*في المغرب كل شيء مقلوب! سبق لي وأن كتبت مقالا بعنوان "في المغرب كل شيء مقلوب",وقد تحدثت فيه عن مجموعة من الأمور التي يراد لها أن تصبح عكس ماهيتها,وأعطيت أمثلة على ذلك من قبيل؛كيف أن الوطني صار خائنا,وكيف جعل(بضم الجيم) الخائن وطنيا؟وكيف أصبح التاريخ المزور حقيقيا,والتاريخ المغربي الحقيقي مزورا؟وكيف أن الحق صار باطلا والباطل حول(بضم الحاء) إلى حق؟ وقد خلصت في المقال المذكور,إلى أن المقولة القائلة "إذا كنت في المغرب فلا تستغرب" مقولة مغلوطة,يجب أن تصحح لتصبح؛"إذا كنت في المغرب فاستغرب لكي لا تستغرب",وها قد جاءت الفرصة لتتأكد صحة هذه المقولة,ويتعلق الأمر هنا بموقف امحمد الخليفة الذي عبر في إحدى حلقات برنامج"حوار",عن دهشته واستغرابه من مطالب النشطاء الأمازيغ من "تغيير" أسماء بعض المدن كتطوان و شفشاون...و هنا ليس بوسعنا نحن كذلك إلا أن نستغرب من استغراب الخليفة,علينا كما قلت أن نستغرب لكي لا نستغرب,علينا أن نستغرب كيف أن امحمد الخليفة يندهش ويتعجب عندما يطالب ناشط أمازيغي بإرجاع أسماء المدن والوديان والفجاج إلى ما كانت عليه,أي إلى أصلها,ولا يستغرب من المسخ والتحريف الذي أطالها وجعلها غير ذات معنى؟ فكيف يستغرب الخليفة من تطاوين التي تعني بالأمازيغية العيون,ولا يستغرب من تطوان التي لا معنى لها؟كيف لا يستغرب من التسمية المزورة "وادي أبي فكران",ويستغرب من التسمية الأصلية" أسيف بو يكفران" أي "وادي السلحفاة"؟؟ ما ينبغي على الخليفة وعلى كل المغاربة أن يستغربوا منه,هو ذلك التطويع القسري أو التنميط الجبري للعربية حتى تتحول إلى الأمازيغية,كما فعل بن كيران في إحدى مهرجاناته الخطابية,عندما تلا على الجماهير المصطفة أمامه ما اعتبره"شلحة",وطالب منهم أن يرددوا معه تلك الجملة التي لا تحمل ولا كلمة أمازيغية واحدة؛"كولنغ أنبنيو الإصلاح أديمقراطي",هذه بعض الأمثلة التي تدعونا إلى الاستغراب حقا,ولكن الاستغراب سرعان ما يزول إذا علمنا أن في المغرب كل شيء مقلوب. إن ما يجب أن يستغرب له المرء كذلك,هو تلك المواقف الشاذة والعنصرية التي لا تريد أن تستوعب بعد,بأن المغرب قد تغير,أو أنه يجب أن يتغير,فعملت جهد إيمانها على منع ترسيم الأمازيغية,و تدخلت في أخير لحظة لتغير عبارة"اللغة الأمازيغية لغة رسمية جنبا إلى جنب مع اللغة العربية",بعبارات متناقضة,مبهمة وملتبسة,لأن أصحاب هذه التدخلات الذين لجؤوا إلى أسلوبي الابتزاز والوعيد,يعتقدون أن الناس بلداء وأغبياء,ولا يفهمون فن اللعب بالكلمات. ما يدهش كذلك أن أصحاب هذه المواقف الشوفينية التي تحاول الوقوف بالمرصاد في وجه التغيير,نصبت نفسها كوصي شرعي,وحده من له الحق في منح الجنسية للأمازيغية,إذ أن "المعتدلين" من هؤلاء,طالبوا في مذكراتهم بالاكتفاء بجعل الأمازيغية لغة وطنية,وكأنها ليست بنت هذه الأرض,أوكأنها جاءت من كوكب آخر,وكأني بأصحاب هذه المواقف الرجعية يعتبرون ملايين الأمازيغ الذين تعج بهم هذه الأرض مجرد مكترين عندهم,ولم يبق لهم سوى أن يطلبوا منهم تسديد ثمن الكراء عند رأس كل شهر,أليس هذا أغرب ما يدعو للاستغراب؟؟ المضحك والغريب كذلك,أن أولئك الذين عرفوا بمواقفهم العدائية للأمازيغية,والذين وقفوا لها بالمرصاد,أصبحوا يحشرون أنفسهم فيما لا يعنيهم,وأصبحوا يفتون ويتحدثون عن الحرف الذي يجب أن تكتب به الأمازيغية بعد أن حسم في الموضوع وقضي الأمر,وهم في أحاديثهم تلك,لا يتحدثون بمنطق الغيور على مصلحة الأمازيغية ومستقبلها,بل لفرملة ما يمكن فرملته,وللتشويش والتشكيك في قدرة الأمازيغية على الانتشار والتطور,وإذا كان هؤلاء الذين لا هم لهم سوى التشويش و التبخيس,يعتبرون الإفتاء في الأمازيغية حقا من حقوقهم,فمن حقنا كذلك أن نقول رأينا في الحرف الذي يجب أن تكتب به العربية,ومن حقنا أن نقول وبصريح العبارة؛بأن الخط الآرامي قد تجاوزه الزمن,وأن كثيرا من معاجم اللغة العربية الموجهة إلى غير المتحدثين بها,أصبحت تكتب بالحرف اللاتيني,فلماذا يحق للعربية كل ذلك ويحرم على الأمازيغية؟؟ ما يستغرب له كذلك؛هو لماذا يحل العروبيون لأنفسهم ما يحرمونه على غيرهم؟ولماذا ليس لهم استعداد أن يفهموا بأنهم بقدر ما هم شغوفون ومغرمون باللغة العربية,التي نحبها بدورنا ونتذوقها,بقدر ما نحن شغوفون ومغرمون بلغتنا الأمازيغية التي راضعناها من أثداء أمهاتنا؟! *هل هناك ما يمكن أن نسميه"تمزيغا" في المغرب؟ عندما نتحدث عن التعريب الذي شمل الإنسان والأرض والحجر والشجر في المغرب,يقابلنا المضللون من التعريبيين بما يسمونه "محاولات التمزيغ",فهل يمكن فعلا الحديث عن شيء اسمه التمزيغ في المغرب؟ يستغرب التعريبيون كيف نطالب بالعودة إلى أصل الأسماء,وكيف نستنكر وندين المسخ الذي يستهدف كل شيء في هذا الوطن,وهذا ما يعتبرونه محاولات للتمزيغ,والصحيح أنه لا يمكن الحديث عن شيء اسمه التمزيغ في المغرب,بل في كل شمال إفريقيا,كما لا يمكن الحديث عن الفرنسة في فرنسا,وعن التعريب في العربية السعودية,فالفرنسة ليست ظاهرة دخيلة على فرنسا,ونفس الشيء بالنسبة للتعريب في السعودية,لكن عندما ننتقل إلى المغرب أو الجزائر أو غيرها من المواطن غير الأصلية للفرنسية والعربية,إذ ذاك يمكن أن نتحدث عن الفرنسة وعن التعريب,كظاهرتين داخليتين,وكمثال آخر على ذلك,فلا يمكن الحديث مطلقا عن شيء اسمه أفرقة إفريقيا في إفريقيا,وحتى إن حصل ذلك فليس عيبا,وليس دعوة لمسخ الهوية الإفريقية وتحريفها,بل هي دعوة إلى العودة إلى الأصل والافتخار والاعتزاز بهذا الأصل الإفريقي والهوية الإفريقية,والعودة إلى الأصل كما يقال فضيلة,وهو نفس ما ينبغي أن يقال عن "التمزيغ",الذي لا يعدو كونه دعوة للرجوع إلى الأصل,وليس دعوة لتزوير الحقائق ومسخها,كما هو الحال بالنسبة للتعريب في غير موطنه,فالتعريب في المغرب هو دعوة إلى تبني هوية غير الهوية الأصلية,والافتخار بغير ما نحن عليه,وتزوير لأصول الإنسان و الأشياء. متى يمكن أن نتحدث عن التمزيغ؟ يمكن أن نتحدث عن التمزيغ لو أن الأمازيغ قصدوا بلدا غير أمازيغي,فعملوا على فرض هويتهم ولغتهم,وقاموا بتمزيغ أسماء المدن والساحات والوديان والفجاج,ومنعوا أهل ذلك البلد من التسمي بأسمائهم المنبثقة من لغتهم وهويتهم,والتي لا معنى لها سوى في لغتهم,فلو قصد الأمازيغ فرنسا وجعلوا من "باريس" "تامسنا" ومن "مرسيليا" "تامدولت",أو استعمروا السعودية ومسخوا "الرياض" إلى "أنفا" وحولوا "جدة" إلى "تامكروت",حينذاك يحق للتعريبيين أن يتحدثوا عن التمزيغ,والأكثر من ذلك يحق لهم محاربته,أما و التمزيغ حاصل في أرض تمازيغت,فهو الأصل الذي على جميع المغاربة أن يفتخروا به,لأنه أول ما يميزهم عن غيرهم,عوض المسخ والتحريف الذي تعرضت له هويتهم وأسماء مدنهم وقراهم,ووديانهم...فبدل أن يستغرب من "الرباط",أصبح يستغرب من "تامسنا",وعوض أن يستغرب من أسماء لا يعرف الآباء معناها,كنسرين,دنيا,نانسي,صوفيا,أسد,فهد...أصبح يستغرب من تيتريت,توفتنت,توناروز,تيللا,سيفاو,أسافو,أنير,ماسين...,والعيب طبعا ليس في هؤلاء الآباء الذين يعتبرون تلك الأسماء التي لا يعرفون معناها "موضة العصر",ولكن العيب في أولئك الذين استثمروا كل جهدهم لمسخ هوية المغاربة,والذين جعلوا من التعريب أمرا محمودا ومرغوبا فيه,ومن "التمزيغ" الذي هو الأصل,مثار استغراب واندهاش,إلى درجة أصبح فيها بعض المواطنين يصدقون "الحقائق الكاذبة" أو المقلوبة,في حين تعسر لهم "الحقائق الحقيقية" على الهضم.