“وُلدت بمدينة وزان المغربية ذات أكتوبر حزين وقررت منذ صغري ألا أعيش نفس حياة والدتي ونساء المدينة اللائي كُنّ يتّشحن بالبياض وكأنهن في حزن دائم، قررتُ ألا أحيا الحياة الرمادية التي لم تكن تسمح بالألوان ولا بالفرح، قررت ألا أكون مستسلمة لمجتمع لا يرغب سوى أن يراني راكعة مستسلمة مُغيّبة ويريدني في الوقت نفسه أن أكون جميلة مغرية ومثيرة كي يُشبع ذكورته المريضة”، بهذه الكلمات اختارت ضيفتنا أن تقدم ورقة تعريفية عن نفسها في موقعها الالكتروني،مضيفة:”في وزان الصغيرة، المحافظة والحزينة أدركت أن العالم الذي يمتد خلف شبابيك النوافذ الحديدية لمنزلنا أوسع مدى من حجرات المدرسة التي كنت أشتاق للذهاب إليها هربا من سجن البيت وأن الحياة أكثر شقاوة من السويعات التي كنت أقضيها في مشاغبة إخوتي الثمانية”، لتعرفوا أكثر عن إعلامية مغربية تابعوا الحوار الذي أجراه “نبراس الشباب”. حاورها: حسن الهيثمي. لولا عدد من الصحفيين المغاربة الذين يعملون في محطات دولية لكانت صورة المغرب في الخارج أسوأ بكثير مما هي عليه الآن فدوى مساط، أين أنت الآن؟ أنا مقيمة في العاصمة الأميركية واشنطن. ماذا يعني أن يكون المرء صحفيا مغربيا بأمريكا؟ يعني بكل بساطة أن يكون صحفيا لامعا يعطي صورة مشرقة عن بلادنا ويجعل الأميركان ينظرون إليه باحترام وتقدير كبيرين. واشنطن ليست عاصمة لأميركا فقط بل هي عاصمة تجمّع ألمع الصحفيين المغاربة ومنهم عبد الرحيم فقراء ومحمد العلمي وناصر حسيني ومحسن الجبابدي... صدقني إن صورة المغرب تتلألأ بفضل صحفيين مثل هؤلاء. هل الصحافة أمنية الصغر؟ بدأت القراءة منذ الطفولة لأنني كنت مفتونة بالكلمات وصياغتها ومعانيها ولكنني لم أكن أحلم يوما بأنني سأكون صحفية. كان أساتذتي في الثانوية يتوقعون بأنني سأكون صحفية بفضل كتاباتي في مادة الإنشاء وعندما نجحت في اجتياز المرحلة الأولى من امتحان ولوج المعهد العالي للإعلام والاتصال والمعهد الدولي للسياحة في طنجة وتصادف أن موعد المرحلة الثانية من الامتحانين معا كانت ستقام في اليوم نفسه، استشرتُ أستاذي في اللغة العربية آنذاك عبد الكريم القدميري ولم يتردد أبدا في دفعي لاجتياز المرحلة الثانية من امتحان ولوج المعهد العالي للإعلام والاتصال وهكذا اختارتني الصحافة وبدأ مشواري في بلاطها. لك أضمومة قصصية بعنوان “شيء من الألم”، هل يمكن أن نعرف الألم الباقي؟ أنا بصدد تسجيل باقي الألم على صفحات رواية شقية تأبى أن تطاوعني وتتركني أنهيها، وكلما قلت لنفسي بأنني أوشكت على إنهائها إلا وغطست في مشروع أكاديمي أو مهني جديد وأنساها تماما، يبدو أن شخوص روايتي تعاقبني لأنني أنشغل عنها لبعض الوقت فتتمنع وترفض أن أقتلها رمزيا كي أنهي روايتي! كتاباتك فيها غير قليل من السخرية السوداء، لماذا اختيار هذا الأسلوب؟ هل تصدقني إن قلت لك بأنني لم أختر الأسلوب بل كان هو من اختارني بحكم تجربتي الشخصية وظروف نشأتي وتكويني، أنا إنسانة مقبلة على الحياة ومعروفة بين أصدقائي بحسي الفكاهي وإطلاقي للنكات والسخرية من الحياة... أحب كثيرا أن أواجه الحياة بابتسامة أو ضحكة لأنني أريدها أن تصادقني لا أن تعاديني وأتحايل على عبوسها بابتساماتي التي تتسرب عبر كتاباتي اليومية. أنت كاتبة مغربية مقيمة بواشنطن، هل هي إقامة أبدية أم مجرد فترة مؤقتة وتعودين إلى بلدك؟ جئت إلى هذا البلد من أجل الدراسة والحصول على الدكتوراه في تخصص نادر في المغرب وهو “صحافة التحقيقات الكبرى” لكن ولظروف معينة اضطررت للعمل وتأجيل الدراسة لبعض الوقت وها أنا قد عدت للجامعة وأحاول التوفيق بين العمل والدراسة والبيت وبالتأكيد سأعود لوطني حال حصولي على الشهادة. أي العبارتين تفضلين مواطنة مغربية من “مغاربة العالم” أم من “الجالية المغربية”؟ أفضل مواطنة مغربية وفقط. عبارة “الجالية المغربية” مقترنة في مخيلتي بالطاولات الخشبية المهترئة والكراسي البلاستيكية المستعملة وأكوام الملابس الملفوفة بالبلاستيك الأزرق التي كان يحملها المهاجرون المغاربة المقيمون في أوروبا على سياراتهم عندما يشرعون في عمليات العبور الصيفية حسبما كانت تنقلها لنا كاميرات التلفزة المغربية. كما أن للعبارة معنى قدحيا يجعلها مرادفا للبقرة الحلوب التي تدر على البلاد ملايير العملة الصعبة مما يجردها من بعدها المواطني والإنساني. أنا مواطنة مغربية مقيمة في واشنطن وأكاد لا أطيق صبرا كي أنهي دراستي وأعود إلى بلدي. هل تزورين السفارة المغربية بواشنطن؟ زرتُ مقر السفارة مرة واحدة منذ قدومي إلى هذه البلاد وكان السبب استدعائي للمشاركة في مهرجان دولي للشباب استضافه المغرب قبل سنوات لكنني اعتذرت. أما إن كنت تقصد القنصلية فقد زرتها من قبل للحصول على بطاقة التسجيل وأحتاج إلى الذهاب إلى هناك مجددا للحصول على البطاقة الوطنية الرقمية الجديدة لكنني أتقاعس عن ذلك منذ رحيل القنصل حسن خنطاش الذي كان دبلوماسيا شعبيا يرحب بالمهاجرين المغاربة ويخدمهم وتم استبداله بواحد من “هادوك الدبلوماسيين الواعرين اللي كيعبسوا في وجه مواطنيهم” ويتعففون عن السلام عليهم حسبما قال لي أكثر من مهاجر مغربي هنا! تشتغلين بإذاعة خطها التحريري تابع للإدارة الأمريكية، ألا تشعرين بالحرج عند الحديث عن مواضيع تمس بلدك، واقتناعاتك؟ ولماذا أشعر بالحرج؟ “راديو سوا” يمول من طرف الكونغرس الأميركي (يعني أموال دافعي الضرائب) وهو يعتمد خطا تحريريا مهنيا صارما يخضع لمراقبة مجلس أمناء البث الذين يشرفون على بث إذاعات “صوت أميركا”. المسؤولون في الإذاعة لا يتسامحون أبدا في معايير جودة الأخبار ومطابقتها لحقوق الملكية الفكرية وأخلاقيات الصحافة ومبدأ التوازن. فمثلا لا يمكن أبدا بث خبر لم يتم التأكد منه من ثلاثة مصادر خبرية مختلفة على الأقل ولا يمكن أن يتم بث خبر لا يتضمن وجهات نظر جميع الأطراف المذكورة فيه... ولهذا لم يبث الراديو أبدا خبرا واضطر لتصحيحه أو الاعتذار عنه. العمل في “راديو سوا” أكسبني خبرة دولية في تغطية قضايا المنطقة وسمح لي بمحاورة مسؤولين كبار وصناع قرار دوليين وإبراز وجهة نظر المغرب بخصوص عدد من القضايا التي ربما يعجز إعلامي لبناني أو مصري مثلا عن إدراكها، وصدّقني أنه لولا عدد من الصحفيين المغاربة الذين يعملون في محطات دولية لكانت صورة المغرب في الخارج أسوأ بكثير مما هي عليه الآن. أنجزت تحقيقات متميزة عن الدعارة والخادمات، هناك من شكك في التحقيق الأول، ما تعليقك؟ أنجزت تحقيقا عن الدعارة والخادمات وأيضا عن المتسولات ولم يشكك بعضهم سوى في التحقيق الأول لأن له علاقة بالجنس. السبب في تشكيكهم في تحقيقي هو قولهم إنهم يحضرون سهرات داعرة لخليجيين مع فتيات مغربيات وهي لا تجري بالنحو الذي ذكرت، عفوا ولكنني أخجل من أن أرد على هؤلاء، فصحفيون يقبلون أن يباع اللحم المغربي بتلك الطريقة المهينة المذلة أمامهم ولا يحرك ذلك فيهم أي إحساس بالكرامة أو النخوة أو حتى الرجولة هم لا يستحقون ردّي! تعرضتِ لحملة من بعض المواقع بخصوص خطأ وقع فيه موقع إيلاف الذي تحدث عن مشاركتك في مسابقة الأقلام السعودية، كيف تلقيت هذا الهجوم؟ لم تكن هناك مواقع بل موقع وحيد سرق معظم تحقيقاتي من موقعي الشخصي ونشرها على صفحاته دون حياء ولا احترام لحقوق الملكية الفكرية، موقع “إيلاف” نشر خطأ فوزي بجائزة ثالثة في إحدى المسابقات التي كانت مخصصة للأقلام السعودية لأن أحدهم سرق مقالة لي من موقعي وبعثها إلى المسابقة (تماما كما سرق ذلك الموقع مقالاتي ونشرها وكأنني أعمل لحسابه)، لكن المحررين في “إيلاف” تداركوا الأمر بسرعة ونشروا اعتذارا وحجبوا الجائزة لأنهم اكتشفوا بأن المقال الفائز مسروق. لقد تجاهلتُ الأمر تماما لأن موقعا يعيش على سرقة مجهودات الآخرين لا يستحق مني رد فعل عكس موقع “إيلاف” الذي اتصل بي تحريا للدقة وقام بالاعتذار وحجب الجائزة. أحد الخبثاء قال بأنك غيرت جنسيتك من أجل 750 دولار، هل لك عداوات هي سبب هذه الحملة؟ لقد قلتَها أنتَ بنفسك: إنهم أناس خبثاء والخبيث لا يحتاج لسبب كي ينفث سمومه لأنه إن لم يفعل يموت بأثر تلك السموم التي تملأ قلبه. وبالإضافة إلى الخبث فإنهم جهلاء لأنه لا توجد دولة في العالم تدفع لأحد كي يحمل جنسيتها! الحملة التي تم شنها ضدي وتم خلالها إهانتي والتعرض لشرفي وشرف أسرتي كانت رخيصة وتصدى لها زملاء صحفيون حقيقيون يعرفون بأن مهنة الصحافة أنبل بكثير من مجرد نشر الإشاعات والأخبار الملفقة ونهش الأعراض... إنه علم يدرسه المتفوقون في أرقى جامعات العالم وهي أيضا موهبة يصقلها ذوو الأخلاق ويطورها كل من رفض أن يكون مجرد فرد في جوقة مدجنة تصفق وتغني مقطوعة “العام زين”. كيف توفقين بين الكتابة الصحفية والعمل الإذاعي وكتابة القصة؟ أحاول جاهدة تنظيم وقتي وكنت أتمنى لو كان في اليوم 30 أو 40 ساعة عوض 24 حتى أتمكن من تحقيق أهدافي.. لكن بصفة عامة فإن مساندة زوجي لي ووقوفه بجانبي وإيمانه بي وبموهبتي يمنحني قوة الاستمرار بل ورسم المزيد من الأهداف والسعي لتحقيقها على المدى المتوسط والبعيد. هل لا زلت تؤمنين بالصحافة التي ترفض الجلوس على المكاتب وتحرير مقالات عبر الهاتف؟ طبعا ولهذا بالضبط قررت متابعة دراساتي العليا في هذا التخصص بواحدة من أعرق جامعات العالم وهي جامعة “جورج تاون” بواشنطن وأنوي إن شاء الله العودة إلى المغرب وتدريس مادة أخلاقيات الصحافة بالإضافة إلى تنظيم دورات تكوينية وأوراش حول صحافة التحقيقات الكبرى. آخر مرة زرت فيها وزان، مدينتك دار الضمانة؟ قبل سنتين. ماذا تقولين للمسؤولين عليها؟ كونوا رحيمين بهذه المدينة التي تحتضر ولترأفوا بمعالمها الروحية التي تسكن وجدان كل الوزانيين مهما رحلوا أو ابتعدوا عنها. ذكريات لا تنسيها؟ كثيرة هي تلك الذكريات وأغلبها من طفولتي مع أفراد أسرتي وسنوات دراستي بالمعهد العالي للإعلام والاتصال ولحظات تسلمي لجائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب وأسابيعي الأولى هنا في أميركا.. شخصية من الماضي تتمنين الالتقاء بها؟ “روزا بارك” السيدة التي رفضت الركوب في مؤخرة الحافلة على المقاعد المخصصة للسود إبان فترة التمييز العنصري في أميركا وشكلت شرارة انطلاق حركة الحقوق المدنية التي انتهت بإسقاط سياسة التمييز العنصري في هذه البلاد.. إنها سيدة جريئة وقصة حياتها درس في حد ذاته. ماذا ستقولين لها؟ كنت سأعبر لها عن احترامي لشخصيتها وتقديري لجرأتها وأطرح عليها ثلاثة أسئلة تحيرني! ومن الحاضر؟ أتمنى لقاء عقيلة الملك محمد السادس الأميرة للاسلمى. ماذا ستقولين لها؟ آسفة، ولكنني لا يمكن أن أطلعك على هذا السر لكن له علاقة بملف حقوق المرأة! شكرا لك. وبدوري أشكركم على هذه الاستضافة.