كلما خلوت إلى نفسي وأطلقت لمخيلتي العنان لتعود بالذاكرة إلى ماضي السنين أجدها تعود بي إلى سنوات گلميمة الذهبية، حيث الأخلاق الحميدة والجدية في العمل والمثابرة في الدراسة والتضحية من أجل الغير والنتائج الباهرة في المسابقات الرياضية والثقافية والفنية. غير أن مخيلتي هذه الأيام تأبى علي وترفض الرجوع أكثر من أيام قليلة في اتجاه الماضي حيث كل شيء تغير ولا مجال لكل ما ذكرت آنفا في علاقة الگلميميين بالأمجاد والنتائج الباهرة في أيامنا هاته التي طغت فيها الأنانية والنرجسية والمصالح الشخصية بعيدا عن كل تعاون وتآزر من أجل المصلحة العامة. ولا مجال للشك في أن أمجاد گلميمة الغابرة كان وراءها أناس جعلوا مصالحهم الشخصية آخر ما يفكرون فيه أمام تضحياتهم وعطائهم من أجل الغير ومن أجل المصلحة العامة، والمقام ليس مقام ذكر أسماء طبعوا تاريخ گلميمة بالعطاء والتضحية وتقديم المصلحة العامة على مصالحهم الشخصية، لكن حالنا اليوم يجعلنا نتأسف على أناس ظلمناهم ولم نعطهم حقهم، في الوقت الذي يكرم فيه اليوم أشباه الرجال الذين تكالبوا على موائد المصالح الشخصية وجعلوا گلميمة ومصالحها آخر همومهم حتى صغرت في أعين أبنائها لتصير أحقر وأصغر في أعين المدن المجاورة التي كانوا يرونها قمرا يضيء سماواتهم، ولم يعد أحد يحسب لها أي حساب. كنت أتمنى وأنا أحد المبادرين إلى الاحتفال بالذكرى الأولى لزيارة صاحب الجلالة لمدينتنا في غمرة احتفالاتنا بأعياد المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال، أن نستحضر سنوات أمجاد گلميمة التي أبهرت أبعد نقاط المغرب بتوهجها، وننير ظلمات سنوات من الظلام جراء التهميش والإهمال الذين طالا المدينة وأهلها، غير أن كل الأماني تناثرت مع أول هبة ريح هبت عليها لتنكشف أمامنا سوءات كل المسؤولين على گلميمة الذين تمنيناهم على قدر المسؤوليات التي أنيطت بهم لخدمة رعايا صاحب الجلالة في هذا الربع من ربوع المملكة الشريفة. كل الأفئدة التي تخفق بحب هذا الوطن لابد أن تصاب بسكتة حقيقية وهي ترى مجموعة من شباب گلميمة تفشل في إيصال رسالتها العامرة بحب الوطن الكبير من خلال التعبير عن حبها لهذه المدينة الصغيرة التي سعدت في مثل هذه الأيام من السنة الماضية بزيارة قائد الأمة. كانت رسالة الحب التي حاول شباب گلميمة إرسالها إلى صاحب الجلالة عبر قنوات الرياضة التي أرادها جلالته مزدهرة بهذه المنطقة من مملكته الشريفة، فدشن بها قاعة الرياضات، لتكون مجالا للتنافس الشريف وتنمية المواهب، فكان التفكير بتنظيم دوري في كرة السلة واستعراض لفنون القتال ليكون رسالة حب وشكر وعرفان بالجميل لقائد الأمة الذي رفع الحيف والتهميش عن مدينتنا. غير أن أعداء الحب وأعداء النجاح آثروا إلا أن يكدروا علينا صفونا ويشوهوا لوحتنا الجميلة التي أردناها لوحة حب عامرة بالشكر والعرفان، فحلت الحسابات الضيقة والمصالح الشخصية محل كل الاعتبارات التنموية التي طالما تمنيناها لتزيل غبار السنين عن مدينة لم ينصفها التاريخ ولا الجغرافيا فبحثنا لها عن الإنصاف فلم نجد إلا من يحاول طمسها وتشويه صورتها. في الوهلة الأولى التي فكر فيها منظمو هذا العرس الرياضي بإقامة دوري في كرة السلة، كان بديهيا أن تتم الاستعانة بعصبة تافيلالت لكرة السلة التي ينضم النادي الرياضي المحلي تحت لوائها، ودعوة الفرق الأخرى المنافسة للنادي المحلي لإغناء العرس الرياضي وإعطائه نكهة جهوية، غير أن عصبة تافيلالت لم تحد عن نهجها الذي انتهجته من قبل مع الفريق الگلميمي وآثرت الغياب الغير مبرر في إشارة واضحة إلى عدم الرغبة في دعم أنشطة أفقية تنظمها الأندية وانتهاج الأسلوب العمودي الذي أكل عليه الدهر وشرب ولم يعد يعتمد عليه إلا ذوو العقول الفارغة العقيمة من أي إبداع. و في الوقت الذي اختارت فيه بعض الفرق المدعوة الاعتذار عن المشاركة لعدم جاهزيتها لذلك، آثر النادي الفيلالي لأرفود انتهاج أسلوب لا رياضي ولا أخلاقي – كما صرح لنا السيد كريم بن الحبيب المدير التقني للنادي الرياضي الگلميمي لكرة السلة – بقبوله المشاركة ثم تعمده عدم الحضور دون إبداء أي عذر أو حتى الرد على المكالمات الهاتفية التي حاول من خلالها الگلميميون معرفة سبب الغياب. لكن نقطة العرس الرياضي السوداء، أو ما يمكن أن نسميه بالطعنة الحقيقية ليس لمنظمي الدوري فحسب بل لمدينة گلميمة ككل وللرياضة التي أردناها زاهرة ومزدهرة بمدينتنا، فقد جاءتنا ممن كان يفترض بهم المبادرة لدعم أي نشاط يرفع من قيمة المدينة وأهلها. كان من المفروض أن يبادر المجلس البلدي لگلميمة إلى تنظيم أنشطة رياضية وثقافية وفنية تعيد للمدينة توهجها، أو على الأقل أن تساهم في تنظيمها بدعم من يبادر إلى ذلك، أو على أقل الأقل ألا تساهم في إفشال مبادرات شباب لم يكن همهم إلا بعث رسالة حب وشكر وتقدير إلى قائد الأمة وملكها. إن من العيب والعار أن يغيب مسؤولو المدينة عن نشاط رياضي أقيم باسمهم احتفالا بأعياد الأمة، وكم كان مخجلا أن يمر اليوم الرياضي دون حضورهم، وكم كان مخزيا أن توزع جوائز اليوم الرياضي وليس بيننا من يمثل صاحب الجلالة وشعبه. لم أكن أتمنى أن أضطر يوما للكتابة بهذا الأسلوب غير أن الكيل قد طفح ويشهد الله أنني طالما مددت يدي للمساهمة في إصلاح ما يمكن إصلاحه مع هؤلاء، لكن يبدو أنهم لا يفهمون لغة الأيدي الممدودة ويفضلون عليها لغة اللكمات الممدودة، فقد تعبنا من لكماتهم فلينتظروا منا في قابل الأيام ترجمة حقيقية من لغتنا إلى لغتهم. وفي ختام المقال لابد من الاعتراف بفضل كل من ساهم في إنجاح هذا العرس الرياضي رغما عن أنف أعداء النجاح، والبداية بفريق نادي إقرأ لكرة السلة الذي تكبد مشاق السفر من مدينة الرشيدية ليساهم في الاحتفال مع الفريق الگلميمي، للسيد البشير الناصري الذي لم يتوان في أي لحظة عن دعم گلميمة برياضته وفنه وإبداعه، ولحكام عصبة تافيلالت الذين حضروا العرس الرياضي رغم تخلي عصبة تافيلالت عن التزامها معهم بالتكلف بأتعاب مهمتهم خلال الدوري. أما الشكر العميم فنوجهه لكل من شارك في هذا الدوري وتحمل المهانة التي أحسسناها جميعا في غياب مسؤولي المدينة، فلكم كل الشكر وكل مهانة وأنتم سالمون...