بدون مقدمات و بعيدا عن لغة الخشب، اسمحوا لي أن أنزع جلباب الأدب العربي لأتقمص قالبا جديدا و أعود إلى محبوبتي الرياضة التي تجمعني معها علاقة لم أجد لها بعد تصنيفا بين أصناف الحب العديدة. في ولادة قيصرية خرج هذا الموضوع بعدما زاوجت الرياضة بالدراسة، اليوم أقدم لكم درسا في التنمية الذاتية من خلال مجموعة من الأمثلة الرياضية التي ستجعلك تنمي قدراتك الشخصية لأن الشهادات العليا لا تكف وحدها لبناء شخصية الفرد. من أهم الخصائص التي وجب على الإنسان بصفة عامة التحلي بها هي الثقة في النفس، و ما رأت عيناي يوما شخصا واثقا في نفسه كالروسية” يلينا إزينبييفا” المتخصصة في رياضة القفز بالزانة و الملقبة بطائر النورس. المرأة الوحيدة في العالم القادرة على تجاوز 5 أمتار. هكذا شاهدتها تستعد لدورها، تسترخي أرضا و تغطي أعينها و تترك منافساتها يتنافسن حتى يخرجن من المسابقة فتنهض و تستفسر المنظمين عن أعلى رقم تم تسجيله فتطالب بإضافة 5 سنتمترات له و من محاولة وحيدة تنتزع المركز الأول، بعد ذلك تعمل على تحطيم الرقم القياسي العالمي الذي بحوزتها. “يلينا” تغامر كثيرا لأن رياضة القفز بالزانة تتطلب التدرج في القفز على العارضة من أجل التعود و الانسجام مع ظروف الملتقى و تصحيح الأخطاء في المحاولات السهلة قبل الوصول إلى تلك الصعبة. ثقة “إزينبييفا” في نفسها هي الوحيدة التي تجعل منها بطلة خارقة أتت من رياضة الجمباز لتهيمن على رياضة القفز بالزانة. مثال آخر في نفس الصدد و لكن هذه المرة مع المسافات المتوسطة في ألعاب القوى وبالضبط في ضيافة البطلة الكينية” باميلا جيليمو” الفائزة سنة 2008 بجائزة المليون دولار. بطلة من ذهب ، إن لم أتناقض أنا و ذاكرتي”، تقطع مسافة 800 متر في حوالي 1 دقيقة و 52 ثانية وأقرب منافساتها تعمل 1 دقيقة و 56 ثانية. “هل تعلمون ماذا كانت تفعل “جيليمو”؟ مباشرة بعد بداية السباق تنطلق كالسهم دون النظر إلى الخلف لأنها إذا تمكنت من إنجاز رقمها فهذا يعني بطريقة غير مباشرة أنها فازت بالسباق. بالمناسبة بعد هذا الإنجاز تقدم حوالي 200 شخص لخطبة هذه البطلة قبل أن يكتشفوا أنها كانت متزوجة من قبل. مثال آخر هذه المرة من عالم المستديرة رفقة اللاعب المصري “حسام غالي” الذي سقط في فخ المنشطات بعد كأس إفريقيا الأخيرة. الغريب أن اختبار الكشف الذي خضع له اللاعب له مصداقية عالمية و نسبة صحته تقدر بحوالي 99 في المائة. الثقة العمياء التي كان يتمتع بها اللاعب جعلته يطالب بفحص العينة الثانية رغم مهاجمة الكل له قبل أن تظهر الحقيقة وتشفع له نسبة 1 في المائة المتبقية. ثقة اللاعب في نفسه جعلته ينتصر أخيرا و يسترجع حقوقه كاملة بعدما كان ضحية لاتهامات زائفة. 3 أمثلة أظن أنها كفيلة بتوضيح مدى أهمية أن يثق الشخص في نفسه حتى في الحالات الصعبة وذلك من أجل تحقيق أهدافه كاملة. بعد الثقة في النفس تأتي التضحية وسأكتفي بسرد مثال البلجيكية الأنيقة “كيم كليسترز” التي كانت بطلة كبيرة في عالم الكرة الصفراء و لكنها تركت الميادين لمدة سنتين من أجل الأمومة و رغبة منها في أن تكون صحبة إبنتها بعد الإنجاب تاركة وراءها الشهرة و ملايين الدولارات. بعد سنتين من الغياب عن المنافسات عادت من جديد إلى الواجهة ولم تتأخر كثيرا في ممارسة هوايتها المفضلة، فحصدت اللقب تلو الآخر. ما أجمل تلك اللقطة التي أتى بها مخرج المباراة في نهائي بطولة أمريكا المفتوحة للتنس (إحدى بطولات الكراند سلام) عندما جاء بصورة البطلة أثناء كرة الفوز بالمباراة و البطولة و هي تشاهد إبنتها على المدرجات وحالها يقول “من أجلك اعتزلت سنتين و اليوم أعود مجددا”. بعد الفوز لم تتمالك البطلة أعصابها و كم بكت و هي تتوجه نحو ابنتها لمعانقتها. بعد هذا يأتي دور العمل الجماعي في تحقيق الأهداف فالعمل الإنفرادي غالبا ما تكون نتائجه محدودة . رياضة “الفورمولا وان” تبقى المثال الأبرز لتجسيد قيمة العمل الجماعي. صراحة خلية نحل تتكون من 415 شخص على الأكثر يعملون جميعا من أجل سائقين. تصوروا معي في ظرف 8 ثوان يمكن تغيير كل الإطارات (العجلات) و شحن السيارة بحوالي 70 لتر من الوقود. صحيح أن المعدات جد متطورة و لكن المثال يعكس حقيقة التعاون الحاصل بين أفراد المجموعة الواحدة من أجل تحقيق الأهداف الشخصية و الجماعية. في الأخير نذكر بأن النجاح لا يأتي بالتمني و إنما عن طريق العمل الجاد و مازلت أتذكر كلام مدرب منتخب البرازيل لكرة الطائرة عندما سئل عن السر الذي يجعل البرازيل تسيطر على هذه الرياضة في الفترة الأخيرة فأجاب قائلا ” إذا كان خصمنا يتدرب على الساعة الثامنة فعلى الأقل يجب أن نبدأ نحن التدريب على الساعة السابعة حتى نتمكن من إحداث الفارق و نشتغل على أمور لن يقوموا بها”. مثال بسيط يعكس ضرورة المثابرة في العمل و مضاعفة المجهود من أجل حصد النتائج الجيدة أما أن تقوم بما يقوم به الآخرون فسيجعلك دائما في مستواهم دون الارتقاء إلى أعلى. هكذا يكون درسنا قد انتهى، تبقى الرياضة موطنا لعديد الأمثلة التي وجب الاستفادة منها. أتمنى أن أكون قد أضفت لكم معلومات جديدة تزيد من طموحاتكم و تدفعكم لبذل المزيد من الجهد بغية تحقيق كل أهدافكم. في الختام حبذا لو استعان أساتذتنا في دروسهم بمثل هذه الأمثلة المستوحاة من الرياضة و الفن و الواقع حتى نستوعب أكثر. بقلم الطالب سعيد بونا