،
وقد كان الأعضاء المشاركون في مجموعته الغنائية متمكنون من قواعد البلدي ومن إيقاعات أخرى ساعدتهم في تطوير هذا الفلكلور المغربي إلى جانب محمد باعوت وأذكر منهم مولاي علي بلمصباح ومامادو ،،وقد فاقت شهرة محمد باعوت كل الآفاق حيث استدعاه الملك الراحل محمد الخامس في خمسينيات القرن الماضي لإحياء حفل فني في الإذاعة الوطنية وأرسل طائرة خاصة تقله رفقة أفراد مجموعته ،وأما اليوم فهناك فنانون شباب يقتفون أثر معلمهم وشيخهم والأب الروحي محمد باعوت في فن البلدي كالشريف الحمري ومحمد العنان حيث يقول الباحثون في هذا المجال أن كل المجموعات الشعبية والفلكلورية في المنطقة خرجت من معطف محمد باعوت لكن يبقى أهمهم الفنان مولود مسكاوي الذي يعزف على مجموعة من الآلات وقد نهل الشيئ الكثير من علم شيخه الراحل ،وختاما أوجه ندائي لكل الجهات المسؤولة وعلى رأسها وزارة الثقافة في حكومة بن كيران والباحثين والمهتمين والغيورين للاهتمام بموروثنا الثقافي والحفاظ على تراثنا الانساني من الضياع والاندثار ومجرد الاهتمام وعقد النية على النهوض بقطاع الثقافة والنبش في عوالم الفن لاجرم سيكون خطوة فعالة نحو رد الاعتبار إلى تلك المناطق المنسية،وأقول قولي هذا صادرا من أعماق القلب الذي هو مستودع الاحساسات النبيلة..