قصص قصيرة جدا لميلود بنباقي

جنون.
تمدد محارب منهوك القوى تحت ظل شاهدة قديمة. غلبه النوم، فأسدل سلاحه وغاب.

تحركت عظام القبر تحت رأسه. نفضت التراب والحصى ودود الأرض واستوت واقفة.
تقمصت وجه المحارب، ارتدت لباسه، حذاءه، سحنته، تعبه المزمن، خوفه، ارتباكه..

وحملت سلاحه. أخذت مكانه في ساحة القتال وحاربت بضراوة.
استيقظ المحارب الذي نام قليلا تحت الشاهدة. لم يجد وجهه، لباسه، حذاءه، سحنته، تعبه

المزمن، خوفه... سلاحه. تطلع إلى رفاقه في المعركة، رأى من يشبهه يحارب بجنون.

استلقى

على ظهره وضحك ملء شدقيه.
صاح به: "لماذا تحارب أيها المجنون؟" فلم يسمعه.
عاد يكمل نومه تحت الشاهدة. وفي اليوم الموالي، تسلل داخل القبر واختفى إلى الأبد.

وواصلت كمشة العظام حربها القذرة.
حلم مضاعف.

نمت.. فحلمت مرتين، في النوم وفي الحلم. لذلك كان علي أن أستيقظ مرتين، لكنني لم

أفعل.. فطال نومي ودام أعواما لا أذكر عددها.
أخيرا أيقظني وهن الشيخوخة المتقدمة فوجدت رأسي مأهولا بالشيب وأسناني ضائعة

وجلدي رخوا.
أنبأني أحفاد أحفادي بأن عملة البلد تغيرت عشر مرات، وبأن عشرين حكومة تعاقبت على

حكم العباد، وبأن حروبا ونزاعات لا حصر لها شبت هنا وهناك...
رتبت سنوات شيخوختي بعناية، وعدت لفراش النوم.. فلم أستيقظ أبدا.


حرية.

تمادى الحمار في غيه، فلم يتوقف عن نهيقه القوي. تمادى الفلاح في ضرب مؤخرته.

أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرا ينتقد وضعية حقوق الإنسان في الريف البعيد

حيث يسكن الفلاح وحماره، وهددت بحصار اقتصادي طويل المدى..
قهقه الحمار وقال: "إنهم إخواني في الرضاعة".
ميلود بنباقي