اللقب أطلقه ريغان على أشيبان مراكش: عبد الكبير الميناوي على الرغم من أن سنه تعدت التسعين سنة، لا يزال المايسترو موحا والحسين أشيبان قادرا على التحرك على الخشبة في رشاقة وخفة ابن العشرين: فنان يلخص مغرب غني بتراثه الموسيقي والفني، ساحر ومتنوع بجغرافيته ومكوناته الحضارية والثقافية. يحسب موحا والحسين، على منطقة الأطلس المتوسط، حيث ولد، عام 1916، في «أزرو نايت لحسن»، ببلدة «القباب»، القريبة من خنيفرة، في وسط المغرب. بدأ حياته راعيا للغنم، وتعلم الغناء على يد والده، قبل أن يلتحق بكتيبة الجنود المغاربة، في الجيش الفرنسي، التي شاركت في الحرب العالمية الثانية، ضمن قوات الحلفاء، ضد ألمانيا. ومن الحكايات الطريفة، التي تروى عن مشاركة موحا والحسين في الحرب العالمية الثانية، أنه اشتهر بين رفاقه بأنه لا يفارق آلة الدف أثناء استراحة المحاربين. واليوم، يحلق موحا والحسين على الخشبة مثل نسر، يضبط إيقاع فرقته بيد تشبه حركاتها ضربة المقص، ويقود فرقة «أحيدوس»، التي قد يصل عددها، في بعض الأحيان، إلى 25 عضوا، منذ أكثر من نصف قرن، كأي قائد مطاع، في أوامره وقيادته. أما لقب «المايسترو» فقد أطلقه عليه رونالد ريغان، الرئيس الأميركي الأسبق، عام 1984 وهو لقب أقره الملك الحسن الثاني. أطلق ريغان ذلك اللقب على الحسين عندما شاهده في ديزني وورلد في الولاياتالمتحدة، في جولة فنية، نال خلالها نسر الأطلس إعجاب الأميركيين. ويقال إن ريغان اقترح على المايسترو الإقامة في أميركا، غير أن كريم العمراني، رئيس الوزراء المغربي، في ذلك الوقت، قال للرئيس الأميركي إن المغرب محتاج إلى فنانه الشعبي أكثر، خاصة في مجال التنشيط الثقافي والترويج لصورة المغرب، الفنية والحضارية. ولم يكن رئيس الوزراء المغربي، وهو يرفض طلب الرئيس الأميركي، يتكلم من فراغ، بدليل الصيت العالمي الذي صار للمايسترو، الشيء الذي جعل منه مفخرة لمنطقة الأطلس، بشكل خاص، وللمغرب، بشكل عام. وإذا كان مشاهير العالم والمغاربة، يلقبون موحا والحسين «المايسترو» فإن أعضاء فرقته، يلقبون قائدهم «النسر»، نظرا للحركات التي يؤديها برشاقة، تجعله أشبه بنسر محلق، ما بين السماء والأرض، أما سكان منطقة الأطلس المتوسط، فيطلقون عليه لقب «إزم» أي الأسد. ارتبط اسم المايسترو برقصة «أحيدوس»، هذا الفن الشعبي الاستعراضي، الذي يميز منطقة الأطلس المتوسط، منذ قرون طويلة، والذي يقوم، بحسب الباحثين، على رقصة تتم بشكل دائري تجمع النساء والرجال، على حد سواء، في شكل نصف دائري، تعبيرا عن الفرح الجماعي، الذي يرافق إحياء الإنسان لحياته الجبلية والزراعية في سهول وتخوم الأطلس المتوسط، حيث العناصر المكونة للرقصة من شعر وغناء ورقص وإيقاع. والجميل في حكاية «المايسترو»، أن ابنه الحسين يقود الفرقة، في غيابه، علاوة على أن حفيده، محمد، صار يرافقه في حفلاته ورقصاته. وبهذا، يكون المايسترو نقل ولعه بفن «أحيدوس» إلى أبنائه وأحفاده. وقال المايسترو، ل«الشرق الأوسط»، إنه راض عن مساره الفني، وإن المهم، في كل ذلك، هو حب الجمهور والتصفيق الذي يستقبله به أينما حل ليقدم رقصة «أحيدوس»، التي قال عنها إنها تختصر تاريخ وتقاليد الأطلس. من جهته، قال حفيده محمد ل«الشرق الأوسط»، إنه يشعر بالفخر كلما وقف الجمهور، الذي غالبا ما يكون خليطا من رجال السياسة والفن، مصفقا لجده وللفرقة «في البداية، شعرت بالرهبة، لكني تتبعت حركات جدي وهو يقود الفرقة، كما هي عادته منذ سنوات طويلة. والآن، لا أستطيع أن أجد التعبير الملائم لأصف لك كيف يكون شعوري، بالضبط، كلما وقفت خلف جدي، خلال الحفلات الفنية». وبصدد الطريقة التي يمكن أن يصف بها جده، قال محمد: «إنه إنسان، قبل كل شيء، وفنان كبير وفريد من نوعه. إنه، باختصار، تحفة فنية». وقال محمد إنه فتح عينيه وسط عائلة فنية مشهورة، ولذلك كان من الطبيعي أن يتشبع برقصة «أحيدوس»، ولا يجرفه تيار الرقص المعاصر. ويعتبر« البندير»، الآلة أو الأداة الموسيقية الوحيدة المستعملة في إيقاع «أحيدوس»، ترافقه، بالضرب على الأكف، أصوات نسائية ورجالية، في شكل دائري متماسك، قوامه الأكتاف، تارة، والأيدي، تارة أخرى، ويصمم لرقصاته وأدائه رئيس الفرقة أو المقدم في لوحات متناسقة. أما أشعار «أحيدوس» فتستقي كلماتها من الحياة اليومية التي يعيشها إنسان الأطلس، وقد تتعدى هذا المجال الجغرافي، في بعض الأحيان، لتشمل بعض الأحداث الوطنية والدولية. ويرى الباحث جميل حمداوي، في بحث له، يحمل عنوان «مدخل إلى الرقص الأمازيغي المغربي» أن المغرب غني بالرقصات الفلكلورية الشعبية، لا سيما الأمازيغية منها، التي ارتبطت بالأشعار والألحان، يشارك فيها الرجل إلى جانب المرأة، بطريقة فردية أو ثنائية أو جماعية، وتقترن بالأعياد والحفلات والأعراس ومواسم الفلاحة، وبفترات المقاومة والنضال ضد الأعداء والغزاة. ولاحظ حمداوي أن الرقص الأمازيغي، غالبا ما يتخذ طابعا جماعيا، في أشكال هندسية متقاطعة أو متقابلة أو متوازية أو دائرية أو أنصاف دائرية، ملاحظا أن هذا الرقص أنواع، بينها «أحواش» و«الركبة» و«أحيدوس». وتعني «أحيدوس» في الأمازيغية، بحسب الحمداوي، الرقصة الجماعية، ويقصد بها، في المعاجم العربية، خفة الحركة أو السرعة في السير. وتقدم رقصة «أحيدوس» في شكل فرقتين أو أكثر، تتقابل مدا أو جزرا أو تتوازى تماثلا بالتراجع أو التقدم، كما يمكن أن تنقسم هذه الفرقة إلى عدة أقسام متساوية. ويقود هذه الفرق الراقصة الشيخ أو الريس أو المعلم، الذي يستعين بحركاته التنظيمية من أجل توجيه دفة الرقص والتحكم فيه إيقاعيا وفنيا وموسيقيا وكوليغرافيا. وتمتد هذه الرقصة، بحسب الحمداوي، من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي للمغرب، وتنتشر في جبال الأطلس المتوسط، حيث الطبيعة الغناء بخيراتها المعطاء. وعدد الحمداوي، مجموعة من البلدات التي تنتعش فيها الرقصة، كخنيفرة وإفران وأزرو والحاجب وتيفلت والخميسات والراشيدية وكلميمة وإملشيل وعين اللوح. وتعتمد رقصة «أحيدوس»، برأي حمداوي، على خفة الحركة والدوران السريع والتنقل بسرعة فائقة، وهي تختلف من منطقة إلى أخرى، لتبقى رقصة منطقة «القباب» بخنيفرة التي يقودها المايسترو موحا والحسين أشيبان هي المشهورة داخل المغرب وخارجه. ويتقدم حمداوي أكثر في توضيح شكل هذه الرقصة، فيقول إنها تتشكل من مجموعة من الراقصين والراقصات بشكل متداخل، يرقصون على أنغام الأشعار الأمازيغية، وضربات الدف والبندير. ويشكل أعضاء الفرقة صفين متقابلين يرسمان أشكالا هندسية عدة، كالشكل الدائري، والصف المستقيم، والشكل التقابلي، وشكل نصف الدائرة، حيث يستعين الراقصون والراقصات بضربات الأرجل وتحريك الأجساد والأكتاف والإكثار من التصفيقات. وعندما تشتد الرقصة وتتعقد الحضرة تسمى الرقصة «تمهاوست»، وعندما تكون الرقصة بسيطة تسمى «تامسراحت»، وعندما يتغنى بقصيدة شعرية كاملة، تسمى الرقصة «تامديازت» أو «أزدايت». وينقسم رقص «أحيدوس» عند الباحثين في مجال الفلكلور الشعبي، بحسب حمداوي، إلى شكلين أساسيين: أولا، «أحيدوس» القصير المنتظم، الذي يتطلب عددا كبيرا من الراقصين الذين يقومون بمجموعة من الحركات الراقصة المدروسة كوليغرافيا، وثانيا، «أحيدوس» الكبير الطويل، الذي يجمع بين الرقص والغناء، ويضم أقل عدد من المشاركين، الذين يقدمون مجموعة من الحركات الراقصة المتنوعة المتقنة والخاضعة للانسجام الهارموني الذي يتجاوب فيه الجسم مع أنغام الموسيقى الأمازيغية. ومن المواضيع التي يتطرق إليها فن «أحيدوس»، يذكر حمداوي، الحب والغزل، والمواضيع المرتبطة بمشاكل الحياة اليومية، والمواضيع الدينية، وبعض القضايا الوطنية والقومية والإنسانية.